صرح الرئيس علي عبد الله صالح منذ أيام بأن حرب صعدة بدأت منذ يومين فقط، فهل كان يقصد أن كل ماحدث خلال الشهور الماضية كان مجرد جرس إنذار للخطر الحوثي, وأن الحرب الحقيقية بدأت بتعديهم على الحدود والمُدن بالمملكة العربية السعودية، خاصة أن الحدود اليمنية - السعودية تمتد لنحو2000 كم، وأن المملكة بالأساس هي هدف لضربات تنظيم القاعدة الداعم للمتمردين الحوثيين باليمن, كما يؤكد المسؤولون اليمنيون. وإذا كانت أزمة التعدي على المملكة السعودية وردها بتلك القوة قد ينهي التهديد الحوثي على المملكة ومواطنيها، لكن -بالتأكيد- خطرهم على الدولة اليمنية وعلى غيرها من البلدان المستهدفة للقاعدة أو لإيران أو لأي دولة أو حركة لها أهداف ومطامع في المنطقة سيزال قائما ما لم تنته تلك الحرب بالطرق السلمية أو العسكرية. ومما يزيد الصورة قتامة بالنسبة للمواجهات اليمنية - الحوثية اعتراف الحكومة اليمنية بأن هناك صعوبة بالغة في إنهاء حروب العصابات، كما حدث في أفغانستان وغيرها من قبل. مجددا في ظل التصعيد وارتفاع الضحايا اليمنيين وتزايد الخطر الحوثي الشيعي في الداخل والخارج وقتامة الصورة، كيف تسير الأمور في الحرب السادسة لليمن الآن.. في زيارته الأخيرة للقاهرة, التقت "الأهرام" بوزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي، وبعيدا عن تحرجه من التعليق على التطاول الحوثي على المملكة العربية السعودية، أتى حوارنا معه عن الوضع الحقيقي لحالة "التمرد الحوثي" ومداها, وإمكانية التعامل معها في ظل الانقسام الداخلي بين الشمال والجنوب والحكومة والمعارضة وقسوة الحال وصعوبة الأحوال، بعيدا عن الدبلوماسية والوعود الرسمية أتى الحوار: * صرحت المصادر الإعلامية للحوثيين منذ فترة بأن المملكة العربية السعودية تقدّم الكثير من المساعدات العسكرية لليمن، ألم يكن في تلك التصريحات جرس إنذار ينبئ بنيتهم في اختراق الأراضي السعودية والاعتداء على مواطنيها؟! في البداية اعتبرنا تلك الأقاويل مجرد محاولة من المتمردين الحوثيين لاستجداء التعاطف الخارجي معهم ليس إلا. فقد بدأ الحوثيون بمجموعة من الأفكار المنطلقة من الدفاع عن المذهب الزيدي ثم انحرفت الأفكار إلى أجندة سياسية من أجل الحصول على التأكيد، كما استطاعوا أن يحصلوا على بعض التأكيد عن طريق الحوزات العلمية ودعم بعض الشيعة الذين لا يعرفون حقيقة ما يجري في اليمن. * هناك من يعتقد أن إيران ترغب في استغلال الموقف مع الحوثيين للضغط على اليمن, باعتبار اليمن محسوبا على الغرب وأميركا, ما تعليقكم؟! لا أرى هذا التحليل صحيحا؛ لأن إيران تعلم جيدا أن القرار اليمني هو قرار يمني بالمقام الأول والأخير، وأن اليمن -كما هي حريص على علاقتها بإيران وكل دول المنطقة ودول العالم- فإنها تنطلق في هذه العلاقات من المصلحة اليمنية في المقام الأول، ولا يمكن أن تقيم علاقة على حساب آخر، فنحن دولة ذات سيادة حقيقية، ولنا قيادة حريصة على أمن واستقرار المنطقة، وعلى علاقاتها بكل جاراتها. * منذ عدّة أسابيع استقبل الرئيس علي عبد الله صالح جون بيرت، مساعد الرئيس الأميركي لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب, فهل طلبتم مساعدات أمنية وعسكرية من الولاياتالمتحدة الأميركية؟ - ما أكدته الولاياتالمتحدة الأميركية وكذلك الموقف الأوربي وموقف دول مجلس التعاون الدولي والعربي وموقف كل دولة عربية على حدة يحرص على وحدة واستقرار اليمن؛ لأن الجميع يعلم جيدا أن أمن اليمن يؤثر على المنطقة بأكملها, وبالفعل لدينا تعاون أمني مع الولاياتالمتحدة، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وهناك قوات دولية بحرينية وأميركية وروسية وإيرانية في خليج عدن وبحر العرب لمحاربة القرصنة، وبالتالي فإن الدول التي لها أساطيل بما فيها إيران تحاول أن تنسق معنا؛ لأن اليمن معني بشكل مباشر بكل ما يحدث في هذه المنطقة. * لكن هل طلب اليمن المساعدة العسكرية من الولاياتالمتحدة الأميركية؟ لا، لم يحدث ذلك. والمطلوب من الولاياتالمتحدة دوما يتعلق بمكافحة الإرهاب. *وهل لا تعتبرون ما يحدث في صعدة واختراق الحدود اليمنية - السعودية إرهابا؟ بالطبع إرهاب وتعدٍ، واعتقد أن الحوثيين سيدفعون ثمن ذلك غاليا، ولكن على الناحية الأخرى نجد أن مساحة اليمن وطبيعتها الجغرافية ومساحة الحدود المشتركة مع المملكة العربية السعودية كل هذا يمثل إشكاليات حقيقية أمام تحقيق الأمن الكامل, ولكن التعاون المشترك والتنسيق في الفترة القادمة سيضع الأمور في نصابها. *وهل ما زال الدعم من الأطراف الإيرانية التي أشرتم إليها مسبقا مستمرا؟ الاستخبارات اليمنية تحقق الآن في تورط بعض العناصر غير الرسمية في إيران في حلم دعم تلك الجماعة المتمرّدة المخربة، وإن كان أهم ما يوضع في الاعتبار أن إيران نفسها لن تسمح بأي شكل من الأشكال أن تحمل أي جماعة متمردة داخل إيران السلاح ضد الدولة الإيرانية لذلك أعتقد بشكل كبير أن الإعلام الإيراني لم يضع مصلحة إيران أمامه في دعمه لهؤلاء المخرّبين, وفي اتصال بيني وبين وزير خارجية إيران أبدى استعداد بلاده للتدخل وبذل جهد دبلوماسي من أجل إنهاء الصراع في صعدة، وأبلغناه أننا نريد تغييرا في موقف الإعلام الإيراني أولا؛ ليعكس موقف الحكومة، ولئلا يعكس رغبات جهات أخرى. *إلى الآن هل وجدت الحكومة اليمنية دليلا ملموسا على تورط تنظيم القاعدة فيما يحدث في اليمن؟ لا توجد معلومات مؤكدة، لكن هناك تعاطفا ودعما معنويا. فكلنا سمعنا تصريحات لقياديين في التنظيم تدعمهم كذلك حركة الانفصاليين في الجنوب اليمني، بالإضافة إلى مستوى التسليح والتنظيم والأموال التي ينفقها الحوثيون، والتي لم يكن ليجدها لولا الدعم الخارجي، الهادف إلى تخريب تلك الدولة. * وأين كانت الدولة اليمنية طيلة تلك السنوات التي تنظم وتسلح فيها المتمردون وأصبحوا من القوة بحيث يهددون الدولة اليمنية وما حولها من دول حتى بقوة المملكة العربية السعودية؟ كنا نأمل بعد قيام الوحدة وبعد هزيمة الانفصاليين بأن تركز الدولة جهودها على التنمية وبناء مؤسسات تدير مصالح اليمن وفقا لسياسات الحكومة، وللأسف تعسر هذا الأمل لأسباب كثيرة أهمها: الجانب الاقتصادي الذي أعاق كل خطط الحكومة، سواء في إطار التنمية أو في إطار بسط سلطتها على كل المناطق والمحافظات, تلك القضية مركّبة، ومسؤوليتها لا تتحملها الحكومة وحدها، ويجب أن تتحملها معها أحزاب المعارضة التي تتعامل بمسؤولية تجاه القضايا التنموية والسياسية وغيرها. * من ضمن الاقتراحات التي قدّمتها المعارضة لحل الأزمة الحالية هي تطبيق نظام الفيدرالية -فما رأيكم في ذلك؟ - رأيي أن الأخوة في المعارضة دائما ما يطرحون اقتراحات هم أنفسهم غير مقتنعين بها، لكنها فقط من باب رفع سقف المطالب، وهي لعبة سياسية لا يقدرون خطورتها على اليمن, فهذا الطرح إذا ما وضعناه على طاولة المحللين السياسيين غير المنحازين لأي طرف في هذا النزاع، فكيف يرون نفعية النظام الفيدرالي إذا ما طُبّق في اليمن في الظروف والإشكالات السياسية الحالية، فهل سيفيد أم سيزيد الوضع تدهورا؟ وأرى أيضا أن المعارضة كان أولى بها قبل أن تعرض آراءها في المحافل الإعلامية أن تطرح ما لديها على طاولة الحوار الداخلي أولا. * بمناسبة الحديث عن الانفصاليين، كان هناك حديث للسيّد علي سالم البيض - نائب الرئيس اليمني السابق- دعا فيه الأممالمتحدة للتدخل العسكري ليخرج الجيش اليمني من جنوب للبلاد، ووصف الجيش بأنه محتل. كيف تنظر الحكومة اليمنية إلى مثل هذه الدعوات؟ - أريد أن أنصح علي سالم البيض أن يختار مستشارين قانونيين مطلعين على القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة ودورها, كذلك لا بُد أن يراجع بدقة القرارات التي اتخذت من قبل مجلس الأمن 95,94 حتى لا يُكرر مثل تلك المقولات التي تعكس جهلا بالقانون الدولي ودور منظمة الأممالمتحدة. صحيفة السياسية + الأهرام المصرية