باتت كلمة (الحوار) أكثر المفردات استهلاكاً في الخطاب السياسي والإعلامي لمختلف تكوينات المنظومة السياسية اليمنية سلطة ومعارضة إذ تضج بها خطابات السياسيين وتصريحاتهم، وطروحات الأحزاب وبياناتها، ويتسابق المجتمع لاطلاق الدعوات، وإبداء القناعات والتأكيدات، التي تظهر حرصاً على (الحوار) بصفته الوسيلة الحضارية المثلى لإدارة الخلافات، ولمعالجة الأزمات، وللعبور الآمن والخلاق من كل المآزق والانسدادات، والانطلاق في رحاب النماء والتطور والإزدهار. ما يؤسف له، هو أن واقع حال البلاد والعباد، دفاق بكل ما هو دال على أن الجميع إلا من رحم ربي نزاعون في مضامير الفعل والممارسة، لكل ما يجعل (الحوار) آلية معطلة، وخياراً مستبعداً، في تعاطيهم مع قضايا الوطن وتأزمات أوضاعه، وهو أمر ظل من المصادر المعمقة والمؤججة لحالة التردي في مجاهل التوترات والصراعات، والانسداد المتعاظم لأفق المعالجة الجذرية التي تجتث مولدات التأزم والاختلال والفشل، إذ يمضي هؤلاء وأولئك في ممارسة فعل الاستبعاد والتعطيل، من خلال ما تنتجه من مواقف واشتراطات تفقد (الحوار) قيمته ومقاصده، وتفرغه من مضامينه وأهدافه، على نحو يجعله مختزلاً في أطراف محددة، وموجهاً للبحث في الجزئيات والأدوات ومظاهر القضايا وتجليات الأزمات ونتائجها، وبما لا ينتج سوى (تسويات) أو (صفقات) تحقق منافع حزبية أو شخصية ضيقة، تضيف مزيداً من أسباب التردي والبؤس والاحتقان، وتمد حالة الاختلال والاعتلال والتصدع، بمزيد من المؤججات الدافعة نحو مزيد من الانهيارات المروعة. قد بلغت تأزمات الوطن اليوم مستويات تنذر بالتفجر، وهو وضع يستدعي الشروع الفوري في حوار وطني شامل لا يقصي أحداً، بصفة ذلك ضرورة لا تقبل الترحيل، لتجني البلاد وأبناؤها ووحدتها مهالك العنف والتشظي والدمار، لكن ما هو ملموس والحال كذلك هو أن جميع الفاعلين السياسيين الذين يتسابقون للترحيب ب(الحوار)، وللتأكيد على إيمانهم بضرورته، لا يبدون من التحرك والفعل، ما يجسد أقوالهم ومواقفهم وقناعاتهم، وهو ما يجعل تلك الضرورة مجرد مفردة في شعار خاوٍ من المعاني والدلالات، بينما الوطن تتناتفه فاعليات التفجر والتمزق والعنف، وتمضي بكل من فيه وما فيه إلى مجاهل مدمرة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.