في خضم هذا الاحتدام العاصف للأحداث المزلزلة الممتدة اضطراماتها من العراق والسودان إلى الصومال ولبنان، أرانا -نحن اليمنيين- من أشد الشعوب والبلدان حاجة للقراءة الواعية والدقيقة والمثمرة لبواعث وجذور وملهبات ذلك السريان الدامي والمتفجر، على النحو الذي يمكننا من امتلاك الرؤية الصائبة التي نحصن بها وطننا وشعبنا من ويلات هذا الانتحار الجنوني لتلك المحارق الراعبة والمدمرة التي تجتاح المنطقة بتسارع رهيب. أقول: إننا من أشد المعنيين بذلك كله، بالانطلاق من إدراك حقيقة أن حالتنا الوطنية بكل ما تحتقن به من أزمات ومآزق وتوترات وتشظيات لا ينكرها إلا مكابر أو معاند، تنهال على بلادنا بكل ما يضعها تحت طائلة التهديد الجدي بممكنات الانهيار في أتون ذلك السريان المفجع لجحيم التفجر، ذلك أن ما حاق ويحيق بأشقائنا في تلك البلدان على اختلاف ظروف كل حالة وملابساتها وخصوصياتها لم يكن نابعاً وفي إطاره العام إلا من التمادي في تأجيج الأزمات والاحتقانات الداخلية وتنمية التشققات والانقسامات الوطنية، والإمعان في تكريس عقليات التسليط والاستبداد، وإنفاذ (قوانين) الغلبة والقهر والإخضاع، على النحو الذي ألهب جذوة المظالم والصراعات والأحقاد، وأخصب المناخات والعوامل لمختلف أشكال التدخلات الخارجية ووفر الأسباب والذرائع المسوغة ل(التدويل) أو التفجير الذي يسحق ويدمي بويلاته أشقاءنا في تلك البلدان، وهو أمر يتهددنا أكثر من غيرنا إذا لم نحسن الوعي بضرورة التحرك السريع والفاعل لإصلاح أمور وطننا ومعالجة تأزمات وتشوهات حالتنا الوطنية، والوقوف بجدية ومسئولية أمام ما يعتري جسدنا الوطني الوحدوي من تمزقات وشروخ أضرمتها متوالية الصراعات ودوامات العنف، وأججتها على نحو مروع سلاسل من الممارسات الاستحواذية والتسلطية والاستقوائية والتمييزية التي أمعنت في شق البلاد بين (منتصر) و(مهزوم) وبين (فرع) و(أصل)، وما ترتب على ذلك من إدماء للجراح وإنماء للتشظيات والضغائن والتوترات إذ أنه بدون المعالجة الإصلاحية لهذا الوضع الملغوم، ستظل مسوغات التدخل والتفجر وافرة، وستبقى بلادنا مهددة بفواجع الانزلاق الكارثي المدمر، أعاذها الله وأعاذنا من ويلاته ومآسيه.