ان يتحدث ( هؤلاء ) و( أولئك ) عن ( اتفاق فبراير) المبرم العام الماضي بين بضعة من أحزاب المعارضة والحزب الحاكم ، بصفته الأساس والمرجع ل ( الحوار الوطني ) ، فذاك مالا يبشر بأي انفراج حقيقي يؤسس لفكاك وطني من سعير الأزمات والفواجع والمواجع ، إذ لا يخفى على احد ان ذلك ( الاتفاق ) الذي أباح موقعوه من خلاله لذواتهم الحزبية ، حق تأجيل الانتخابات البرلمانية عامين كاملين ، على نحو مخالف لنصوص الدستور والقوانين ، لم يحمل في طياته ما يجعله أساسا أو مرجعا ، لحوار وطني ينبغي إطلاقه لإنقاذ وطن يحترق بأجج الأزمات ، تتهدد وجوده ووحدته وحياة أبنائه ، نذر التفكك والتشرذم والعنف . لا ريب في ان ما تحتدم به البلاد اليوم اكبر واخطر من ان يتم اختزاله في قضية إصلاح آليات أو أدوات أو أنظمة انتخابية ، وهو أعمق وأكثر تعقيدا من ان تتم معالجته بالعودة إلى ( التقاسم ) الحزبي و ( الترضيات ) المادية والوزارية ، ذلك ان الأوضاع المتفجرة قد بلغت مستويات لا تقبل غير المعالجات الجذرية الشاملة ، وهي – والحال كذلك – قد فرضت توازنات جديدة ، تتجاوز ما كان وما ساد على مدر العقدين الفارطين ، على نحو لا يمكن ل ( اؤلئك ) و ( هؤلاء ) الإمعان في إنكاره وتجاوزه إذا ما خلصت النوايا لتحرك جدي يروم تفعيل المعالجات العميقة التي توطد للبلاد استقرارها وتماسك بنيانها واندماج أبنائها ، أمام ذلك لا نعتقد ان خطورة الحالة التي تستبد بوطننا ، تسمح بإهدار الوقت والفرص والجهود في مالا يترتب عليه غير ذر الرماد في العيون والتمادي في التأزيم ، بل نراها – الحالة – تستدعي مباشرة حوار وطني شامل لا يقصي أحدا من مكونات الوطن وفعالياته السياسية والمدنية والاجتماعية ، ويستهدف وضع الأسس والمخارج الفعالة للعبور باليمن – أرضا وإنسانا ووحدة – إلى رحاب الاستقرار والنماء والوئام والنهوض ، ووضع حد قاطع لكل الأزمات والصراعات والتصدعات المدمرة . ان إعادة هيكلة نظام الدولة على نحو يؤدي إلى اعتماد ( الفيدرالية ) على أساس إقليمين – شمال وجنوب – نراه المخرج الأسلم لتجنيب بلادنا ويلات التفكك والتمزق والعنف ، ذلك ان ما تتقد به البلاد من انقسامات متعمقة ، ومن جموح للنزعات الجهوية والطائفية والمناطقية ، نتيجة للاختلالات العميقة التي أنتجها نظام الدولة المركزية البسيطة ، وسوغ من خلالها الغبن والقهر والنهب والتمييز والإلغاء والاستلاب ، لم يعد ذلك كله يسمح بتكريس ما هو قائم ، وإذا ما تواصل الرفض لمقتضيات الأخذ بالفيدرالية الثنائية ، نحسب جازمين ان البلاد ستساق إلى مجاهل التمزق والتفتت والعنف . ولله الأمر من قبل ومن بعد ..