لا يزال العامل أبو محمد، يتذكر ذاك اليوم الذي شاهد فيه زميله فراس محمود جلال، شبه جثة هامدة على الأرض مضرجا بالدماء، بين قبضات الجنود واعقاب بنادقهم، خلال حملة مداهمة لعدد من أماكن سكن العمال الفلسطينيين في مدينة حيفا، داخل الخط الأخضر، وغيرها من المدن، قبل حوالي الشهرين، بدعوى عدم حصولهم على التصاريح اللازمة لدخول إسرائيل. أبو محمد، كما فضل التعريف بنفسه الذي تمكن من الإفلات من قبضة الجنود، كان الشاهد الوحيد على تلك اللحظات المروعة التي عايشها رفاقه، الذين أوقعهم حظهم العاثر، كما يقول، في قبضة الجنود الذين عاملوهم بقسوة ووحشية، ويقول: كنت عائدا من السوق بعدما اشتريت الطعام لزملائي العمال الذين كانوا ينتظرونني في المنزل الذي استأجرناه مؤخرا للاقامة به بعد انتهاء اعمالنا، لأتفاجأ بأن هذا يضرب، وهذا يلقى على الأرض، وهذا يتعرض لركلات من بساطير جنود الاحتلال، وشتائم نابية، وبصقات، وهروات، وغير ذلك، قبل أن يقتادوهم إلى مركز قريب للشرطة.وتمنع إسرائيل عشرات آلاف العمال الفلسطينيين، من العمل داخل الخط الأخضر، منذ اندلاع الانتفاضة في أيلول من العام 2000، حيث باتت تتشدد في منح التصاريح، التي لا يتجاوز حاملوها بضع مئات، في حين يضطر آخرون للمغامرة بتنكيل متوقع، أو غرامة باهظة، أو العيش في ظروف لا إنسانية، والدخول إلى المدن الإسرائيلية، والعمل "دون تصريح"، لتوفير لقمة العيش لأبنائهم.وأفاد تقرير صدر عن اتحاد عمال فلسطين ان قوات الاحتلال شددت من إجراءاتها وحملاتها في ملاحقة العمال الفلسطينيين، وأنه منذ مطلع العام الجاري نفذت السلطات الإسرائيلية أكثر من 20 عملية مداهمة، اعتقلت خلالها أكثر من 500 عامل بينهم 70 امرأة، وجرى تحويلهم للمحاكم التي أصدرت بحقهم أحكام مختلفة بين السجن والغرامات المالية التي تتراوح بين ألفين إلى عشرة آلاف شيكل.وأكد التقرير أن قوات الاحتلال كثفت من إجراءاتها الأمنية، وبعكس ما أعلنت عنه من تخفيف للإجراءات، وإصدار للتصاريح، فإن الاتحاد أكد أن قوات الاحتلال رفضت منح مئات العمال تصاريح، بذريعة الإجراءات الأمنية.وأكد المجلس الفلسطيني الاقتصادي للتنمية والإعمار (بكدار)، في تقريره السنوي أن 70% من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر، في حين بلغت نسبة البطالة 40% من الأيدي العاملة، بسبب الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني. وأشار التقرير إلى أن عدد العائلات الباحثة عن مساعدات إنسانية ارتفع من 45ألف عائلة مسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية إلى حوالي 200ألف عائلة، تبحث عن المساعدات، عدا العائلات المسجلة لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).ونوه التقرير إلى أن السلطة الفلسطينية باتت عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها المالية، في ضوء الحصار المتواصل على الشعب الفلسطيني منذ انتخاب حركة حماس قبل عام ونصف. وذكر التقرير أن السلطة الفلسطينية توفر 60 مليون دولار شهرياً لتغطية النفقات المالية، مع العلم ان احتياجاتها المالية تصل إلى 200 مليون دولار شهرياً، ما يشكل عجزا ماليا شهريا لأكثر من الثلثين. وأشار التقرير إلى أن النمو الاقتصادي تراجع بحوالي 12%، سنويا وبتراكم يصل إلى 50% منذ العام 2000، وعجز مالي في العام 2007 يصل إلى 1ر3 مليار دولار، في حين تراجعت حركة التجارة الداخلية بسبب الحواجز في الضفة الغربية، وبسبب الإغلاق المتكرر لمعبر كارني في قطاع غزة. وأشار التقرير إلى ان المستحقات المالية لموظفي السلطة تصل إلى حوالي 600 مليون دولار، وذلك بناء على المعلومات المتوفرة من وزارة المالية. وتوقع التقرير استمرار تراجع مستوى التمويل لمشاريع التنمية في العام الحالي، مشيراً إلى أن المساعدات التنموية في الأعوام السابقة، بلغت حوالي 350 مليون دولار سنويا من مختلف مصادر المانحين.ويقدر التقرير خسائر الاقتصاد الفلسطيني بحوالي 51 مليون دولار يوميا، بسبب إجراءات الحصار الميداني الإسرائيلي، أهمها الخسائر المترتبة على انقطاع التحويلات من العمال في إسرائيل، حيث انخفض عدد العمال من 120 ألف عامل في عام 2000 إلى حوالي 20 ألف عامل في عام 2000.