بدأت صباح اليوم بصنعاء فعاليات ندوة بعنوان (دور المثقف في الإصلاح الديمقراطي) التي ينظمها مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان بمشاركة كوكبة من المفكرين والمثقفين. وتناقش الندوة ثلاثة محاور أساسية على مدى يومين تتصل بدور المثقف العربي في صنع التحولات نحو الديمقراطية، والمثقفون والتحديات الراهنة للتحول نحو الديمقراطية في اليمن، ودور المنظمات الإبداعية في تعزيز التحول الديمقراطي بمشاركة عدد من المفكرين والأكاديميين والمثقفين والأدباء وممثلي منظمات المجتمع المدني. واستعرض عزالدين سعيد الأصبحي رئيس مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان ملامح من الدور البارز للمثقف الذي كان في الطليعة المتقدمة من أجل صنع التغيير وصنع المستقبل المشرق، لاسيما تلك الكوكبة المتقدمة من المثقفين ونخبة المجتمع في تاريخنا اليمني والعربي والتي كانت صاحبة الرؤية المتقدمة لتطوير المجتمعات وإخراجها من دوائر الركود والتخلف إضافة إلى التحامهم بالواقع وقيادتهم الصفوف الأولى للتغيير نحو التقدم والمستقبل المشرق. وأشار إلى ضرورة استعادة النخبة المستنيرة من المفكرين والمثقفين لدورها الفاعل ليس فقط في وضع الرؤى المعاصرة للتغيير الديمقراطي أو في ما يجعل مجتمعنا يواكب العصر وتقدمه، بل وأيضاً فيما يقود إلى الانفتاح مع قيم الحضارة وروح العصر المؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان والإيمان بقيم العدالة والمساواة وحقوق المرأة والانفتاح على الآخر وعلى نوافذ العصر والتأثير والتأثر بالتراث الإنساني الخلاق. من جانبه أوضح الدكتور ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني أن المثقف العربي في الوقت الحاضر يواجه تعقيدات عديدة في ظل أنظمة تريد أن تستخدم كل شيء لاستمرارها من حيث استخدامها الأحزاب السياسية لإعادة إنتاج شرعيتها السياسية، والعلماء لإعادة إنتاج شرعيتها الدينية، والحروب لإعادة إنتاج شرعية القوة، وهذا ما يجعل المثقف العربي يواجه مهاماً معقدة. ورصد المفكر العربي الدكتور خير الدين حسيب رئيس مركز دراسات الوحدة العربية، مجموعة عوامل تقف وراء انحسار دور المثقف العربي في الإصلاح الديمقراطي ضمنها عوامل اجتماعية واقتصادية غير مؤهلة للمثقف العربي في أن يأخذ دوره الريادي في الإصلاحات الديمقراطية، إضافة إلى عدم توفر الوقت الكافي له للقيام بذلك الدور، وكذا التبدل في نسق القيم وخاصة في المشرق العربي بسبب الهجرة من الريف إلى المدن حيث تحول نسق القيم المدنية إلى نسق ريفي أو مختلط. وعن دور المثقف العربي الملتزم أشار إلى الحاجة للمثقف القدوة الذي يمتلك شروطاً لابد عليه أن يلتزم بها، ومنها الابتعاد عن السلطة والتخلي عن الطموحات الشخصية لتصبح آراؤه ومقترحاته أكثر موضوعية، إلى جانب شعوره بثقته الكبيرة بنفسه، أما بالنسبة للمثقف الملتزم والمهتم سياسياً فأوضح أن عليه ممارسة الديمقراطية مع الآخرين ولكن ليس على حساب القيم والثوابت الرئيسية، هذا بالإضافة إلى ضرورة الاعتماد على التغيير من الداخل – إن كانت هناك دواعي له– مهما كانت الصعوبات وعدم الاستعانة بالقوى الأجنبية مهما كانت قسوة النظام. وتحدث الدكتور عبد العزيز المقالح المستشار الثقافي لرئيس الجمهورية عن دور المثقف العملي الموجود في الساحة الفكرية العربية، موضحاً أن دوره لا يقتصر على مكان محدد أو قطر معين من الأقطار العربية، مشيراً إلى أن المثقف الذي يتصف بالتواضع ونكران الذات ويقوم بإنجاز دوره التاريخي المتميز، يتحول إلى قدرة لمن يرغب من المثقفين في أداء دوره في حياة وطنه وأمته. ورأى أن القدوة المثقفة التي تؤمن وتعمل على تكريس المناخ الديمقراطي وتوعية الناس باستحقاقات هذا المناخ ومستلزماته وما يترتب عليه من حقوق وواجبات، هو ذلك الذي ينقص الأمة في وضعنا وزمننا الذي نعيش تحولاته وأحداثه العاصفة، وليس النظريات المجردة والفرضيات والأفكار. وأوضح أن غياب الحرية في مجتمعاتنا العربية هو مكمن التخلف والخلاف والاحتراب والفرقة والصراعات المجانية وصعود الديكتاتوريات المصادرة لحق الإنسان في العيش والتفكير والعمل الحر، مضيفاً أن كل ذلك إلى جانب التدخل الأجنبي والقوى المعادية للأمة أدى إلى ضمور الوعي والفكر القوميين ومن ثم إلى التهديد للأمن والاستقلال والحريات في أوطاننا. مشيراً إلى أن ذلك أدى على تراجع القضايا القومية وفي مقدمتها قضية فلسطين التي ظلت جرحاً نازفاً في جسد هذه الأمة دون أن تجد العلاج الناجح والحاسم، وأن الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية وشيوع الروح غير المسؤولة وغياب الحريات، جثمت على صدر المجتمعات، إضافة إلى ما نشهده اليوم من انكسارات بالغة الخطورة وتراجعات وخسائر تهدد وجود الأمة وهويتها. وفي ورقته المقدمة إلى الندوة ضمن محور "المثقفون والتحديات الراهنة في التحول نحو الديمقراطية" صنف الدكتور أحمد محمد الأصبحي عضو مجلس الشورى المثقفين إلى ملتزمين وتقنيين ورٌحّل إلى جانب مثقفي دائرة الضوء، ومثقفي السلامة، ومثقفي الإكراه، مسلطاً الضوء على المثقفين الذين يجمعهم هم التحول نحو الديمقراطية، مستعرضاً الإرث الديمقراطي الذي يضرب بجذوره في أعماق التاريخ القديم، والديمقراطية الأخلاقية والمجتمعية الشوروية اللتين تعمقتا في ظل الإسلام، كذلك نضال الحركة الوطنية المعاصرة، والتجربة الديمقراطية في ظل النظامين الجمهوريين لثورتي سبتمبر وأكتوبر وفي ظل دولة الوحدة. وفي حديثه عن تحديات التحول نحو الديمقراطية أشار الدكتور الأصبحي إلى إشكالية المثقفين من حيث انشغال معظمهم بالهموم الخاصة ونفور الكثيرين منهم من الالتزام السياسي والامتناع عن الانضواء تحت شكل تنظيمي، واعتكاف البعض منهم على العمل الأكاديمي للبحث. وأشار إلى أنه إلى جانب إشكالية المثقفين هناك إشكاليات تنظيمية في مؤسسات المجتمع المدني من حيث تفشي كثير من الأساليب والممارسات اللاديمقراطية كالتعصب والإرهاب الفكري والاستعلاء وعدم تحمل الرأي الآخر وفرض الذات داخل معظم الأحزاب السياسية، وسيادة علاقات الريبة بين الأحزاب وتبادل الاتهامات والخصومة حتى بين الحركات المتقاربة، فضلاً عن اتسام الخطاب السياسي بالعنف والعصبية وعلو النبرة ووصف الخصم بأقذع الألفاظ. وأضاف إن من الإشكاليات هناك أيضاً إشكاليات البيئة المجتمعية من حيث وجود المؤسسات التقليدية وتدني الوعي الشعبي بالحقوق المدنية وتفشي الفقر الذي يجعل من أولويات الفقراء الانشغال بلقمة العيش. ومن المقرر أن تناقش الندوة في جلساتها على مدى يومين عدداً من أوراق العمل في إطار المحاور الثلاثة.