كان بنفسي أن أسأل أحد المتخصصين في التاريخ القديم، فيما إذا كان العرب في أيام الجاهلية الأولى يقطعون الطرقات ويعبثون بالمسافرين ويسلبونهم ما يحملون، لأكون على بينة من أمري.. هل هذا السلوك المشين الذي يتكرر بشكل مقزز في بعض طرقات اليمن، ومن قِبل بعض القبائل المحترمة جداً والتي تعرف جيداً القبيْلة على أصولها!! هو سلوك وراثي؟! شخصياً؛ مررت بعدة قطاعات قبلية [وكلمة قطاع لا أعلم مدى دقة استخدامها لغوياً لكنه المصطلح الذي جرى على الألسن] لكن ما لفت انتباهي هو قطاعين الأول بالقرب من الحبيلين الجنوبية في 12 أو 13 يناير 2009 وكان مبرر قطع الطريق هو الضغط على السلطات للإفراج عن عدد من شبان المنطقة كانوا شاركوا في مسيرة بمدينة عدن ضمن الحراك الجنوبي، وكان التصرف الايجابي من قبل القائمين على القطاع هو السماح بالمرور لأي مركبة تحمل نساء (عوائل) أو أمراض أو كبار في السن. أما القطاع الآخر فكان في منطقة وعلان الأبية قبل أيام من كتابة هذا المقال، وكان التصرف السلبي واللاأخلاقي هو عدم السماح بالمرور لأي مركبات، بما فيها سيارات الاسعاف، رغم توسل وبكاء النساء والأطفال. سيقول قائل أن هذا هو الفرق بين ثقافة شمال الشمال والجنوب، اقصد الثقافة الشعبية والاعراف والتقاليد وقيم القبيلة، وقيم المدنية. هي الثقافة الضاربة في أعماق التاريخ ولهم –من كانوا- أن يفخروا ويفاخروا بها.. حتى أن هذه الثقافة الأصيلة انتقلت إلى أرجاء متفرقة من اليمن الحبيب، ومناطق لم تكن تعرف مثل هذه السلوكيات والتقاليد، لكن هذا الغزو يبدو محدوداً ولا يحدث إلا في أسوأ الأحوال. ان ثقافة قطع الطريق التي تنتشر في مربع جغرافي محدود؛ ليس بالضرورة أن تكون ثقافة كل أبناء هذا المربع الجغرافي، ولكنها ثقافة الأغلب أو الأعم ممن صار بأيديهم زمام الأمور في تلك المناطق. وبات صوت الرافضين لهذه العادة السيئة منخفضاً.. واصبح «احمر عين» و«كفؤ» من يمارس هذه السلوكيات بل ويكرم من قبل الدولة (السابقة واللاحقة وربما من الدول القادمة المتعاقبة) بالمناصب الرسمية والملايين الوفيرة والسيارات الفارهة. وأنا اتفكر في هذا الأمر الغريب والعجيب –وفي أمور كثيرة جداً عجيبة وغريبة في يمننا الحبيب- استدعي دائماً الحاجة إلى أحد نموذجين حكما اليمن في فترات متفاوتة وفرضا هيبة الدولة والنظام والقانون على الجميع، أعني بذلك «الإمام احمد والقائد الخالد الحمدي» رحمهما الله، وهذا الاستدعاء مبني بالسماع، وعلى ما تناقلته الألسن من إدارة حازمة وقوية.. اتساءل نفسي: ماذا لو قيض الله لنا مثل احدهما لنرى واقعاً مختلفاً عنوانه النظام والقانون، وهل سيطول بنا العمر لنعيش هذا الحلم، في أمن وطمأنينة وراحة بال. كم هو مؤلم وأنت في طريق عام في بلدك، ويستوقفك أحد فرسان «الحرابة» ليقول لك في أقل الأحوال أنت ممنوع من مواصلة السفر.. عُد من حيث أتيت.. نحن قاطعين للطريق لأن الدولة سجنت أحد رجال القبيلة، أو فصلت عنا الكهرباء، أو.. أو.. هذا إذا لم ينهب ما بحوزتك متفاخراً برجولته الناقصة وتقاليده الواطية. ونحن نسمع ونعايش بشكل يومي أخبار وقصص قطع الطريق في مناطق متفرقة من اليمن.. يحق لنا أن نتساءل: من المنقذ العظيم الذي سيطهر البلاد من هذه الثقافة الخسيسة والدنيئة.. هذه الثقافة التي لا تُعرف في هذا الزمن سوى في «اليمن». ومثلها الكثير الكثير من السلبيات التي عكرت حياتنا. ولله الأمر من قبل ومن بعد!!!