تعد مرحلة التعليم الأساسي والتمهيدي أهم مراحل نمو الفرد وتكوين شخصيته،وازدهار مواهبه، وأكثرها تأثيراً من حيث القدرة على الاستقرار النفسي والتوافق الاجتماعي، والمساهمة مستقبلاً في بناء وطنه ... كيف يتم التعامل مع الطفولة في هذه المرحلة المهمة والأساسية التي تتشكل فيها اتجاهات طلاب وطالبات المرحلة الأساسية ؟ وهل هناك خطوات لإحاطة الطفل بالرعاية والحماية من المعاملات القاسية والأخطار التي تعيق نمو شخصيته في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها ؟! تقول أم عبدالرحمن "أم لثلاثة أطفال يدرسون في المرحلة الأساسية" أنها تعاني الكثير من أجل أن يتعلم أبناءها لتعوض ما فقدته هي في طفولتها فهي لم تكمل دراستها منذ الصف الرابع وتركت الدراسة والمدرسة لأسباب لم تفصح عنها، وتؤكد بأن " التدريس الآن أصبح مهمة صعبة في ظل الظروف الاقتصادية التي نمر بها جميعنا وأن هذه الظروف تأثر سلباً على المدرسين والطلاب أنفسهم" . ومن جانبها تقول الطفلة مودة " 8 سنوات تدرس في الصف الثالث الابتدائي" أنها لا تحب المدرسة أبداً وذلك لأنها تعرضت لموقف قاسي في المدرسة أثناء أحدى الحصص الدراسية، في قاعة الدراسة عندما منعتها أستاذتها من الذهاب للحمام، ولم تستطع مودة أن تمنع نفسها، فقضت حاجتها في مكانها.وتعرضت مودة لموقف قاسي لأنها تعرضت للسخرية من صديقاتها وعم الفصل الضحك والهمز واللمز !! وما زاد الطين بلة أن الأستاذة أخذت العصا وضربتها ضرباً مبرحاً عقاباً لها على فعلتها مما جعلها تترك الدراسة لمدة سنة لتستأنفها العام القادم. ومن خلال النزول الميداني واستقراء آراء المدرسين حول أسباب تدني مستوى الطلاب في المرحلة الأساسية وضعف تحصيلهم العلمي وتهميشهم لشخصياتهم البريئة وجدنا توافق كبير في الآراء. * الازدحام في الفصول مشكلة كبرى : الاستاذة أروي ترى ان الازدحام داخل الصفوف هو اهم مشكلة تواجه المدرس والطالب على حد سواء، وتضيف : الازدحام داخل الصفوف الدراسية يحول دون سيطرة المعلم على الفصل، ويجعله أشبه بالسوق أحياناً الأمر الذي ينعكس آثاره السلبية على فهم الطالب وتركيزه وتدني مستوى تحصيله العلمي، ويزدادالأمر تعقيداً في المرحلة الابتدائية وخصوصاً الأساليب التي يستخدمها معظمالمدرسين لمواجهة الضجيج هي التهديد بالعصا والصراخ في أحيان كثيرة الأمر الذي يزيد من آثاره السلبية لدى الطلاب. * التدريس بحاجة إلى خبرة علمية ونفسية وبحسب خبراء وعلماء نفس فإن مرحلة التعليم الاساسي تحتاج الى خبرات علمية نفسية واسعة ويتوافق مع هذا الرأي أحد المدرسين للصف الرابع الابتدائي في امانه العاصمة حيث يقول : التدريس في المرحلة الابتدائية يحتاج الى خبرة علمية ونفسية في ذات الوقت أكبر بكثير من تلك التي يتطلبها تدريس المرحلتين الإعدادية والثانوية. ومن خلال اللقاء بمجموعة من المعلمات اللواتي يدرسن في المرحلة الابتدائية أجمعن ان مناهج المرحلة الابتدائية صعبة جداً بالمقارنة مع المستوى العمري للطلاب بالإضافة إلى أن إلغاء مرحلة التمهيدي التي كانت تسبق الصف الأول الابتدائي كان له أثره في أن يشكل منهج الصف الأول صدمة للكثير من الطلاب الذين يميلون بفهمهم الى التقريب والتبسيط والتجسيد المرئي غير الممل بالإضافة إلى أن بعض المدرسين ليس لديهم الامكانيات والمواهب التي تؤهلهملنقل هذه المناهج بالأساليب المتنوعة والجذابة الى عقول الطلاب . * حوافز في الجانب المقابل يرى بعض المدرسين ان هناك سببا حيويا في دفع الطالب لبذل المزيد من الجد والاجتهاد وهؤلاء يرون أن تلاشي سياسة منح المحفّزات للطلاب من قبل الإدارات المدرسية أو المدرسين ومن قبل الاسرة ايضا من خلال الاهتمام بإجراءات العقاب واهم النظام الثواب والجزاء والذي يشكل حافزاً لإجتهاد الطلاب يتسبب في وجود عراقيل نفسيه لدى الطالب تضاف الى احساسه بالتهميش وتجاهل مستواه وجهده من اسرته ومن مدرسته على حد سواء وفي هذا الاطار يرى احد اولياء الامور ان عدم تفعيل الدور الحقيقي لمجلس الآباء والذي يخلق الشراكة القويةبين المدرسة والبيت من أجل مصلحة الطالب وحل مشاكله . وفي سياق متصل بمشكلة التهميش بما يتعلق بدور المدرسة تجاه الطالب لفت احد المدرسين نظرنا الى مسألة تربوية هامة وهي أهمال الحصص الرياضية والفنية وعدم الحرص على ادائها بطرقها الراقية والسليمة التي تجعل لهذه الأنشطة قيمتها. * ظروف صعبة ويظل محور المشكلة كما يرى بعض المعلمين والمعلمات انعكاس الظروف المادية الصعبة على المدرسين والطلاب على حد سواء فالفقر يقلل من مستوى أداء المدرسين مما يضطر بعض المدرسين أن يلجأ للتدريس فترتين لمواجهة الظروف المادية الصعبة .وبهذا تنفذ طاقة المدرس يومياً ويفقد نشاطه وأدائه وهذا ينعكس سلباً عليه إلى جانب عوامل أخرى أسرية تعمل على اهمال المدرس الطرق اللازمة اتباعها حال القيام بالدرس المقرر عليه. * من أين يبدأ التغيير وترى هناء حسن ( مدرسة الصف الثالث ابتدائي ) أن التغيير المطلوب أساساً يبدأ من البيت ومن الأم وأن التغيير في المدرسة ماهو إلا عامل مساعد فقط والأهم منه تهذيب الأطفال في البيت ليتقبلوا تربيتهم في المدرسة بشكل جيد أما إذا كانت الأسرة مهملة للطفل وترمي به للمدرسة للتعليم فقط فهذا غير صحيح وينتجعن ذلك أن بعض الطلاب تظهر فيه بعض الظواهر الغير جيدة منها الغش ، شيوع الألفاظ البذيئة والكذب ، مظاهر التقليد للشخصيات المنحرفة ، مظاهر الانحراف الخلقي ، و ظاهرة التدخين والذي أصبحت منتشرة بين طلاب التعليم الأساسي الهروب من المدرسة . ويرى أحد أولياء الأمور ( الآباء) أن المدرسة بالنسبة للطفل لا بد أن تكون للتربية وللتعليم معاً وأنه يظل طيلة النهار منهمك في عمله وبين معاملاته وأوراقه ولا يجد الوقت الفارغ لكي يجلس مع أبناءه للمذاكرة أو للتعليم أما بالنسبة للأم فهي أمية (لا تقرأ ولا تكتب) ولا تستطيع أن تقوم بتدريس الأبناء فهو بهذا الأسلوب يصف المدرسة بأنها بيت الطفل الثاني، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هنا هو كيف للمدرسة أن تتحمل مثل أبناء هؤلاء وكيف سيتم إعداد هذا الطفل إعداداً يتناسب مع شخصه وعقله بهذا الأسلوب الخاطئ بالإضافة إلى أنه سيشكل للطفل عوائق نفسية كثيرة بعدم تقبل حقائق الحياة المستقبلية وعدم قدرته على تحمل مشاقها ومسؤولياتها الكثيرة فلا بد من الربط بين العمليةالتربوية والتعليمية في البيت قبل المدرسة . ويقول عبدالكريم الصبري ( مدرس الصف السادس ) بخصوص التغير في اتجاهات المعلمين النفسية والتربوية أن هناك فروق بين مجموعات المعلمين في سنوات الخبرة فياتجاههم نحو مهنة التعليم ونحو الدراسات النفسية والتربوية، ويبدو أنه كلما زاد عدد سنوات الخبرة للمعلم فإنها "أي اتجاهات المعلمين" لا تهتم ببرامج النمو المهني والتدريس، بل يتركز الاهتمام نحو الوظائف الإدارية ويقل الأداء التدريسي . ويوافقه الرأي الأستاذ أحمد العمري ويضيف أن السبب فقدان المعلم الحرية والحماس لمهنة التعليم ، وذلك لعدم تحقيقه المكانة الاجتماعية والاقتصادية اللائقة التي تتمشى مع طبيعة المهنة، بالإضافة إلى الإحباطات المتكررة التي قد يواجهها بشكل متكرر مع طلابه وزملائه ورؤسائه بالإضافة إلى أنه لابد من توفر الخبرة العملية . يمكننا القول بأن المعلمين ورثة الأنبياء ولا بد أن يتحلوا بما تحلوا به من صبر وحلم ولا بد أن يكون لهم خبرة علمية ونفسية وثقافية لتحقيق الهدف المطلوب من تعليم المرحلة الأساسية وبناء الأطفال بناء سليم يعينهم مستقبلاً على تحمل مشاق الحياة وصعابها ، بيد أنه من الواضح أن الجانب لاقتصادي وآثار الظروف المادية الصعبة لأصحاب هذه المهنة تؤثر على نفسياتهم وطلابهم على حد سواء فيجب معالجة هذا الأمر بحيث يتوفر للمعلم المكانة الاجتماعية والاقتصادية اللائقة و المرموقة بين الناس . كما أنه لا بد من تفعيل الشراكة بين الأسرة والمدرسة وتعليم الأبناء مكانة معلميهم وكيفية احترامهم بالشكل اللائق . كما أن الاهتمام بالنشاطات الرياضية والفنية أمر ضروري وحافز للطلاب ليتعلموا ولاسيما الأطفال بالذات لأن رغبتهم في اللعب أكثر وسيكون لها اثر طيب فيحب المدرسة بدلاً من الضغط عليهم بالدروس المملة والروتين اليومي الثقيل. سبأنت