ثمة من يمعن في الاستخفاف بحالة التأزم والتوتر المستعرة على امتداد الجنوب ، ويمضي – مع سبق الإصرار – إلى تغذية صانع القرار بالمعلومات والقراءات المغلوطة ، التي تصور له ما يضطرم هناك ، على انه ( حراك ) مفتعل ، يثير نفر من ( المشاغبين ) المعزولين عديمي الوزن والقيمة والتأثير ، ممن ( ارتهنوا ) ل ( مخططات ) و ( مؤامرات ) خارجية ، وان إخماد هذه ( الزوبعة ) لا يتطلب سوى تشكيل مزيد من ( اللجان ) الميدانية لمعالجة القضايا ( المطلبية والحقوقية ) ، وإطلاق العنان للأجهزة الأمنية ل ( ردع العابثين ) ، وكبح جماح ( الحراكيين ) هناك . ان الإصرار السلطوي على الاستخفاف بالأوضاع المتفجرة في الجنوب ، ومن ثم عدم الاعتراف بحقيقة ان ( الحراك الجنوبي ) ، بات التعبير الأوضح لحالة الاحتجاج والرفض والسخط المتعاظمة في مختلف محافظات الجنوب ، وان شعاراته ودعواته ما طفقت تستقطب المزيد من الاحتشاد الجماهيري ، بعد ان بلغت السياسات والممارسات التمييزية الافسادية ، بجموح المسحوقين المنهوبين المغبونين ، حدود اليأس من إمكانية إحداث إصلاحات حقيقية وجذرية في إطار ( الوحدة ) ، ان ذلك الاستخفاف ، وما يترتب عليه من تماد في رفض استحقاقات الإصلاح السياسي الوطني الشامل ، والإفراط في إنتاج الإجراءات التخديرية والمعالجات الجزئية الشكلية ، وتصعيد المواجهات الأمنية القامعة والدامية ، لا نراه الا تعاطيا فعالا في تأجيج الاحتقانات ، وتعميق الانقسامات والتصدعات ، وتنمية الضغائن والصراعات ، على النحو الذي يجعله باعثا ومحفزا لتصاعد حركة الاحتجاج والرفض ، واتساع مساحتها ، وتعاظم المحتشدين في ساحاتها . لقد ان الأوان لكي يكف المكابرون عن مكابرتهم ، وذلك من خلال الاعتراف بخطورة ما يتقد به الجنوب ، والوقوف على حقيقة ان هذه الحالة الراعبة ، نتاج ما يتعمق في نفوس الناس هناك من أوجاع الإقصاء والاستلاب والتمييز ، التي تلهبها الممارسات النهبوية التمزيقية الهدامة ، وان المنطلق لتفعيل معالجات جذرية شافية ، لا يكمن الا في تجسيد العدالة في توزيع السلطة والثروة ، وتحقيق الشراكة الفعلية والتوازن الشامل ، بحيث يستعيد الجنوبيون والشماليون شعورهم بالوجود الحي والفاعل في إطار الوحدة ، وتشابك مصالحهم ومنافعهم دون انتقاص أو استلاب ، وهو مالا يمكن ان يتأتى الا من خلال إعادة هيكلة نظام الدولة ، على نحو يلبي مقتضيات اعتماد الفيدرالية الثنائية ، بصفتها النظام الأمثل لترسيخ الوحدة على أسس توفر لها القابلية للاستمرار والاستقرار والمنعة ، أما إذا تمادى الرافضون في رفضهم ، فلا نحسب الا إننا مقبلون على مالا يبقي لنا وطنا ولا وحدة .. ولله الأمر من قبل ومن بعد . .