ما يدمي القلب، ويضرم الخوف والقلق في النفوس، أن الأزمة الوطنية المستحكمة، وعدم الجدية في تلبية استحقاقات معالجتها على نحو جذري، قد عمقت حالة من الانقسام الاجتماعي، هي الأخطر في تاريخ اليمن المعاصر، إذ تكشف التفاعلات المحتدة اليوم في الجنوب، عن تجليات راعبة لتلك الحالة غير السوية، تنذر بما هو أفجع وأخطر على حاضر الوطن وتماسك وحدته ووئام واندماج أبنائه. لا ريب في أن كل مفاعيل الكراهية والأحقاد والنزعات والتمترسات الجهوية والطائفية والمناطقية، مرفوضة ومدانة و (منتنة)، يلزمنا ديننا الحنيف بنبذها و(تركها)، بيد إن الأهم الذي لا يجب القعود والانصراف عنه، هو أن يتحرك الجميع وذوو القرار في البلاد تحديداً، لتفعيل كل ما يزيل المنابع والأسباب المنتجة والمغذية لحالة الانقسام الاجتماعي وأخاديد الكراهية والضغائن والعصبيات، ذلك أن الوقائع الحية تؤكد أن السواد الأعظم من الجنوبيين ، تدافعوا بعفوية زرافات ووحدانا إلى الساحات والميادين العامة في مدن الجنوب، احتفاء ودعما لبشارات إعلان الوحدة اليمنية قبل تسعة عشر عاما من أيامنا هذه، ولم يظهر أي تردد أو إحجام عن الاندماج والتلاحم مع إخوانهم في صنعاء وتعز والحديدة وصعده وإب ومأرب وحجة والجوف وعمران وريمه والبيضاء والمحويت، ولم يبدوا أي نزوع للتمايز الجهوي أو ألمناطقي أو الطائفي، بل انه لم يبرز شيئا من ملامح حالة الانقسام تلك، عندما اضطرم جحيم حرب صيف 1994م، التي تفجرت نتيجة لازمة سياسية وانقسام سياسي، وان اتخذ تمظهراً جهوياً. نعم، الأهم هو المعالجة الإصلاحية العميقة لمولدات وعوامل حالة الانقسام الاجتماعي المستعرة اليوم، وذاك ما لا يمكن أن يتم من خلال الاحتكام لقوة السلاح، وفتح المعتقلات، وعسكرة المدن، وسفك دماء العزل، فكل ذلك لا يفضي إلا إلى تعميق الانقسام والتباغض والأحقاد، وهو السبيل الأسرع والافتك لتفجير الأوضاع، وللذهاب بالبلاد ووحدتها إلى الكارثة المحققة، بل تتحقق المعالجة الجذرية الشافية، من خلال تفعيل المواطنة السوية بمرتكزاتها والياتها المجسدة للشراكة الفعلية والتوزيع العادل للسلطة والثروة، والتوازن في المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتنمية الشاملة المستدامة ، والتوجه الفاعل والعاجل لاعتماد نظام الدولة اللامركزية المركبة، عبر الأخذ بالنظام الاتحادي الفيدرالي الذي يتأتى في سياقه بناء صرح وحدة قابلة للاستمرار والاستقرار والديمومة .. ولله الأمر من قبل ومن بعد ..