منذ انطلاق فعاليات الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية، رفضاً واحتجاجاً على السياسات والممارسات غير السوية والممزقة للوشائج والأواصر، والملهبة للجراح والضغائن والتشققات، ظللنا نؤكد على موقفنا الداعم لكل القضايا الحقوقية والمطلبية، ولمشروعية كل حراك شعبي يروم إحقاق حقوق أو دفع مظالم، مادام حراكاً سلمياً، لا يداخل فاعليته أي نزوع للعنف بكل صنوفه، وكنا ومازلنا نشدد على أن التعاطي المسئول والعقلاني مع الحراك السلمي المدني المكفول دستورياً وقانونياً، لا ينبغي أن يتم من خلال فوهات البنادق والرصاص الحي والممارسات البطشية القامعة، بل بالتحرك الجدي والمنتج لإجراءات فعَّالة من شأنها رفع الغبن والجور وتلبية حقوق الناس وحاجاتهم ونزع فتيل الاحتقانات والتوترات.. إن التلكؤ في مواجهة جذور الأزمات، وكبح جماح الممارسات الاستقوائية الظالمة، التي ظلت تنهال على أبناء الوطن عموماً، والمحافظات الجنوبية خصوصاً، بكل صنوف التمييز والانتقاص والإضعاف والإلغاء، و التي ظلت تحفر أخاديد من الألم والانهزام والإحن والضغائن، إن ذلك كلَّه أدى إلى تفجّر الحراك السلمي، وإلى المضي به من دائرة الحراك الحقوقي حول قضايا مطلبية، إلى حراك سياسي محتشد حول قضية سياسية، بل إن الإمعان في تجاهل القضايا المطلبية والحقوقية، والإصرار على عدم اتخاذ أي إجراءات جادة وفاعلة تلبي حاجات تلك القطاعات من المواطنين، أفضى إلى تصاعد وتائر الحراك، وأفسح المجال واسعاً أمام كل من يريد ركوب موجاته، واستخدام آلام المقهورين للابتزاز والمساومة وانتزاع منافع حزبية أو شخصية ضيقة وانساق بالحراك إلى (مربعات) رفع الشعارات وإطلاق الدعوات للانسلاخ عن (الوحدة)، والعودة إلى (التشطير)، بصفة ذلك السبيل الوحيد للخلاص من جحيم الممارسات الظالمة، والمفزع – حقاً – هو أن قطاعات واسعة ممن يشتوون بمحارق النهب والسحق والتمييز، كفروا بالوعود والخطابات والمشاريع والمبادرات الضاجة بمفردات (الإصلاح) و (التغيير)، وباتت الدعوات التمزيقية الهدَّامة تجتذبهم، وذاك – لعمري – مؤشر دال على أن (الحالة) لا تحتمل أي قدر من التعنت والتردد، وأن انهيارات وشيكة ومدمرة تتهدد الأرض والإنسان والوحدة، إذا ما تمادى المكابرون والمعاندون في رفض التحرك الفعلي والملموس لإنجاز مصفوفة الإصلاحات الوطنية الشاملة والجذرية والعميقة . ولله الأمر من قبل ومن بعد ..