تكتسب الانتخابات الرئاسة التركية التي تجري غد الجمعة الدورة الاولى منها اهمية كبيرة كونها تاتي في ظل التهديدات التي تتعرض لها المنطقة والحديث عن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وتوزيعات القوى الإقليمية بها . ومن المتوقع ان تنظم دورة ثانية من هذه الانتخابات في الثاني من شهر مايو المقبل, قد تتبعها دورتان ثالثة ورابعة تنظمان في التاسع والخامس من الشهر نفسه. ويكون تنظيم الدورتين الثالثة والرابعة, وفق للقرار الذي اتخذه ممثلو الاحزاب في الجمعية الوطنية(البرلمان) التي ستنتخب الرئيس التركي الحادي عشر. وقد لا يكون تحديد الفائز في هذه الانتخابات صعبا لدى الكثيرين، ولكن الأصعب حقا هو كيفية تعامل من ستسمح له القوانين المنظمة للانتخابات بالفوز مع قضايا ساخنة وحساسة داخليا وخارجيا بعضها قديم يعود إلى عشرات السنين وبعضها الآخر طارئ على مسرح الأحداث ظهر فقط في غضون العامين الماضيين وبالتحديد بين الفترتين التشريعيتين الأخيرتين. فالمواطن التركي مل وعود الساسة وراح يبحث في الوجوه الانتخابية الكثيرة التي يراها صباح مساء وبين برامج الأحزاب عمن سيعيد للاقتصاد المنهك قوته، ولليرة التي فقدت نصف قيمتها عافيتها، ولطوابير العاطلين عن العمل بعض الأمل، وللأكراد الذين هدهم القتال اعتبارهم هذا على المستوى الداخلي. أما على المستوى الخارجي فستواجه الحكومة الجديدة قضايا أخرى شائكة، أهمها عضوية الاتحاد الأوروبي، والتعامل مع ضغوط صندوق النقد الدولي، ثم الملف العراقي الأكثر حساسية والأشد تعقيدا.. من هنا كان للحدث أهميته. وكان من المتوقع ان يعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان (53 عاما) ترشحه لانتخابات الرئاسة خلال اجتماع الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، لكن الذي حدث ان الترشيح وقع على وزير الخارجية عبدالله غول(56 عاما). وهذا التغيير الذي أعلن في اللحظات الأخيرة مؤشر الى سعي الحزب لقيادة تركيا لسنوات قادمة بأقل قدر من التكاليف السياسية، مع ضمان استمرارية تماسكه وقدرته على مواصلة النجاح الذي تحقق له حتى الآن. ومن المؤكد ان يصل عبدالله غول الذي يشغل ايضا منصب نائب رئيس الوزراء الى الرئاسة لان حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002 الذي ينتمي اليه يملك الغالبية المطلقة في البرلمان التركي ، فحزب العدالة والتنمية يمتلك (353 )مقعدا من اصل (550) مقعدا هي عدد مقاعد البرلمان التركي. والشىء الذي يبعث بالامل هو ان البرلمان هو من سينتخب الرئيس المقبل لتركيا لولاية واحدة مدتها سبع سنوات, وان كان هذه المنصب يعتبر فخريا الى حد كبير باستثناء المصادقة على القوانين والتعيينات في مناصب اساسية في الادارة, لان المرشح لمنصب رئيس الجمهورية سيكون بحاجة الى 367 صوتا . وفي حال لم يصوت لصالحه حزبان صغيران من اليمين اوالوسط فان غول سينتخب بالتاكيد في الدورة الثالثة المقرر اجراؤها في التاسع من شهر مايو المقبل, حيث تكون الغالبية المطلقة البسيطة المتمثلة في (276) صوتا كافية لانتخابه. ومن المعروف ان وصول غول ذو الخلفية الاسلامية والأكثر اثارة لأحزاب المعارضة العلمانية، سيعيد الى الاذهان تجربة حزب الرفاه الذي قاده نجم الدين اربكان وخرج من الحكم تحت ضغوط من قيادة الجيش عام 1997م فضلاً عن ان انتخاب اردوغان رئيساً وهو الذي سبق أن ادين بالسجن لتحريضه على الكراهية الدينية كان سيمنعه دستورياً من العمل السياسي وهذا بدوره ربما يفضي الى انشقاقات او ارتباك في الحزب . لكن رغم معارضة المجتمع العلماني في تركيا الذي يضم كبار قادة الجيش ورجال الاعمال وقضاة واساتذة جامعات استطاع حزب العدالة والتنمية ان يحقق صعوداً متنامياً في الحياة السياسية التركية وهو نجاح يحسب للتيار الاسلامي الذي تعلم من درس عام 1997م فانتقل من فرض الاجندة الاسلامية بالقوة الى السعي لخلق مصالحة بين الدين والدولة من خلال تخفيف القيود الصارمة على الممارسات الاسلامية مثل ارتداء الحجاب وعدم التنكر للتقاليد الاصيلة للشعب التركي. ولم يكتف برفع هذا الشعار من دون مضمون سياسي واجتماعي حقيقي فحقق نجاحات عديدة على المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية وزيادة الاستثمار الاجنبي وبدء محادثات الانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي والأهم انه لعب دوره من خلال الدستور والشرعية واستطاع تعميق التجربة الديموقراطية فنجح خلال عام 2002م في تمهيد الطريق امام تولي رجب طيب اردوغان رئاسة الحكومة بإجراء تعديلات في الدستور تمنع صدور فيتو رئاسي بهذا الشأن. وفي المقابل فإن النظام العلماني في البلاد واجه حركة المجتمع وتوجهاته بطريقة راديكالية، فمنذ فتح باب التعددية الحزبية واعطاء الاتراك فرصة التعبير عن دعم تقاليدهم الاسلامية كان التيار العلماني يحبط هذا التوجه وتوالت الانقلابات العسكرية فأسقط الجيش اربع حكومات منذ عام 1960م وحتى عام 1997م فضلاً عن أن العلمانيين فشلوا في ادارة الصراع مع حكومة العدالة والتنمية فتعاملوا معها بشك كبير وباعتبارها جزءاً من تركة اربكان وحزب الرفاه . قصة طويلة ومثيرة تلك هي قصة الحكومات التركية، فعلى مدى 79 عاما وكما يتضح من إطلالة سريعة على بعض الإحصائيات الانتخابية تشكلت في البلاد 56 حكومة منذ إعلان الجمهورية وبلورة نظام الحكم عام 1923 وحتى الآن. وما بين صعود كل حكومة وسقوطها وقعت أحداث وبرزت شخصيات تركت خلفها صفحات مهمة في تاريخ تركيا الطويل. وفي العالم العربي يتابع الناس العملية السياسية التركية بشغف بالغ، لأن تركيا دولة اسلامية مؤثرة في منطقة الشرق الاوسط، واستقرارها يعني لهم الكثير . سبأ نت