رغم احتدام المتغيرات على نحو عاصف ومتسارع محليا وإقليميا، وما يفرضه ذلك على مختلف أطراف المنظومة السياسية اليمنية – سلطة ومعارضة - ، من ضرورات الكف عن تلك الأنماط من التعاطي غير الجدي مع أزمات الوطن، والتحرك الفعلي في مضامير المعالجة الجذرية وليس السطحية لتلك الأزمات، وتلبية استحقاقات الإصلاح السياسي العميق والشامل، نجد من الأقوال والأفعال ما يؤكد أن الفاعلين السياسيين وفي الصدارة منهم منظومة الحكم، يمضون بإصرار وعناد مخيبين للآمال في ما ظلوا فيه سادرين من غي التعامل السطحي مع مظاهر الأزمات ونتائجها، وليس مع جذورها ومنابتها، والانهماك في الاهتمام بالجزئيات والهوامش والفروع، من قبيل قضايا الانتخابات ولجانها وضوابط إدارتها، وكأني بها وقد غدت جذر ما يعصف بالبلاد من توترات وانقسامات وانسدادان سياسية واقتصادية،بل وكأن التوافق على معالجة قضية الانتخابات سيخرج الوطن من دوامة تأزماته، وسيجنبه مخاطر التفجر والتمزق والانهيار التي تحدق بحاضره وتهدد مستقبله . دوامة تأزماته، وسيجنبه مخاطر التفجر والتمزق والانهيار التي تحدق بحاضره وتهدد مستقبله . أقول قولي هذا في لحظة عصيبة أرى أن اليمن تعيشها اليوم على نحو غير مسبوق، وفي غمرة تداعيات انتفاضة الشعب التونسي الشقيق التي أحسب أنها أرخت لانطلاق رياح تحولات جذرية سيمتد فعلها التغييري إلى مشارق الوطن العربي ومغاربه، وهي لحظة تضعنا نحن اليمنيين وفي مقدمتنا منظومة الحكم أمام خيار المبادرة لتفعيل مقتضيات التعيير الجذري الشامل، إذا ما لأردنا تجنيب بلادنا ما هي في غنى عنه من تحولات معمدة بالدماء والاضطرابات، لكن ما يؤسف له أن ما نلمسه ونرصده هو أن التعاطي مع هذه اللحظة الوطنية الحرجة، لا يرتقي إلى مستوى ما تفرضه من استحقاقات، فقد جاءت مضامين المبادرة التي أعلنها فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية الأربعاء الماضي في الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى، بعيدة كل البعد عن ملامسة جذور الأزمات الوطنية المركبة، ومثلت تواصلا للتعاطي مع مظاهر الأزمات وهوامشها، بل أنها شكلت تواصلا لنهج اختزال الوطن ومكوناته السياسية والاجتماعية في طرفي اتفاق فبراير 2009م غير الدستوري، واختزال أزمات البلاد ومحنها ومآزقها وانسدادان مساراتها في قضية الانتخابات وتقاسم لجانها، والتعديلات الدستورية المطلوبة، والحوار بين طرفي الحاكم والمشترك ومن تحالف معهما، والعودة إلى إبرام صفقات التقاسم الحزبي من خلال الحديث عن ( حكومة وحدة وطنية) بين شركاء عام 1993م، وهي – والحال كذلك – لم تحمل ما يؤسس لمعالجات جذرية لاحتقانات الوطن واختلالات بناه ومنظوماته، وأقصت مكونات سياسية واجتماعية فاعلة بات حضورها وثقلها ودورها محوريا في أي تحرك جدي لإخراج البلد من حالة التفجر المستبدة بها، وتجاهلت بصورة غريبة الاعتراف بالقضية الجنوبية وموجبات معالجتها، وهذا كله أفقد المبادرة الرئاسية القدرة على أن تكون منطلقا لإرساء أسس المعالجة الجذرية لكل ما يفخخ الوطن من توترات وانقسامات وترد اقتصادي ومعيشي، حيث أنها اعتمدت في تعاطيها ذاك على توازنات لخارطة سياسية تجاوزتها المتغيرات الكاسحة على مدى الأعوام السبعة الفارطة،وفرضت توازنات وخارطة قوى جديدة، لا يمكن دون الاعتراف بها وإشراكها، العبور باليمن من حافة الهاوية . لقد رسم حزب رابطة أبناء اليمن ( رأي ) في مشروعه المعلن يوم 20 يناير الماضي، ما يعد خارطة طريق متكاملة وواضحة المعالم من شأن اعتمادها أن يمضي بالجميع إلى حيث يتأتى اجتثاث جذور الأزمات وإرساء أسس الاستقرار والاندماج والنماء والوئام، حيث تضمن في نقاطه التسع ما يؤسس لإطلاق حوار وطني لا يقصي أحدا ولا تكبله السقوف والقيود، يتوج بتشكيل حكومة إجماع وطني ذات سلطات كاملة، يناط بها تنفيذ مخرجات الحوار وصولا إلى تفعيل مقتضيات الإصلاحات السياسية الجذرية الشاملة التي تعالج وعلى نحو عميق جذور الأزمات والاختلالات والتشظيات،ولا نغالي حين نقول أن المشروع الرابطي هذا قد حدد المسار الأسلم للنجاة بالبلاد من كل ما يحدق بها ، أما المراهنة على المعالجات التسكينية والتقاسم الحزبي والحوارات المختزلة ، فهي مراهنة خاسرة لا تحقق انفراجا ولا تدفع إلا إلى مزيد من التردي في مجاهل الانهيار الشامل . ولله الأمر من قبل ومن بعد ..