على الرغم من تاكيد تركيا أنها ستفي بالتزاماتها في مشروع خط الأنابيب (نابوكو) الذي سينقل غاز بحر قزوين إلى وسط أوربا, الا ان الدوائر الاتحادية الأوربية في بروكسل تعاملت بحذر وتحفظ شديدين بعد التوقيع يوم أمس الأول في أنقرة على اتفاق روسي تركي ايطالي يسمح بمد أنبوب للغاز من روسيا إلى ايطاليا عبر المياه الإقليمية التركية. وجاء على لسان وزير الطاقة التركي تانر يلدز "إنه بغض النظر عن التوقيع على أي مشروع بما في ذلك ساوث ستريم فإنه لن يتزعزع إصرارنا بشأن نابوكو ونحن نحترم التزاماتنا". وأكد يلدز أن تركيا قد تصبح شريكا في مشروع ساوث ستريم غير أنها تفضل أولا انتظار نتائج دراسات الجدوى. من جانبه قال ناطق باسم المفوضية الأوربية في بروكسل اليوم السبت أن الجهاز التنفيذي الأوربي يمتنع عن التعليق على هذا التطور. وترعى المفوضية الأوربية بشكل نشط مشروعاً أوربياً ضخماً لنقل الغاز من آسيا الوسطى إلى أوربا عبر تركيا أيضا معروف باسم خط نابوكو. ويمثل الخط الجديد الذي تم التوقيع على اتفاق بشأنه في أنقرة ضربة موجعة لمشروع خط نابوكو حسب الدبلوماسيين الأوربيين. وبذل الإتحاد الأوربي طوال الأشهر القليلة الماضية جهودا مضنية لتأكيد نهجه الاستقلالي تجاه الطاقة الروسية ولكن مد خط ( ساوث سترييم - التيار الجنوبي ) بمشاركة روسيا وايطاليا ودعم تركيا يضع حداً نسبيا لهذا الطموح ويدفع للتشكيك في مجمل محاولات الاتحاد الأوربي التخلص من التبعية للغاز الروسي المصدر. واختار رئيس وزراء روسيا فلادمير بوتين مرور عام واحد على المواجهة الروسية الجورجية في القوقاز ودعم الأوربيين وحلف الناتو لجورجيا لتوقيع الاتفاق الجديد حول الغاز مع تركيا في رسالة واضحة للاتحاد الأوربي. ويتمثل المشروع الجديد الذي ترعاه روسيا بقوة في بناء أنبوب للغاز لنقل الغاز من روسيا إلى بلغاريا بدءا من عام 2013 عبر البحر الأسود وبتمويل مشترك من مؤسستي (غازبروم) الروسية و(ايني) الايطالية. وإضافة إلى البعد التجاري الواضح لهذا المشروع فانه يحمل أيضا أبعاداً سياسية أكيدة لأنه يمثل تكملة روسية واضحة لإستراتيجية محاصرة الإتحاد الأوربي في قطاع الطاقة وتهميش دور أوكرانيا كمعبر للطاقة نحو دول التكتل السبع والعشرين. وبدأت روسيا المراحل الاولى لتنفيذ خطة (تيار الشمال -نورث ستريم) مع ألمانيا عبر بحر البلطيق. وواجهت الدول الأوربية خلال السنوات الأخيرة تداعيات الخلافات الروسية الأوكرانية وعانت من شح إمدادات الغاز إليها ويريد بعض الأوربيين تكريس نهج للتخلص من أوكرانيا في معادلة الطاقة الأوربية الجديدة ولكن مع الإبقاء على استقلالية نسبية تجاه موسكو. وردد المسؤولون الأوربيون في بروكسل حتى الآن أنهم يعملون بمختلف الوسائل للحد من الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية التي تمثل حاليا أكثر من ثلاثين في المائة من مجمل الاستهلاك الأوربي في قطاع الطاقة وخاصة الغاز الطبيعي. ومثل مشروع نابوكو فرصة نادرة للاوربيين لتكريس هذا التوجه بعد أن وافقت تركيا الشهر الماضي على المشاركة العملية في بنائه مقابل مبالغ طائلة في مجال تحصيل الرسوم التي تقدر ب450 مليون يورو سنويا. ورغم مساومة تركيا التي تواجه متاعب في مفاوضات انضمامها الى الاتحاد الاوربي, بنجاح دعمها لمشروع نابوكو الأوربي الذي يحظى أيضا بدعم الولاياتالمتحدة, الا انها بدأت تراهن على تحالفات إضافية للضغط على الأوربيين وتجد في روسيا ضالتها الفعلية. وقامت روسيا قبل انتزاعها للمشاركة التركية في خط التيار الجنوبي بعقد اتفاقيات ملزمة في مجال الإمدادات مع عدة دول من آسيا الوسطى لتغذية الأنبوب الجديد وخاصة أذربيجان مما يحد من قدرات خط نابوكو الأوربي الذي يبدو إضافة لذلك مكلفا ماليا. وتقول المفوضية الأوربية في بروكسل أن مشروع نابوكو سيكلف ثمانية مليارات يورو في حين أن الجهاز التنفيذي الأوربي تمكن فقط من تكريس زهاء 300 مليون يورو له حتى الآن. أما بلغاريا التي أعلنت دعمها لخطة نابوكو فإنها تراجعت عن هذا الالتزام مؤخرا ووقعت اتفاقا ثنائيا مع روسيا. ويقول الخبراء أن مستقبل إمدادات الطاقة في الاتحاد الأوربي لم يحسم بعد بشكل نهائي رغم هذه التطورات ولكن الإشكالية التي تواجه الاتحاد الأوربي في هذا الملف تتمثل في الانشقاقات السياسية والخلافات بين الدول الأوربية نفسها . وتأكد ذلك من خلال حضور رئيس وزراء ايطاليا سليفيو برلسكوني لمراسم توقيع الاتفاق الروسي التركي في أنقرة يوم أمس الأول. ويمكّن الاتفاق روسيا التي تمد أوربا بربع احتياجاتها من الغاز الطبيعي من بناء مسارات لتوريد الغاز سريعا تتجاوز أوكرانيا ودولا سوفياتية سابقة بعد نزاعات مع كييف بشأن مدفوعات المرور في السنوات الأخيرة عطلت الإمدادات. وتسعى موسكو لبناء ساوث ستريم قبل نابوكو الذي يهدف لخفض اعتماد أوربا على الغاز الروسي. ويتوقع أن يضمن الدعم التركي للمشروع الذي تبلغ طاقته 63 مليار متر مكعب إنجاز خط الأنابيب وتأمين إمدادات له عبر روسيا. سبا