الدعم السياسي العربي والدولي ليمن مستقر وموحد جاء مفاجئا للحوثيين الذين لم يكونوا يتوقعونه على الأقل بهذا الحجم، لذا سارعوا للتحرك في الإطار السياسي وإعلان ترحيبهم بالحوار لكسب نوع من التعاطف. وفيما لم يشر إعلانهم إلى القبول بشروط السلطة الخمسة لوقف الحرب التي من بينها النزول من الجبال وتسليمهم الأسلحة المتوسطة والثقيلة فقد أبدو استعدادهم لأي حوار وطني. وعلى ما يبدو فقد استشعر الحوثيون افتقادهم للتعاطف الداخلي كونهم لا يحملون مشروعا ذا قيمة مجتمعية ما جعلهم يربطون استعدادهم للحوار بالوضع المعيشي للشعب وقال عبدالملك الحوثي في بيان إنه وبعد دراسة متأنية لمشروع رؤية الإنقاذ الوطني فقد رأيناه جهداً قيماً شمل أغلب مشاكل البلد لما تضمنه من تشخيص للأزمة التي يمر بها اليمن وطرح الحلول والمعالجات والأفكار والعودة إلى حوار حقيقي وجاد مع كل الأطراف اليمنية للخروج برؤية وطنية تشمل معالجات كل قضايا البلد" هذا الموقف جاء مخالفا لدعوة سابقة وجهها الحوثي للسلطة للحوار وقطع الطريق أمام المستفيدين من التأزيم وشنه هجوما حينها على حميد الأحمر ومشروعه للحوار الوطني. من جانبها رحبت الأمانة العامة لما يسمى بلجنة الحوار الوطني التابعة للمشترك بإعلان الحوثي استعداده للحوار وترحيبه برؤيتها الإنقاذية. رئيس اللجنة التحضيرية للحوار رحب بموافقة الحوثي على حوار وطني بالتطور الإيجابي وفيما لم يحدد بعد آلية الحوار فقد ذكرت المعلومات أن أمين عام جامعة الدول العربية في زيارته لصنعاء الأسبوع الفائت طرح أفكارا لحل الصراع في صعدة على أساس قبول الحوثيين أولا بالشروط الخمسة المقدمة من الدولة وأن رئيس الجمهورية أكد لموسى خلال اللقاء به أنه منفتح على أي حوار مع مختلف الأطراف اليمنية في الداخل أو الخارج في الإطار الوطني، وضمن الدستور والقانون، ليعلن بعدها مصدر حكومي أن نحو ثلاثة آلاف شخص يمثلون مختلف القوى السياسية المحلية سوف يتحاورون في شهر نوفمبر القادم حول كافة القضايا.غير أن رئيس الجمهورية عاد وجدد تصميمه على المضي في الحرب ضد الحوثيين حتى النهاية وقال في خطاب له أمام مؤتمر المغتربين "على الرغم من أننا ندفن كل يوم شهداء من خيرة الضباط والجنود لكن ذلك من أجل الأمن والاستقرار والثورة والجمهورية والوحدة وسنقدم القوافل من الشهداء ولن نتراجع على الإطلاق، فدماء الشهداء مقدسة وغالية". ويرى مراقبون أن الحرب الدائرة في صنعاء وحرف سفيان التي دخلت شهرها الثالث تحتاج لمعالجة جذرية فكرية تكون أنجع من حوارات سياسية تمهد لحروب قادمة كون الوساطات والحوارات السابقة فشلت جميعها. وفي ظل الحديث عن حوار مرتقب يجري سباق محموم بين الجيش والحوثيين لإحراز تقدم على الأرض بغرض فرض الأمر الواقع وتقوية كل طرف لموقفه التفاوضي، فضلا عن تواصل بيانات الحرب الإعلامية المدعية للنصر. وفيما كانت المواجهات هدأت خلال يومي الجمعة والسبت الماضيين فقد عادت للاشتعال متوسعة إلى مناطق جديدة لم تدر فيها رحى المعارك من قبل، حيث تواصل القوات الحكومية عملية زحف بري بدأته الأحد الفائت حول محيط مدينة صعدة وذلك بهدف توسيع الحزام الأمني المحيط بعاصمة المحافظة والحد من الهجمات المباشرة التي ينفذها الحوثيون على المدينة ومنعهم من الاستيلاء عليها وذلك بعد تصاعد الهجمات المباغتة للحوثيين والتي وصلت حد القصر الجمهوري بمدينة صعدة. وأعلن المكتب الإعلامي لعبدالملك الحوثي عن فتح جبهة جديدة الاثنين الفائت في منطقة القطعة لمنع القوات الحكومية من نقل تعزيزات عسكرية إليها. وقال الحوثي في بلاغ صحفي: كنا قد تركنا الخط الخلفي لمدينة صعدة الذي يمر عبر (البقع-كتاف- صعدة) بعيدا عن الصراع من أجل أن يبقى منفذا للمواطنين وللإمدادات الغذائية لكل المناطق، لكن السلطة قامت بمنع المواطنين من إدخال المواد التموينية واستخدمته طريقا خاصا بها للإمداد العسكري فقط. وأضاف "وأمام هذا التصرف غير الإنساني فقد قمنا بفتح جبهة جديدة في منطقة القطعة خط البقع -كتاف - صعدة من أجل قطع الإمدادات العسكرية. وكان تقرير الحوثيين ليوم الأحد أفاد بأن "الهدوء ساد خلال اليومين الماضيين أغلب الجهات بعد الضربات التي تلقتها السلطة في جميع المحاور. ويقول التقرير إن السلطة في مديرية سفيان فشلت في إحراز أي تقدم رغم استخدامها كافة الوسائل والطرق العسكرية من مختلف الجهات، مشيرا إلى إخراج المجاميع العسكرية التي كانت محاصرة في المدرج وواسط. وعم الهدوء أيضا منطقة المنزالة بمديرية الملاحيظ باستثناء القصف الصاروخي والمدفعي المتقطع على بعض قراها. وفي مديرية منبه عادت الأمور إلى طبيعتها في حين اقتصرت المواجهات على قصف صاروخي ومدفعي متقطع في محور مدينة صعدة من الجهة الجنوبية للمدينة (آل عقاب والمقاش). بالمقابل قالت وزارة الدفاع إن 25 حوثيا سقطوا ما بين قتيل وجريح الأحد الفائت في محاولة فاشلة لاستعادة معقل لهم فروا منه في وقت سابق بمحور صعدة. وذكر مصدر عسكري أن الجيش تمكن من السيطرة على موقع الكميرة الشامية في الملاحيظ ومعقل آخر للحوثيين في جباجر بمحور صعدة، مشيرا إلى تدمير سيارة محملة بأسلحة ومؤن للحوثيين وشاحنة تحمل مدفعاً عيار 23 مم في جبل كوزان وثلاث سيارات قرب منطقة الكمب. واتهمت الحكومة الحوثيين بقتل وإصابة 9 مواطنين بينهم ستة أطفال، مؤكدة قيام جماعة حوثية بالاعتداء على أسرتين في صعدة وقتل مسن وسيدة وطفليها وإصابة أربعة أطفال آخرين، إضافة إلى قتل المواطن حسين سالم المنبهي البالغ من العمر 95 عاما أمام أسرته والسطو على منزله بتهمة تعاونه مع الدولة. وقال موقع الحزب الحاكم على شبكة الإنترنت إن عناصر حوثية قتلت زوجة المواطن حميد قشوي واثنين من أطفاله إثر تفجيرهم لسيارته وذلك في قرية الخراب آل عمار. إلى ذلك قتل العشرات وأصيب آخرون في هجوم للحوثيين بهدف السيطرة على القصر الجمهوري وصده الجيش. وكان الحوثيون شنوا أواخر الأسبوع الفائت هجوما واسع النطاق على مدينة صعدة من عدة جهات بهدف السيطرة على القصر الجمهوري واستمر لأكثر من خمس ساعات. وقال الجيش إن أكثر من 100 حوثي لقوا مصرعهم وجرح أكثر من 280 في ذلك الهجوم، لكنه لم يشر إلى الضحايا من الجنود. ووفقا لبلاغ صحفي عسكري "فإن عناصر الإرهاب والتمرد قامت مساء الخميس بالتسلل ما بين المعسكرات والنقاط الأمنية بمحافظة صعدة، في حين تصدت لهم قوات الجيش وقامت بتدمير عدد من الأسلحة والعتاد التي كانت بحوزتهم ولاذ البقية منهم بالفرار". بالمقابل أيضا قال الحوثيون الذين لم ينفوا أو يؤكدوا ما ذكره الجيش: إن مقاتليهم هاجموا مواقع (واسط السوداء والأكحل) وهما من المواقع العسكرية الاستراتيجية في المنطقة كونها تربط منطقة العمشية بحرف سفيان لتصبح المنطقة خالية تماما من أي تواجد عسكري والسيطرة على الموقعين والاستيلاء على ما فيهما من العتاد والسلاح والمدفعية وكذلك أجهزة الاتصالات العسكرية". وقال المكتب الإعلامي للحوثي إنه ومنذ بداية الحرب تم السيطرة على أكثر من 70 موقعا عسكريا، فيما بلغت عدد الدبابات والآليات التي احترقت في مديرية حرف سفيان 136 آلية ما بين مدرعة ودبابة وملالة وبي إم بي. وكانت مواجهات عنيفة قد دارت في المناطق القريبة من مدينة صعدة وهي مناطق (المقاش، وبني معاذ، والعند، ومحظة) وبحسب المعلومات فقد قتل جنديان إثر اشتباكات بين الجيش والحوثيين بالأسلحة الخفيفة في منطقة القشلة كما هاجم الحوثيون بقذائف الهاون الخميس الماضي منزل الأمين العام للمجلس المحلي في محافظة صعدة محمد العماد وأسفرت العملية عن إصابة أحد أطفاله. وذكرت المصادر أن الجيش أغلق منافذ الدخول والخروج من وإلى مديرية رازح بعدما ظهرت مؤشرات تؤكد استعداد الحوثيين لدخول مناطق المديرية بهدف الاستيلاء على بعض المباني الحكومية مثلما حدث قبل أيام عندما استولى مقاتلوهم على مديرية منبه القريبة من الحدود مع السعودية. وأبدت مصادر محلية في رازح تخوفها من احتمال توسع دائرة الحرب إلى منطقتهم التي ظلت بعيدة عن المعارك أيضا منذ بدء الحرب السادسة وبحسب ذات المصادر فإن المواجهات اندلعت السبت الفائت بعد أن استحدث الحوثيون نقطة تفتيش في منطقة "جهيل" المحاذية لمنطقة القلعة. وقالت إن الحوثيين بدأوا بالتمركز على بعض القمم المرتفعة مثل منطقة الفرحة المشرفة على مركز المديرية ومنطقة سوق الخميس. وتحاول السلطة جاهدة إلصاق تهمة الإرهاب بالحوثية والكشف من وقت لآخر عن علاقة لهم بالقاعدة، فبعد أن أعلنت الأسبوع الفائت عثورها على جثتي مطلوبين سعوديين ينتميان لتنظيم القاعدة قتلا في صعدة أعلن مؤخرا عن ضبط ثلاثة أفارقة قاعديين في منطقة غراز بصعدة مشتبه بعلاقتهم بالحوثي. وقال مصدر عسكري مسئول في بلاغ صحفي إن أجهزة الأمن تجري حاليا التحقيق معهم. وبالنسبة للدعم السياسي العربي والدولي ليمن موحد ومستقر فيعد الموقف المصري السياسي أكثر تعبيرا عن وقوفه مع اليمن وضد التدخل الخارجي. وفي هذا الإطار ذكرت مصادر دبلوماسية عربية إن مصر كشفت لعدة دول عربية النشاطات الاستخباراتية الإيرانية ضد العرب والموقف الأمريكي من المشروع الإيراني المعادي للعرب. وقالت إن "مصر قدمت إلى صنعاء عبر وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ورئيس المخابرات الوطنية عمرو سليمان تقريرا مفصلا عن النشاطات الاستخباراتية لإيران وأضافت ذات المصادر إن الجانب المصري قدم أيضا لليمن معلومات دقيقة بشأن حجم النشاط الإيراني في أوساط الجاليات اليمنية في عدد من الدول الآسيوية والعربية من بينها مصر وسوريا وعمان والبحرين". ونقلت صحيفة اليوم المصرية عن المصادر الدبلوماسية قولها إن من ضمن المعلومات المقدمة "اعترافات لمقيمين يمنيين في مصر ودول أخرى أكدت لقاءهم عددا من الدبلوماسيين الإيرانيين لدعوتهم إلى الانضمام للتنظيمات التابعة لهم سواء في إطار جماعة الحوثي بصعدة أو في إطار التنظيمات المسلحة في الجنوب". على الصعيد الإنساني تشهد صعدة والمناطق المجاورة أوضاعا مأساوية بالغة التعقيد ويتصاعد قلق المنظمات الإغاثية على تفاقم أزمة النازحين مع عرقلة السعودية وصول المساعدات للمشردين من الحرب عبر حدودها. وأفرج أمس الثلاثاء عن أولى قافلة مساعدات مرسلة إلى الفارين من القتال في صعدة كانت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قالت الأحد الفائت إنها أوقفت على معبر "علب" على الحدود السعودية اليمنية. وقال موظفون في الوكالة الدولية إن قافلة المساعدات الإنسانية والتي ينتظرها النازحون قد أوقفت على المعبر الحدودي لخلافات بين الجانبين السعودي واليمني على طريقة عبورها وهوية السائقين. وذكر تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية إن مسئولين سعوديين أوقفوا قافلة المساعدات الدولية التي كانت تسعى لإيصال حمولة ثلاث شاحنات تحمل (200) خيمة وفرش وبطانيات ومواد أساسية أخرى يحتاجها النازحون من حرب صعدة وأقفل المنفذ السبت الفائت بعد أن نشب خلاف بشأن كيفية نقل تلك المواد من شاحنات سعودية إلى أخرى يمنية تنتظر على الحدود. وقالت المنظمة الدولية إنه بات على حوالي ثلاثة آلاف لاجئ عالقين بين الحدود السعودية ومركز القتال بين الجيش اليمني والحوثيين في محافظة صعدة الانتظار ليوم آخر قبل أن يتوقعوا الحصول على المساعدات. ونقل عن سلطان الخلجي أحد المسئولين في الوكالة الدولية قوله إنه أمضى (12) ساعة يتفاوض عبثا مع المسئولين السعوديين واليمنيين على جانبي الحدود من أجل إقناعهم بالسماح لمواد الإغاثة الإنسانية بالوصول إلى منظمات الغوث اليمنية والتي ستقوم بدورها بتوزيعها على مستحقيها من النازحين. وكانت الوكالة الدولية قد أبقت على المساعدات التي بحوزتها لمدة أسابيع في أبها جنوبي السعودية، وذلك بانتظار حدوث انفراج في الوضع القتالي والأمني في صعدة وتأمين ممر لعبور المساعدات قبل إرسالها إلى داخل اليمن. ونقلت الوكالة عن صحفيين مرافقين لقافلة المساعدات وشهدوا عملية العرقلة على الحدود قولهم إن تأجيل عبور الشاحنات الثلاث إلى الجانب اليمني يؤكد على أن عدم الثقة والإجراءات البيروقراطية يمكن أن تطيل من معاناة النازحين الذين فقدوا منازلهم ويواجهون الآن شح المواد الغذائية.