بات هذا السريان المخيف لحالات الاختلال الأمني الممتد في أرجاء مختلفة من بلادنا، بات المشهد الفجائعي الأكثر حضوراً والأشد فتكاً باستقرارنا ومتطلبات نماء وطننا، إذ أضحت فاعلية القتل والخطف والتقطع، فضلاً عن العنف والاحتراب المتفجرة ساحاته من صعدة شمالاً إلى أبين جنوباً هي الفاعلية الراعبة التي تضرم في أعماقنا، الشعور المؤلم بذاك السريان المتدفق لتلك الحالة المختلة .. لاشك في أن ما يجري ليس إلا تجلياً من تجليات الأزمة الوطنية الشاملة ، ذلك أن ما تضطرم به البلاد من شمالها إلى شرقها ومن غربها إلى جنوبها، من مظالم ومفاسد وانتقاص وغبن وتمييز وتهميش وحرمان، وما يواكب ذلك من فرض ل ( قانون القوة )، وتعطيل ل ( قوة القانون ) ولحاكميه القضاء واستقلاليته ونفاذ أحكامه، كانت ومازالت عوامل إيقاد وتفجير لسعير العنف الفالت، الذي يظل مرفوضاً ومداناً بكل أشكاله ومصادره، ومهما تكن دوافعه ومبرراته، ذلك أنه ليس السبيل الأمثل لإحقاق حق أو لدفع باطل، فضلاً عن أن الانجراف إلى محارقه، يعمق من انكسارات الوطن وخراب مساراته، وتقويض استقراره، ومن هنا نحسب أن التنامي المضطرم لحالة الاختلال الأمني وانفلاتات العنف، وهي الحالة التي تفصح عن تصاعدها واتساعها، متوالية الحوادث والعمليات التي شهدتها عدد من مناطق البلاد، خلال الأيام القليلة الماضية، لا نراها إلا دالة على أن اللحظة الحرجة التي يمر بها وطننا لا تحتمل أي قدر من المكابرة والعناد، وأن التحرك صوب إنجاز مصفوفة الإصلاحات الوطنية الشاملة المحققة للمواطنة السوية بكافة مرتكزاتها وآلياتها، هو الضرورة والسبيل لتفادي انهيار مروع تحتشد بنذره تلك الاختلالات وبؤر العنف المتفجرة، إذا ما تم التمادي في إيصاد سبل الإصلاح والتغيير الحقيقيين .. إن التعاطي مع ما يحدث بعيداً عن استحقاقات الإصلاح المفضية إلى تجسيد العدالة في توزيع الثروة، والديمقراطية المحققة للتوازن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بين فئات الوطن ومناطقه، والتنمية الشاملة المستدامة، وهي المرتكزات المحققة للمواطنة السوية، إن تعاطياً كهذا لن ينتج معالجة وطنية جذرية ودائمة، بل سيعمق من حالة الاختلال، وسيضاعف من فواجع الانزلاق في مجاهل مدمرة .. ولله الأمر من قبل ومن بعد ..