بانتهاء يوليو الجاري سيكون عمر الثورة اليمنية قد تجاوز شهره الخامس، وخلال هذه المدة تمكن الفعل الثوري للشباب عملياً، حسب روية الكثير من المراقبين، من وضع حد للمستقبل السياسي لرأس النظام وأركانه، لكن هذا النظام لم يسقط بعد وما زال أركانه يصرون على البقاء في السلطة ويعملون جاهدين على تعميم العقاب الجماعي على الشعب برمته، وأمام ذلك يساءل الكثيرون: لماذا تأخر الحسم الثوري في اليمن رغم أن عمره في تونس ومصر لم يتجاوز ال(25) يوماً، كيف استطاع النظام التآمر على الثورة بدعم إقليمي ودولي في تأخير إنجاز الثورة اليمنية لأهدافها، وكيف تورطت المعارضة في مساعدة النظام وحلفائه في كسب الوقت وخلط العمل السياسي بالعمل الثوري بل وطغيانه في بعض الأحيان وهو الأمر الذي أخّر الحسم، وللإجابة على كل هذه التساؤلات رصدت (رأي) في هذا التقرير سيناريو التآمر على الثورة اليمنية وخرجت بالحصيلة التالية: تتعدد الأسباب التي تقف وراء تأخر الحسم الثوري في اليمن، فهناك عوامل داخلية وخارجية تحالفت مع بعضها من أجل إجهاض ثورة الشعب السلمية، فعلى المستوى الداخلي عمل النظام منذ اللحظات الأولى لاندلاع شرارة الثورة الشعبية على التصدي لثورة الشباب من خلال العمل على عدة سبل، فحاول أن يحشد أنصاره في المحافظات من أجل التظاهر لإبقاء النظام ورفض الثورة ونظّم اعتصاماً في عدة مدن يمنية للغرض ذاته محاولاً لفت انتباه الرأي العام الخارجي بأن اليمن ليست مصر وتونس وأن الشعب يقف إلى جانب النظام، ولأن تلك الحشود الجماهيرية كانت تتم من خلال صرف مبالغ مالية طائلة، لم يجدِ هذا الأسلوب فسرعان ما مل أنصار النظام وتركوا الساحات والكثير منهم انضم لثورة الشباب، وعلى الجانب الأمني وظف النظام هذه الورقة بكل إمكانياته فاستخدم البلاطجة لقمع المعتصمين والاعتداء على عشرات المسيرات والتظاهرات التي نظمها الشباب في ساحات التغير، ومع ذلك لم يجدِ أسلوب القمع نفعاً بل زادت من مستوى التضامن والتعاطف مع شباب الثورة وتأييدهم، حاول النظام جاهداً الزج بثورة الشباب إلى العنف وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية لإخراج الثورة عن مسارها السلمي فكانت النتيجة تأتي على غير ما أرادها. وأمام إحساسه بفشل هذه الأساليب لم يجد من وسيلة سوى إخراج الثورة من الفعل الثوري ونقلها إلى طاولة الحوار والتفاوض، وقد هدف النظام إلى أن إطالة أمد الثورة مع العمل على شل الحياة في كل مناحيها كفيل بإخماد شرارتها، ويبدو أن هذه الرؤية لم تكن لدى النظام وحسب بل كانت الرؤية ذاتها التي أرادها مناصروه في الخارج، فجاءت المبادرة الخليجية لتمثل اليد الطولى لإطالة أمد الثورة وإنقاذ نظام الرئيس صالح، ولأن شباب الثورة كانوا مدركين لخطورة المبادرة وأن هدفها يصب في سبيل الإبقاء على النظام، ومده بأسباب الاستمرار في الحكم، فقد رفضوها وطالبوا دول الخليج بسحبها، لأنها باختصار تشكل التفافاً على الثورة، ومحاولة لإجهاضها. أما أحزاب اللقاء المشترك التي تعد طرفاً في المبادرة، فقد كانت ترى في المبادرة الخليجية سبيلاً آمناً لخروج النظام وعدم إدخال اليمن في دوامة العنف، كما رأت في الدعم الدولي حولها بمثابة اعتراف دولي مجمع عليه بشرعية الثورة وبنهاية عهد صالح، كما أن بعض المراقبين حينها اعتبروا المبادرة جيدة في صياغتها الأولى لكن نفحات الفشل الذي حملته هذه المبادرة جاء من خلال التعديلات المستمرة عليها وفقاً لرغبات صالح وهو ما دل على عدم جديتها، وعلى الرغم من كل هذه التعديلات فقد رفض الرئيس التوقيع عليها، بعد أن استنفد من عمر الثورة نحو شهرين في عملية التفاوض والحوار حول بنود المبادرة، وقد واجه صالح ضغطاً دولياً لرفضه على التوقيع، حيث تصاعدت حملة الضغوط عليه من أجل التنحي فأعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها بضرورة التنحي الفوري لصالح، وأكدت مصادر إعلامية أمريكية أن أمريكا وحلفاءها من الأوروبيين والعرب يراجعون الدعم المقدم لنظام صالح لإجباره على التنحي قبل اندلاع حرب أهلية في اليمن وأن أحد الخيارات يتمثل في إحالة ملف اليمن إلى مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات على صالح إذا رفض التنحي، أما الاتحاد الأوروبي فقد أعرب عن غضبه الشديد إزاء عدم توقيع صالح على المبادرة، واتهم وزير الخارجية الفرنسي حينها الرئيس صالح بأنه غير مسؤول، كما حملت وزارة الخارجية الفرنسية صالح ونظامه مسؤولية أي تداعيات قد تنجر إليها اليمن إزاء رفض صالح توقيع المبادرة، من جانبه طالب رئيس الوزراء البريطاني بضرورة تنحي صالح الفوري، كما طالبت العديد من دول العالم الرئيس صالح بضرورة التنحي الفوري، وأمام هذه الضغوط الداخلية والخارجية التي تتسع نطاقها حتى بدأت من كثرتها وكان الرئيس ونظامه اقتربوا من حالة العزلة المحلية والإقليمية والدولية، لم يجد صالح من وسيلة لتحوير انتباه الرأي العام إلا محاولة التحرش بحراس الشيخ الأحمر والعمل على استفزازهم وجرهم إلى مربع المواجهة، وقد نجح صالح جزئياً في تحقيق مراده. كما نجح الرئيس من خلال إشعال هذه الحرب في تحويل انتباه اهتمام الرأي العام المحلي بقضية رفضه التوقيع على المبادرة، لأن قطاعات كبيرة من الجماهير التي كانت لاتزال حتى لحظة الوقت المقرر لتوقيع المبادرة تؤيده، رأت في رفضه للتوقيع بأنه يسعى لإشعال الحرب وتدمير اليمن، ونظراً لضراوة الحرب التي دارت في الحصبة وما كان الكثير يتوقعه من تداعياتها فقد تحول الضغط الدولي من الضغط باتجاه تنحي صالح إلى الضغط باتجاه إيقاف الحرب، وفي الوقت نفسه عمل صالح على إيقاف حملة الضغط الدولي ضده بتسليم مدينة زنجبار للقاعدة وهو الأمر الذي أخاف الأمريكيين من أن يستغل تنظيم القاعدة الظروف التي تمر بها اليمن فيصبح قوة كبيرة وهنا ركزوا جهودهم على ما يسمونه مكافحة الإرهاب. وتزامناً مع حرب الحصبة وسعي النظام إلى إخراج الثورة عن سلميتها اقتحمت قوات الأمن والحرس الجمهوري مخيم المعتصمين في تعز وقتلت وأصابت المئات، كان النظام حينها يريد أن يضرب الثورة في ميدانها الأول في محاولة منه لبث رسائل لجميع الساحات الأخرى بأن النظام عازمٌ على إفشال ثورة الشباب السلمية والزج بها في دوامة العنف وهو الأمر الذي كان شباب الثورة يرفضونه مراراً وتكرراً. وفي ظل هذه الأجواء الصعبة من تاريخ هذه الثورة وقع انفجار دار الرئاسة الذي يعد محوراً رئيساً في عمر هذه الثورة، فبينما ركز شباب الثورة على أن زمن صالح انتهى وأن حالته الصحية سيئة ولن تمكنه من ممارسة السلطة، ذهبت المعارضة للدخول في مفاوضات مع نائب الرئيس بضغط ورعاية أمريكية تحت مسمى نقل السلطة إلى النائب، ساعدت الوعود التطمينية التي جاء البعض منها على لسان مسؤولين أمريكيين بأن يسود اعتقاد لدى الشباب والمعارضة بأن عهد الرئيس قد ولى، وأن الهدف الأول للثورة قد تحقق، وعلى ما يبدو فقد مثل ظهور صالح بصحة جيدة خلافاً لما تناقلته الأنباء خيبة أمل للثوار والمعارضة، وأضحى الجميع يدرك أن جهوداً خارجية حاولت أن تجعل من الحادثة سبباً لكسب المزيد من الوقت حتى يتمايل الرئيس للشفاء. أما أتباع النظام فقد مضوا وبقوة في استكمال مسار الالتفاف على الثورة الشعبية عبر شل الحياة الاقتصادية في كل مناحيها، حيث انعدمت المشتقات النفطية والغازية عن الأسواق وارتفعت الأسعار بشكل جنوني وغرقت البلاد في ظلام دامس يستمر في معظم المدن لأكثر من 23 ساعة، تردت أوضاع الناس بكل أشكالها، وكان الهدف من هذا العقاب الجماعي هو إفراغ حالة التضامن الشعبي مع الثورة والدفع ببعض مؤيديها إلى الرغبة بأن تتوقف الاعتصامات مقابل الحصول على لقمة عيش وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل اشتعال هذه الثورة، وقد استطاع أتباع النظام تنفيذ هذا المخطط في ظل صمت دولي على ما يحدث لأن همَ القوى الدولية في المقام الأول هو محاربة تنظيم القاعدة، بينما ظلت المعارضة تركز اهتمامها على نقل السلطة إلى النائب إلى أن أدركت أن الأمر لم يكن سوى التفاف على الثورة وكسب المزيد من الوقت. وأمام هذه الأساليب التي اعتمدها النظام لإجهاض الثورة صار الكثير يسأل: لماذا تأخرت الثورة في اليمن مقارنة بتونس ومصر وما مصلحة بعض دول الجوار في إفشال الثورة؟. وهنا يرى بعض المحللين والمراقبين لمشهد الثورة اليمنية أن لليمن طبيعة خاصة حيث يصنفون الثورات العربية على ثلاثة أوجه فهناك دول ذات أنظمة مستبدة لكنها تملك مؤسسات وطنية وأهمها الجيش ومثل هذه الدول تساعد على نجاح الثورة ومثل ذلك ما حدث في مصر وتونس، أما الصنف الثاني فهي دول ذات بناء أسري فردي لا تمتلك مؤسسات وبالذات مؤسسة الجيش الوطني، فالأمن والجيش تحت تصرف أفراد الأسرة الحاكمة وأقربائهم، وتحيط بأنظمة هذه الدول عصبيات جهوية وقبلية، واليمن وليبيا تندرج تحت هذا الصنف لهذا السبب تأخر انتصار الثورة، كما أن إتاحة الفرصة لقبول المبادرات قد حولت ثورة اليمن أو انتفاضته إلى أزمة سياسية ونقلت المعركة من ساحات التغيير والحرية إلى طاولات المفاوضات، وهذا ما أرادته بعض دول الجوار والدول الكبرى، ويعتقد بعض المحللين أن بعض هذه الدول قلقة جداً من انهيار نظام علي صالح بسبب إدراكها لتداعيات انهياره على مستقبل أنظمتها، فنجاح ثورة اليمن، وبالطريقة الشعبية السلمية ستكون أنموذجاً لدول الإقليم التواقة إلى الحرية والكرامة، واستطاعت بعض القوى الإقليمية الدولية وبعوامل مختلفة تحميل الثورة الشبابية السلمية في اليمن مالا تطيق ووضعت أمامها العديد من العراقيل والصعوبات للحيلولة دون تقدمها ونجاحها.