الاستهانة بما يجري في الجنوب، والإصرار على عدم التحرك باتجاه معالجة قضاياه وتلبية حقوق المواطنين ومطالبهم هناك، ووضع حد قاطع لكل أشكال العبث والاختلال والتمييز والإفساد، لا نراه إلا ضرباً من ضروب المغامرة بالوطن ووحدته، لن يفضي إلا إلى تأجيج الاحتقانات والدفع بالأوضاع إلى مزيد من التفجر. نعم، إن الغالبية في الجنوب لا تزال صامتة، ولم تلتحق بمعترك (الحراك السلمي) حتى الآن، لأسباب ومحاذير كثيرة لعل أبرزها الوعي بحقيقة أن الإصلاحات الجذرية الحقيقية في إطار الوحدة، هي السبيل الأسلم للخروج من دوامة الأزمات، ومعالجة كل الاختلالات، وقطع دابر الممارسات الاستلابية التمييزية الإقصائية التمزيقية المدمرة، وامتلاك بقايا أمل في إمكانية التحرك في مضامير الإصلاح والتغيير الشاملين، لكن ما يتوجب إدراكه واستيعابه، هو أن تلك الغالبية لن تظل صامتة إلى ما لا نهاية، وأن إصرار السلطة على تكريس الأوضاع المختلة القائمة، وتأجيج سعير السياسات والممارسات الاستحواذية التمييزية التهميشية، ورفض الانطلاق بفاعليات الإصلاحات والتغيير، سيظل يدفع بمزيد من المقهورين والمسحوقين والمغبونين، للانخراط في ساحات (الحراك الجنوبي)، وتعزيز الدعوات ل "فك الارتباط"، إذ سيكونون – والحال كذلك – قد فقدوا الأمل و(كفروا) بإمكانية الإصلاح تحت سقف الوحدة، واندفعوا لالتماس الخلاص من خلال الدعوة ل "فك الارتباط" و "واستعادة الدولة". لا شك في أن السلطة ترتكب أخطاء فادحة، عندما تواصل مع سبق الإصرار الاستهانة بما يتقد في الجنوب، وعندما تمضي في تعنتها ورفضها للمبادرات الوطنية التي تحمل حلولاً ومخارج ناضجة وآمنة، من شأن تفعيلها العبور بالوطن ووحدته من حافة الهاوية، والتجسيد الفعلي لمقتضيات العدالة في توزيع السلطة والثروة، وللشراكة الفعلية والتوازن في المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين مناطق الوطن وفئاته، وللتنمية الشاملة المستدامة، على قاعدة اعتماد النظام (الفيدرالي) المعزز للاندماج ولتبادلية المصالح والمنافع، والكابح للغبن والتمييز والتشظي والانقسام، ذلك أن السلطة بإصرارها هذا وتعنتها ذاك، تدفع باليمن – إنساناً وأرضاً ووحدة – إلى مزيد من التأزم والتفجر، وتدفع الجنوب كله إلى معترك (الحراك)، بعد تعميقها لليأس من إمكانية المعالجة في إطار الوحدة ، وذاك – لعمري – ستكون عواقبه خطيرة وكارثية . ولله الأمر من قبل ومن بعد ..