تعكف الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية حاليا على استكمال المرحلة النهائية من مشروع مخطط الحفاظ على مدينة صنعاء القديمة الذي شرعت في تنفيذه قبل أكثر من خمس سنوات وذلك استعدادا للإعلان عن الانتهاء من إنجازه في غضون الأيام القليلة القادمة . يأتي هذا في الوقت الذي أعلن فيه الدكتور عبد الله زيد عيسى رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية الانتهاء من المراحل الأولى للمشروع والمتمثلة في عملية المسح الميداني لكل من مدينة صنعاء القديمة وبئر العزب والروضة اللتان دخلتا ضمن المناطق التاريخية مع مناطق أخرى مؤخرا. و أوضح الدكتور عيسى في حديث لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أن الهيئة كانت قد بدأت قبل عدة سنوات في تنفيذ المشروع بصورة متقطعة وعشوائية وغير منتظمة نظرا لما كان يتطلبه من جهود وإمكانيات كبيرة. وقال :" قبل سنتين فقط ومن خلال التعاون مع أمانة العاصمة ومنظمة اليونسكو التابعة للأم المتحدة بدأنا نقطع أشواط حقيقية باتجاه أنجاز المشروع . وأشار إلى انه في إطار استكمال مرحلة المشروع النهائية تواصل / سافيريا تيستون مندوبة منظمة اليونسكو التي وصلت إلى اليمن مؤخرا الإشراف على المرحلة الأخيرة من المشروع والخاصة بعملية إدخال البيانات والتحاليل ونتائج المسح الميداني الكترونيا ، والتي يعمل على تنفيذها فريق وطني متخصص من الهيئة وجامعة صنعاء . ويكتسب المشروع أهميته من حيث كونه سيعمل على الحيلولة دون ارتكاب أي مخالفات او أستحداثات داخل مدينة صنعاء القديمة التي يعتبره المسئولون والخبراء والمختصين ضمن المشروع "خطا احمرا لا يمكن التعدي عليه ".. في أشارة إلى الأهمية التاريخية والمعمارية للمدينة القديمة التي كان أول من اختطها سام بن نوح عليه السلام حسب الروايات والمصادر التاريخية .. مؤكدين عزمهم تنفيذ آليات عملية وإنزال فرق دورية ميدانية لمنع أية مخالفات او أستحداثات داخل مدينة صنعاء القديمة وأن أستدعى الأمر كذلك سيتم التعاقد مع أحدى الشركات الراعية للأقمار الصناعية بغية التقاط صورة جوية دورية كل شهر لتحديد ومراقبة وتسجيل المخالفات أولا بأول . وتكمن أهمية مشروع مخطط الحفاظ على صنعاء القديمة في كونه حسب الدكتور زيد عيسى سيكون بمثابة قاعدة البيانات المرجعية التي بموجبها سيتم إحصاء عدد منازل ومساجد والسماسر والمرانع والأسواق والمقاشم والاسوار والقلاع والسبل التي تضمها المدينة التي تم ضمها العام 1993م إلى جانب ثلاث مدن يمنية هي زبيد وشبام حضرموت في قائمة التراث العالمي. وأدرجت صنعاء في قائمة التراث العالمي لاعتبارات عده أهمها ما تتميز به كميدنة تاريخية عريقة رغم قدمها إلا أنها من بين المدن القليلة التي حافظت على نمطها المعماري الفريد ولم تغادرها الحياة على اختلاف انماطها على عكس غيرها من المدن التي تحولت في ظل زحف الحياة المدنية المعاصرة إلى مدن مهجورة، فضلا عما تضمه من معالم تاريخية خلف سورها العتيق الذي يعود تاريخ بناءه إلى القرن الاول الميلادي تقريبا. ويوجد في مدينة صنعاء القديمة حوالي أربعة عشر ألف منزل تجتمع في مكان واحد يفصل فيمابينها شوارع متباينة العرض وتنقسم إلى عدة أحياء تتوسطها عدة بساتين .. وتتميز جميع منازلها المبنية من الياجوربطابع معماري فريد ومتميز , ويتراوح إرتفاع كل منها مابين ثمانية إلى تسعة أدوار، والمتوسط العام خمسة أدوار، وتكسوها نقوش وزخارف فريدة، تمثل لوحات فنية إبداعية تعكس مهارات الإنسان اليمني في الهندسية المعمارية منذ القدم . ومازالت جميع منازل المدينة مأهولة بالسكان وتدب فيها الحياة ما جعل علماء الآثار يصفونها بأنها أكبر متحف تاريخي طبيعي مفتوح في العالم. ومن ابرز معالم صنعاء القديمة إلى جانب السور .. سوق (الملح) الذي يعد شريان الحياة النابض ويمد المدينة العتيقة بالحياة والحيوية ويضم أكثر من (35) سوقا تشتم منها روائح البخور والعطور والتوابل بأنواعها ،وتتجلى فيها الكثير من مظاهر الحياة التجارية والصناعية التي تمارس عبر صناعات وحرف تقليدية مختلفة متوارثة عبر الأجيال المتعاقبة. يضاف إلى تلك المعالم، أن المدينة القديمة كانت تضم حوالي 7 أبواب ونحو 100 مسجدا أكبرها الجامع الكبير الذي بني بأمر الرسول الكريم محمد بن عبدالله في السنة السادسة للهجرة إلى جانب 20 صرحة (متنفس) و40 بستان و11 حمام بخاري تقليدي و 34 سبيل ومرنع لنزع وشرب المياه و21 سمسرة قديمة ونحو 25 معصرة زيت تقليدية قديمة . وبجانب تلك المعالم يأتي قصر غمدان اشهر قصور العالم القديم وكاتدرائية صنعاء المعروفة محاليا بغرقة القليس التي بناها ابرهه الحبشي اثناء غزو الاحباش لليمن ،وورد ذكرها في الكتب السماوية ، ويشبه تصميمها كنيسة القيامة في بيت لحم. وياتي هذا المشروع بهدف الحفاظ على هذه المدينة بإعتبارها من مدن التراث العالمي بعد أن كانت كثير من مظاهر الحياة المدنية المعاصرة، ، ساهمت إلى جانب مجموعة من المتغيرات والعوامل السياسية والاقتصادية التي مرت بها المدينة في احاطه المدينة بالمخاطر والمخالفات ماتسبب في اندثار وطمس بعضا من معالمها التي ما يزال الكثير منها قائما حتى الان. وجاء مشروع مخطط الحفاظ على المدينة القديمة حسب المسئولين، لا لكي يحد من حجم هذه المخاطر المعمارية والبيئية وحسب، بل ويوفر السبل الكفيلة لمعالجتها مستقبلا ، ومنع البناء العشوائي وعدم التوسع في الاماكن المحرمة وعدم الاستيلاء على المقاشم والاماكن المفتوحة. ويوضح الدكتور عبد الله زيد عيسى رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية أن :" المشروع سيحدد ايضا أهمية المبنى أو المعلم التاريخي ومن أي حقبة كما انه سيتطرق الى التوثيق للمبني من نقوش وزخرفة". ويضيف قائلا :" سيكون لمدينة صنعاء منطقة حمى , وهذا المخطط يحدد الملكية والفصل في المنازعات وسيحول دون ادعاء دولة ما با حقيه هذا التراث كما يحدث هذة الايام على سبيل المثال ". وسيعقب إنجازالمشروع أنشاء وحدة خاصة بخطط الحفاظ للمدينة بالتعاون مع جامعة فيرارا الايطالية في مطلع هذا العام بالتعاون مع منظمة اليونسكو وامانة العاصمة . وبتحقيق الحماية لهذا المدينة التاريخية تضل صنعاء حاضرة يمن التاريخ والحضارة وعاصمة أرض السعيدة مفردة جناحيها لعشاق الجمال الذين يتوافدون إليها من مختلف أنحاء العالم , طمعا في معرفة أسرار شموخ هذه المدينة وصمودها منذ مئات السنيين مضت والتمتع بفنونها وزخارفها وتشكيلاتها الفريدة والمميزة التي مازالت تثير الدهشة والإنبهار لدى كل من يراها , وتشده إلى معاودة زيارتها مرات عدة دون أن يمل .