فيما أخبار حريق الوطن الواحد في محافظتي صعدة وعمران سيئة للغاية، يبقى الأسوأ منها هو تناقضها، فالسلطة تقول في وقت سابق بأنها عازمة على اجتثاث خصمها حتى لو طال أمد الحرب لسنوات، ثم تعود لتختزل هذا الأمد في وقت لاحق، وتؤكد أن الحسم بات وشيكاً، والحوثيون من جانبهم يمارسون، حد قولهم، حق الدفاع عن النفس، ثم يهددون بحرب استنزاف طويلة وبتوسيع جبهات القتال، وأخبار الميدان لكلا الطرفين موزعة بين دحر واندحار، وتصدٍ وإفشال، وهزيمة وانكسار، وسيطرة وإحكام ...وهكذا تتوالى الاخبار يومياً، وبين هذين المتناقضين واختيار الصعديين لغة الصمت ترقباً لما ستسفرعنه نتائج الحرب السادسة، تبقى صفوة صعدة الثقافية خيارك المفضل لقراءة مسار هذه الكارثة واستقراء ما سيوؤل اليه هذا الجحيم، وعلى ذلك تنفست (رأي) في حوارها مع الكاتب والصحفي عبد الله السالمي في هذه القراءة والاستقراء ، فضيفنا أحد أبناء مديرية آل سالم بمحافظة صعدة وواحداً ممن اكتوى بنار هذا الجحيم وأحد المتابعين بعمق لحروبها الستة ولجغرافيا الجولة السادسة بالذات ... فإلى الحوار بداية هل يمكن أن تضعنا في صورة ولو تقريبية لجغرافية الحرب السادسة؟ - طبعاً هذه الحرب توسعت بخلاف الحروب السابقة إلى مناطق كثيرة، انتشرت من شمال المحافظة إلى غربها إلى جنوبها وتوسعت الى الداخل عاصمة المحافظة، وهناك جبهة أخرى تتحفز في الشرق، هذه الجبهات كلها مجتمعة تعنى أن الحوثيين عملوا هذة المرة على تشتيت جبهات القتال، وتشتيت جهود الدولة والجيش معاً، لاعتقادهم بأن هذة الاستراتيجية ستضعف من شأن مواجهتها لهم. لكن لماذا يكرس الحوثيون جهودهم على بعض المحاور كالملاحيظ وحرف سفيان؟ - بالنسبة لمحور الملاحيظ فهذا عائد الى طموح الحوثيون بأن هذه الجبهة هي أمتداد لمحافظة حجه وبالتالي السيطرة على ميناء (ميدي) وهو ما يتحدثون به داخل استراتيجيتهم في الخفاء، وأيضاً هناك خطة لاحكام السيطرة على الشريط الحدودي الممتد مع السعودية، أما عن إبقاء المعركة في جبهة سفيان على أشد ما يكون فهو يأتى لتأكيد ما تحدثوا به في استراتيجيتهم في الحرب الخامسة من أنهم سيوسعون حربهم الى هذا المحور، وأن هذه الحرب مثلت بالنسبه لهم انتصاراً بعد إيقاف الرئيس الحرب في منتصف 2008م ، وقالوا حينها إن ما يليها ستكون هي الحرب الأخيرة التى سينتصرون فيها. لكن في مقابل ما ذكرت سلفاً يتحدث الجيش أنه هو من اختارجغرافية هذة الحرب؟ - أولاً الحوثيون أدرى بتضاريس المحافظة، وهذا شيء مسلّم به، وهنا نستطيع القول: إنهم الذين فرضوا جغرافية الحرب، ومن ناحية أخرى هم يسعون لتوسيع دائرة الحرب باتجاه العاصمة صنعاء عبر جبهة حرف سفيان أو باتجاه محافظة حجة عن طريق الملاحيظ، فهم أرادوا توسيع رقعة هذه الحرب وكان هدفاً استباقياً بالنسبة لهم. تحدث الحوثيون في الأيام القليلة الماضية عن سيطرته على الجبهة الأخرى لوصول الإمدادات للجيش والنازحين وكذا تمسكه بإغلاق منفذ حرف سفيان ما صحة هذا الحديث؟ - ادعاء الحوثيين مؤخراً أنهم أبقوا الطريق الذي يربط صعدة بوادي أملح بكتاف ثم ينفذ إلى الجوف لإدخال المواد الغذائية إلى المواطنين وأن الدولة استخدمت هذا المنفذ للتمويلات العسكرية، هو كلام غير صحيح، فمن خلال الاطلاع الوثيق بطبيعة المحافظة يتبين بطلان هذه الدعاوى، لأن الألوية والمعسكرات موجودة داخل صعدة، وهذه المنطقة التي أدعى الحوثيون أنهم قطعوا الطريق فيها، لم يكن فيها على امتداد الخط بما فيها كتاف أيضاً أية مواجهات مسلحة، وكانت منطقة آمنة، وكانت هي المنفذ الوحيد التي تأتي للمواطنين في منطقة البقع ومديرية الحشوة وكتاف بالتموينات الغذائية، فالحوثي بعد أن سيطر على هذه المنطقة بالذات أراد أن يستهدف المواطنين ويجعلهم تحت حصار شامل، أما عن منفذ حرف سفيان فصحيح أنه لم يفتح و أن هناك مواجهات شرسة، وصحيح أنه لو فُتح هذا الخط لأمكن وصول التعزيزات العسكرية والغذائية للنازحين، لكن الحوثي يستهدف النازحين والمواطنين بالدرجة الأولى. ما هي استراتيجية الحوثي من وراء هذا الاستهداف؟ هل هو تضييق الخناق على الجيش أم ماذا؟ - الحكاية ليست حكاية استهداف الجيش؛ لأن الجيش يعتمد على منافذ أخرى و سلاح الجو لإيصال تعزيزاته العسكرية والغذائية، وإنما تأتي في إطار خطة يهدف من ورائها الحوثي أن يجعل المحافظة في حالة حصار شامل وكامل؛ كي يقول للمواطنين إن الدولة هي التي حاصرتكم حتى يجبرهم على الانضمام إلى صفوف أتباعه وأن يكونوا معه. تتحدث مصادر محلية وعسكرية عن سقوط أعداد كبيرة من الحوثيين خلال هذه الحرب ومع ذلك لايزال يكثف هجماته على محاور القتال في تقديرك كم هو المخزون البشري الذي يمتلكه الحوثي؟ - الذين هم في الواجهة ويحملون السلاح لا توجد إحصائية دقيقة وهذا بالطبع بعيدا عن الذين يؤيدونهم، لكن ربما يتراوحون بين (510)آلاف في هذا المستوى، ورغم سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف أتباعه وبالذات خلال هذه الحرب سواء في صفوف قياداته أو في صفوف الأفراد الذين يدفع بهم إلى البركان إلا أن الحوثي لا يشير إلى أي من هذه المعلومات، ويحاول جاهداً إخفاء خسائره البشرية سواء في هذه الحرب أو الحروب السابقة وما يؤكد ذلك ما رأيناه خلال الهجومين العنيفين اللذين شنهما أعداد كبيرة من أفراده على مدينة صعدة ووقع منها بحسب شهود عيان المئات من القتلى والجرحى، ومع ذلك أنكر الحوثي تماماً هذه الخسائر البشرية. بعض الكتابات الصحفية أشارت الأسبوع الفائت إلى أن الحوثيين باتوا شيئاً فشيئاً يحكمون حصارهم على الجيش؟ - لا يمكن الحديث عن أن الحوثي يمارس حصاراً على الجيش، باعتبار ما يملكه الجيش من آليات للدعم والتمويل سواء ما هو موجود في المحافظة أوما يأتي من خارجها، فهناك تمويل موجود في الداخل في معسكرات التمويل الموجودة في محافظة صعدة أو من هو مرابط على الحدود.. ففي مديرية الملاحيظ مثلاً القوات المسلحة موجودة في منطقة الكمين، والتمويل يأتي من جهة مديرية حرض محافظة حجة، كيف تسنى لهذه الكتابات معرفة أن الجيش يعاني حصاراً ضارباً من قبل الحوثيين مع أن الجبهات الخلفية للجيش مفتوحة للإمدادات العسكرية والتموينية، فهذه التحليلات لا أساس لها من الصحة. في الحرب السابقة كنا نسمع عن قيادات كبيرة للحوثيين كعبد الله الرزامي وغيره.. لماذا لم يظهرلهذه القيادات أي دور في هذه الجولة من الصراع؟ - المتمردون ليسوا على وجهة واحدة، وهذا ما ينبغي الالتفات إليه، فبعد أن قتل حسين الحوثي في الجولة الأولى هناك من جماعته بقيادة (عبد الله الرزامي) من يعتقد بأنه لم يقتل، وهو في ظنه أنه هو المهدي المنتظر، وأنه سيبعث لاحقاً، بالإضافة إلى جماعة أخرى تتبع شخص يدعى (جعفر الكعبي)، هذا الشخص وهو ممن قاتل مع حسين الحوثي يعتقد بالاعتقاد ذاته، وهؤلاء جميعاً يرون بأن عبد الملك الحوثي جاء إلى قيادة الحوثيين مع عدم أحقيته بالقيادة لصغر سنه وكونه شاباً طائشاً وأشياء كثيرة، فهولاء يدعون أن عبد الملك أخذ منهم القيادة عنوة، وعلينا أن نفرق بين صنفين من الحوثيين، الصنف الاول هم الأوائل كانوا على شيء من العقيدة وكانوا يعتقدون أنهم يقاتلون من وجهة نظر دينية، بصرف النظر عن مساوئ هذا الاعتقاد وتطرفه، لكن اللاحقين من أتباع عبد الملك معظمهم من أصحاب الثأرات وممن لديهم سوابق جنائية، وأيضاً من صغار السن والمشردين، حيث شكل منهم قطيعاً ليوجههم إلى الحرب. هناك شائعات تقول إن الرزامي ليس له دور في هذه المعركة أو أن دوره لم يحن بعد؟ - لا أعتقد أن الرزامي قد شارك في هذه الحرب، والكثيرون تحدثوا في محافظة صعدة بأن الرزامي قال بأنه لن يدخل في هذه الحرب، وهويتمترس في منطقة نقعة مع أصحابه، كذلك الحال بالنسبة للكعبي القابع في منطقة الصدر في كتاف، هؤلاء لم يشاركوا في هذه الحرب بالمعنى الدقيق للكلمة قد ربما لديهم نوع من التنسيق مع عبد الملك الحوثي باعتبار أن أخيه حسين هو مرجعيتهم جميعاً، وهو المكون لهذا التنظيم؛ بمعنى أنه في حال قتل عبد الملك فسيأتي دور هذه المجموعات بالتأكيد، الذي يجمعهم هذا النسق الذي أسسه حسين الحوثي لمحاربة الدولة؛ كونها توالي حد زعمهم أمريكا واسرائيل فإمكانية اشتراكهم في الحرب إمكانية واردة. نسمع وبشكل يومي من النازحين عبر وسائل الإعلام الرسمية اعتداءات مارسها الحوثيون ضدهم؟ لماذا لم نسمع بمثل هذه الممارسات خلال الحرب السابقة؟ - الحوثيون في هذه الحرب حملت استراتيجيتهم النزعة العدائية والتي تجلت كثيراً في الحرب السادسة.. هناك نزعة عدائية تتأصل وتبرز بكثرة من الحوثيين ضد المجتمع وضد الذين يؤيدون الدولة ويحسبون أنهم موظفون في الدولة ويحصلون على رواتب منها، فهم بهذه النزعة يريدون أن يقولوا للناس قفوا إلى جانبنا وإلا فأنتم ضدنا، فالحوثيون في أكثر من مكان فرضوا نقاط تفتيش ومعهم قوائم بأسماء من هم محسبوين أو موظفين في الدولة، واعتقلوهم وحبسوهم ومارسوا بحقهم أصنافاً مختلفة من العذاب، وأقاموا محاكم تفتيش واختاروا لهم حكاماً ليس لهم في الدين ناقة ولا جمل.. فأتباع الحوثي يأخذون الناس بالقوة، لتقديمهم إلى هذه المحاكم، وفرضوا الكثير من الأمور على الناس، منها زكاة الفطر وزكاة الأموال العامة وهناك جباية أشبه بالضرائب، ويأخدونها عنوة منهم، والأخطر من ذلك أنهم يدركون أن هناك أفراداً يوالون الدولة، لكن الحوثيين يلجأون إلى مقاومة الدولة ومواجهتها من مناطقهم كي تضطر الدولة إلى ضربها وتدميرها.. يتوقع كثير من خبراء حرب العصابات أن هذه الحرب لن تحسم إلا إذا تمكن الجيش من قطع خطوط الإمدادات عن الحوثيين، وتتحدث مصادر محلية أن الجيش لن يستطيع إحكام السيطرة على جميع هذا المنافذ.. كيف تقيم مثل هذا التوقع؟ - يبدو لي أنه من الصعوبة بمكان السيطرة الكاملة على خطوط إمدادات الحوثيين؛ لأن طبيعة المجتمع طبيعة معقدة، وأنت لا تستطيع أن تقرر من هو مع الدولة ومن هو ضدها بالمعنى الدقيق، فهناك العديد من المنتفعين من حرب الحوثي وإن كانوا لا يوالونه ولا يؤمنون به، لكن من مصلحتهم إطالة أمد الحرب، لذا فإنهم بطريقة أو بأخرى قد يمدون الحوثي بالسلاح والمال، أما مسألة قطع خطوط الإمداد يمكن للدولة من جهة حرض وسفيان وجبهة كتاف من جهة الجوف أن تقطع خطوط الإمدادات بشكل شبه كامل، لكن هناك نقطة غاية في الأهمية، هناك بعض المشائخ ليسوا بالكثرة، قد يكونون بعدد الأصابع، وقد يكون هناك بعض الأفراد والمشائخ سواء داخل الوطن أو خارجه لهم رؤية انتقامية ضد الدولة وجميعهم يعملون على دعم الحوثي، من دون معرفة الدولة على الأرجح.. فهؤلاء يشكلون سنداً للحوثيين لا أقول كل الدعم وإنما يشكلون جزءًا مهماً من روافد استمرار الحرب في صعدة. إذا أمد الحرب سيطول ولن نتوقع حسماً وشيكاً كما تدعيه الدولة؟ - الحرب الأخيرة في ضراوتها كانت شديدة، بحيث أنها جعلت الحوثيين يدفعون ثمناً باهظاً، فهناك الكثير من الحوثيين قادة وأفراداً لقوا مصرعهم.. وعلى الأقل فإن نقمتهم الشديدة على المواطنين وضغطهم الشديد أن يأخذوا إتاوات من المواطنين، هذا كله يدل على أنهم وصلوا إلى حالة من الاستنزاف، وباتوا يبحثون عن أدنى صور الدعم، لأنه ليس من مصلحتهم أن يستعدوا المواطنين في هذه المرحلة، لأن المواطنين يمكن أن يهبوا في اصطفاف شعبي لمواجهة الحوثيين كما حدث في دماج، حيث اضطروا إلى مواجهة الحوثي وقتلوا العديد من أتباعه، ومع ذلك فهم يلجأون إلى هذا؛ لأنهم قد ضعفوا. أمد الحرب ربما لن يطول هذه المرة بحسب الساعات والأيام؛ لأن هذه الساعات والأيام التي طالت قد أحدثت خللاً واضحاً وضرراً كبيراً فيهم، ومع ذلك هناك الكثير مما يعمل على إطالة أمد هذه الحرب ويمكن في النهاية أن تستمر هذه الحرب إلى أجل لا نستطيع أن نحدده الآن، لكن استمرار المواجهة هي استراتيجية الدولة كما يبدو لي الآن، لما من شأن هذه الاستراتيجية أن تنهك قدرات الحوثي وتجبره على الاستسلام.