لم يتبع الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» تحذيرات مستشاريه للأمن القومي، يوم الثلاثاء، عندما هنأ الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» على إعادة انتخابه، وفقا لمسؤولين مطلعين على الدعوة. كما اختار «ترامب» عدم الالتفات إلى مساعديه، لإرشاده إلى إدانة التسمم الأخير لجاسوس روسي سابق في بريطانيا بغاز للأعصاب، وهي قضية ألقي باللوم فيها على الحكومتين البريطانية والأمريكية على حد سواء. وأثار حديث الرئيس الأمريكي مع «بوتين»، الذي وصفه ترامب بأنه «نداء جيد للغاية»، انتقادات جديدة، خاصة مع استمرار تحقيقات المحقق «مولر» في تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، والاتهامات التي تلاحق مسؤولين بحملة «ترامب» بالاتصال مع روسيا. وعلى الرغم من أن إدارة «ترامب» اتخذت موقفا أكثر صرامة تجاه روسيا في الآونة الأخيرة - بما في ذلك فرض عقوبات جديدة الأسبوع الماضي على بعض الكيانات، للتدخل في الحملات الانتخابية والهجمات الإلكترونية - فقد رفض الرئيس الأمريكي الانضمام بقوة إلى لندن في شجب موسكو بسبب واقعة تسميم العميل المزدوج «سيرغي سكريبال» وابنته في سالزبوري بإنجلترا. وقال «ترامب» للصحفيين إنه قدم «رغبته الطيبة» خلال تهنئته ل«بوتين» على ولايته الجديدة - ومدتها ست سنوات - خلال محادثة تناولت مجموعة من الموضوعات، بما في ذلك تحديد الأسلحة والأوضاع الأمنية في سوريا وكوريا الشمالية. وصرحت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض «سارة ساندرز» للصحفيين بأن قضية «سكريبال» لم تتم مناقشتها، وقال مسؤولون إن معلومات عن سوريا وكوريا الشمالية قدمت أيضا ل«ترامب» كتابة قبل المكالمة. وقال «ترامب» عن «بوتين»: «ربما سنجتمع في المستقبل غير البعيد»، رغم أن «ساندرز» أكدت أنه لا يوجد شيء مخطط له. ورفض المكتب الصحفي للبيت الأبيض التعليق على مواد الإحاطة التي قُدمت إلى «ترامب»، واعترف شخصان على دراية بالملاحظات أنها تضمنت تعليمات بعدم تهنئة «بوتين»، لكن مسؤولا كبيرا في البيت الأبيض أكد أن مستشار الأمن القومي «إتش آر ماكماستر»، لم يذكر هذه المسألة خلال لقاء هاتفي مع «ترامب»، الذي كان في مقر البيت الأبيض قبل وأثناء حديثه مع «بوتين». ولم يتضح ما إذا كان «ترامب» قد قرأ هذه الملاحظات، حسبما قال مسؤولو الإدارة، وقال أحد الأشخاص المطلعين على المحادثة إن «ترامب» الذي أطلق الدعوة، افتتحها بتهنئة «بوتين». وهاجم رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور «جون ماكين»، «ترامب» وكتب على تويتر: «لا يقود رئيس أمريكي العالم الحر من خلال تهنئة الحكام المستبدين على الفوز بانتخابات زائفة، وبقيامه بذلك مع فلاديمير بوتين، قام الرئيس ترامب بإهانة كل مواطن روسي حرم من حقه في التصويت في انتخابات حرة ونزيهة». لكن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور «بوب كوركر»، بدا أقل قلقا، مشيرا إلى أن «ترامب» هنأ زعماء آخرين من دول أكثر استبدادية. وجاء توطيد «بوتين» الأخير للسلطة، فيما وصفه محللو السياسة الخارجية الأمريكية بأنها انتخابات «مزورة» حصل فيها على 76% من الأصوات ضد عدة مرشحين صغار، وقد تردد بعض زعماء العالم في تهنئة «بوتين»، حيث إن إعادة انتخابه حدثت في بيئة تسيطر عليها الدولة على الكثير من وسائل الإعلام ومع منع أبرز منافسيه من الاقتراع. وقبل المكالمة الهاتفية التي جرت يوم الثلاثاء، قدم مساعدو الأمن القومي ل«ترامب» عدة بطاقات مكتوبة بخط اليد مملوءة بنقاط حوارية لتوجيه محادثته، كما هو معتاد للمكالمات مع الزعماء الأجانب، وفقا للمسؤولين الذين يعرفون شرط المكالمة. وقال المسؤولون إن بطاقات الملاحظات مشابهة للرسومات التي صورها «ترامب» أثناء اجتماع في البيت الأبيض الشهر الماضي مع الطلاب وأولياء الأمور بعد إطلاق النار الجماعي إحدى المدارس الثانوية في باركلاند بولاية فلوريدا. وأثار موقف «ترامب» من قضية تسميم موسكو للجاسوس السابق في بريطانيا، غضب المسؤولين في لندن، الذين يحاولون حشد أكبر حلفاء لبريطانيا لإدانة الهجوم. ونفت روسيا تورطها في التسمم في 4 مارس/آذار، لكن الهجوم أضر بشدة بالعلاقات البريطانية الروسية، وأعلنت رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» الأسبوع الماضي طرد 23 دبلوماسيًا روسيًا انتقاما. وقد نفى «بوتين» أن يكون لروسيا أي دور ووصف هذا الزعم بأنه «هراء». وردا على سؤال حول انتقاد «ماكين»، أشارت «ساندرز» إلى أن زعماء فرنسا وألمانيا دعوا «بوتين» هذا الأسبوع، لافتا إلى أن الرئيس السابق «باراك أوباما»، هنأ «بوتين» على فوزه في الانتخابات عام 2012. وقالت «ساندرز»: «كنا واضحين للغاية في الإجراءات التي اتخذناها بأننا سنكون صارمين على روسيا»، مضيفة: «لقد فرضنا عقوبات صارمة على روسيا وعددًا من الأشياء الأخرى التي أظهرنا فيها موقفنا بالضبط». إلا أنها شددت على أن «ترامب» مصمم على إقامة علاقة عمل مع «بوتين» لمواجهة التحديات العالمية، بما في ذلك مواجهة برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية. وردا على سؤال حول ما إذا كانت إدارة «ترامب» تعتقد أن روسيا أجرت انتخابات «حرة ونزيهة»، قالت «ساندرز» إن الإدارة تركز على الانتخابات الأمريكية. وأضافت: «لا يمكننا إملاء كيفية عمل الدول الأخرى.. ما نعرفه هو أن بوتين قد تم انتخابه في بلدهم، ولا يمكننا أن نملي عليهم طريقة عملهم». ونأى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ «ميتش ماكونيل» بنفسه يوم الثلاثاء عن تهنئة «ترامب»، وقال في مؤتمره الصحفي الأسبوعي: «يستطيع الرئيس الاتصال بمن يختار.. عندما أنظر إلى الانتخابات الروسية، ما أراه هو عدم المصداقية في تسجيل النتائج.. إنني أذكّر دائمًا بالانتخابات التي اعتادوا عليها في كل بلد شيوعي تقريبًا حيث يحصل الدكتاتور في الوقت الحالي على نسبة كبيرة من الأصوات». وامتنع ترامب بشكل كبير عن انتقاد بوتين وسط تحقيقات مع المحامي الخاص «روبرت مولر» في فبراير/شباط، والذي اتهم 13 روسيًا بتهم التآمر. وقال مدير مركز الولاياتالمتحدة وأوروبا في معهد بروكينغز «توماس رايت»، إن تصرفات «ترامب» علامة على أنه يريد سياسة خارجية موالية لروسيا، تتعارض مع الخط الأصعب من إدارته. المصدر/واشنطن بوست
