" اغتصاب, تحرش" كلمات لها وقع ثقيل على الآذان تقشعر منها الأبدان، قصص مقززة نسمعها نقرأها بين الحين والآخر عن خطر يتسلل بهدوء إلى الأطفال. يغريه بالشكولاتة, لعبة, مال؛ ليقع بعدها فريسة سهلة بين يدي نفس مريضة تخلّت عن إنسانيتها. تنتابنا حالات من الخوف الشديد عند نسمع عن تعرّض أطفال لانتهاكات جنسية تنتهي أحيانا بمقتل الطفل، كما حدث مع الطفلة نسيبة وغيرها. وبرغم أن التحدّث عن الجنس لا يزال من المُحرّمات في مجتمعنا وعليه الكثير من علامات الاستفهام والخطوط الحمراء إلا أن خطرها على الطفل دفع "السياسية" إلى إخراج رأس الموضوع المدفون بين تراب العيب والمحظور، لتبحث له عن حلول.. فيُعرّف الاستغلال الجنسي لجسد الطفل بأنه "اتصال جنسي بين طفل وبالغ من أجل إرضاء رغبات جنسية عند الأخير، مستخدمًا القوة والسيطرة عليه"، وقد يكون الاعتداء خارج إطار العائلة أو داخله. مشكلة معقّدة تفرض نفسها بقوة، وتجعلنا نعيد حساباتنا ونمحي ذلك الخطر الأحمر الذي اعتدنا أن نرسمه عند ما نتحدّث عن الجنس، مشكلة خطوات علاجها تكمن أولا بالتوعية. فيُقال: إن الوقاية خير من العلاج، أي أن يكتسب الابن المعلومة مسبقا خيرٌ من أن تأتي المعلومة بعد وقوع الكارثة وتوابعها، وتكون المعلومة عندها مصدرا للألم أكثر منها مصدرا للإدراك والفهم والوقاية. ** أساليب خاطئة يصعق أي أب أو أم بحدوث هذا الأمر لأحد أبنائه، وفي أغلب الأحيان يكون الكتمان سيّد الموقف، خاصة إذا كان الاعتداء مصدره بعض الأهل والمحارم، فكثير من حالات التحرّش والاغتصاب لا يُفصح عنها ولا يُعرف عددها. وحالات أخرى -وهي قليلة- يتم الكشف عنها، لكن بطريقة خاطئة تؤدى إلى انهيار الطفل. وفي كلا الحالتين لا يتم معالجة الموضوع، ويُترك كما هو، ويزداد الأمر سوءا عند ما يتحمّل الطفل "المُعتدى عليه" الذنب. وهذا ما حدث مع طفلة في محافظة تعز تعرّضت للاغتصاب، فكان جدّها يجرها خلفه في أحد أقسام الشرطة، وهو يصرخ، وتلك الطفلة التي لا حول لها وقُوة، تنظر إليه، وهي ترتعد خوفا، ولا تعي ما حدث لها. وفي كثيرا من الأحيان تتعامل الأسرة بجهل تام مع المشكلة، ويفقد الآباء القُدرة على تقديم النّصح والإرشاد إلى الأبناء، أو حتى التعامل المفترض مع أي حادثة تحرّش جنسي قد يتعرّض له أطفالهم. ** الحماية نحن الآن لسنا بصدد بحث أسباب تلك المشكلة المشينة، وكل ما نسعى إليه من خلال السطور التالية هو نشر التوعية من قبل الآباء والأمهات والتأكيد على دورهم أولا في حماية الأطفال وكيفية توعيتهم. يجمع اخصائيون نفسانيون واجتماعيون بأن كل الآباء والأمهات مسؤولون عن توعية أبنائهم، وتربيتهم، وتوجيههم من أجل منع تعرضهم للاستغلال الجنسي، الأمر الذي قد يؤدي إلى مشاكل نفسية أو القتل, ويؤكدون على أهمية المبادرة في توعية الأطفال منذ الصغر بشتى الطرق والوسائل المتاحة والمُمكنة. لكن يبقى تساؤل: هل بالفعل تقوم الأسرة بالتوعية؟ وكيف تكون؟ ** أساليب توعوية بداية تقول أم بسملة، التي استوطن الخوف قلبها، وباتت تُصرّ على أن تبقى ابنتها ذات الثلاث سنوات في المنزل: إنها تريد أن تتعلّم أولا كيف توعِّي ابنتها، فشرعت بمتابعة ما تعرضه القنوات التي تتحدث عن الأسرة والأطفال.. وهنا نقول: إن توعية الأطفال تكون بطريقة مبسّطة مناسبة لمرحلة النمو اللغوي والإدراكي لديه، وبداية تعليمهم كيف يحمون أنفسهم، وتدريبهم على ذلك دون التركيز على أن مثل هذا السلوك المتعلّم هو لحمايته تحديدا من التحرّش الجنسي. ولتوضيح هذا الموضوع، التقينا بعدد من المهتمين في مجال حماية الأطفال، وكانت البداية مع الدكتورة سعاد السبع، أستاذة المناهج وطُرق التدريس المشاركة في كلية التربية بجامعة صنعاء، وتؤكد على أنه من المفروض على الآباء والأمهات وبطريقة أبوية وتربوية أن يفهموا الأطفال أن هناك أماكن حساسة في أجسامهم ممنوع أن يقترب أحد منها ويلمسها مهما كانت درجة قرابته منه. وتضيف الدكتورة "على الأب والأم الإجابة عن أسئلة الطفل إذا سئل، فمثلا: من أين جاءت؟ وكيف ولدت؟ يجب أن يجيبا إجابة صحيحة مناسبة لسن الطفل، ويجب عليهم إشباع رغبته بالمعرفة من خلال عرض فليم عن الحيوانات، مثلا أو إجابة معقولة، ولا تعطيه إجابة خاطئة إو لا ترفض الإجابة أو الهروب من الأسئلة. فقد يتجه الطفل إلى مصدر آخر، وهذا قد يكون مصدر انتهاك.. وتؤكد السبع أنه ينبغي على الآباء تعويد الطفل وتربيته على أن هناك أماكن لا يُسمح لأحد أن يلمسها. وتؤكد الدكتورة أن على الآباء والأمهات تعليم الطفل أن القبلات الكثيرة والأحضان لا تكون إلا من الوالدين.. وعليهم غرس وجود الله في نفسيته، وأن الله يُراقب ويرى تصرفاته، وأن الله جميل يحب الطفل إذا عمل خيرا، ويكرهه إذا عمل سيئا. وتضيف الدكتورة السبع أن على الآباء والأمهات تشجيع أطفالهم على إخبارهم بكل شيء يحدث معهم ويشعرهم بالخوف أو الضيق أو عدم الراحة، يجب الحرص على إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة، فهذا سيجعل الأطفال أكثر قُدرة وراحة على إبلاغ الأهل بأن أمرا غريبا حدث معه قبل أن يتحوّل إلى مشكلة. ** خوف أصبح ذلك الموضوع يؤرق كثيرا من الأمهات ويجعلهن يفكرن في حل المشكلة التي تنتهك براءة الأطفال. فتقول إحدى الأمهات، التي التقت بها "السياسية": إنه من كثرة الأخبار التي نسمع عنها سواء التي تنشر في وسائل الإعلام أو التي يتم تداولها بين الناس، مثل حكاية الحلاق الذي اغتصب طفلا وقتله، أو حكاية الطفلة نسيبة، مثل هذه الأخبار تُشعرنا بالخوف وعدم الأمان حتى ممن نعتقد بأنهم أناس طيبون. إن مثل هذه الحوادث التي تأتي تجعلنا نعيد التفكير وبأخذ الحيطة حتى من أقرب المقربين إلينا. وتضف قائلة: أنا حريصة على تفهيم ابنتي الوحيدة والتي لا يتجاوز عُمرها 5 السنوات على ألاّ تذهب مع أحد يدعوها".. وتكتفي بأن تعطي ابنتها تلك المعلومة فقط ولا تتعمق كثيرا. ** عيب يظل موضوع توعية الأطفال من الأشياء التي يصعب على بعض الآباء والأمهات إخبار الأطفال بها، فهناك من تقول إنها تخجل أن توعّي ابنها في هذه الموضوع. وتعتبر التوعية في هذا الموضوع "تفتيح عيون". فتقول بشرى، التي أرعبها الموضوع لدرجة أنه إذا خرج ابنها من المنزل تظل على أعصابها حتى عودته بسلام، إنها تخجل من إخباره بشيء؛ لأن ذلك يعتبر "عيبا" و"تفتيحا لعيون الأطفال"، وبرغم حالة الخوف تلك إلا أنها لا تريد توجيه وإرشاد ابنها بالأخطار التي تترصده، ومن وجهة نظرها التوعية "خروج عن المألوف". وهنا توضّح الدكتورة السبع أن هناك أنواعا للثقافة: فمنها السطحية والمتوسطة والعميقة، فإذا ثقفتي الطفل ثقافة مناسبة لسنِّه ليس ذلك أمرا خاطئا وليس تفتيحا للعيون -كما تقول بعض الأمهات- وبداية تلك الثقافة أن تخبريه عن كيفية إخراج الفضلات، وأين مكان الإخراج، وكيفية تنظيف تلك الأماكن بنفسه، وتغطيتها، ولا يراها أحد. وتحذّر السبع الأمهات والآباء من وصف "تفتيح عيون"، وتقول إذا لم يتم توعية الطفل وتفهيمه من قبل أبويه فإنه سيلجأ إلى آخرين، الذين قد يصبحون فيما بعد مصدر انتهاك. وتُركز السبع كثيرا على دور الآباء والأمهات في مجال التوعية في هذا الجانب، وتشير إلى أن عليهم عدم تقبّل الطفل كثيرا أو أخذه بالأحضان أو الضحك معه؛ لأن "الشيء إذا زاد عن حده انقلب ضده". وتتفق معها إلهام الكبسي، مديرة الأنشطة والبرامج في المدرسة الديمقراطية، حيث ترى أن "إخبار وتوعية الطفل ليس تفتيحا لعيونه على أمور أكبر من سنه، فأعتقد ألاّ مفر من المعرفة؛ لأن الطفل سيخرج إلى الشارع وإلى المدرسة ويتعرّض لوسائل الإعلام المختلفة، ولن يكون أبواه بجواره، لذا لا بُد من أن يعرف كل ما يتعلق بسُبل حماية نفسه قبل أن يتعرّض للأذى أو لمواقف لا يستطيع التعامل معها، فالوقاية خير من العلاج.. ودائما العلاج مكلّف أكثر من الوقاية، كما أن مضاعفات العلاج دائما غير محسومة أو واضحة مستقبلا". ** نظرة الاجتماع ولعلم الاجتماع نظرته وآرائه حول الموضوع، فتشير الدكتور سكينة هاشم -أستاذ مساعد قسم الخدمة الاجتماعية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة صنعاء- إلى أن بعض الآباء والأمهات يظنون أن إعطاء معلومات جنسية للأطفال أمر لا يليق، وهو ضار بهم, وهم يتصوّرون أن إخفاء المعلومات وعدم التحدث عنها أمر مفيد, ويظن فريق آخر منهم أن الأطفال صغار ومن ثم لا يجوز أن يعرفوا شيئاً عن الأمور الجنسية إلا عند ما يكبروا ويقبلوا على الزواج, حتى يعيشوا طفولتهم أطهاراً, ولكن الحقيقة غير ذلك، فللأطفال وسائل عديدة للمعرفة، هذا فضلاً عن أن الطفل بطبعه فضولي، يحب الاطّلاع، وهو لن يهدأ حتى يجد إجابة شافية لأسئلته, ويخطئ من يظن أن الأطفال لا يستطيعون أن يفهموا، فالطفل يعرف أكثر مما يظن والداه. وتوضح أن أسباب تهرّب الآباء من التربية الجنسية أنهم قد يخجلون ويتلعثمون عند الحديث عن الأمور الجنسية مع أطفالهم؛ لأن الوالدين قد نشأوا وتربوا في مجتمعات منغلقة اعتبرت الحديث عن الجنس بدعة أو شرا. ** أسلوب التخويف يظل هاجس الخوف هو من يتحكّم في مشاعر وتصرّفات بعض الآباء والأمهات ويجعلهم يستخدمون أساليب وطرقا للتوعية أبنائهم بالتخويف والإفراط في التحذير بطرق غير مناسبة، وذلك يمكن أن يولّد فيه شعورا بالخوف الكبير من الوقوع والتعرّض للتحرش الجنسي. وهذا ما فعلته أم انتظار التي يحرّكها خوفها ويدفعها إلى توعية أبنائها بطريقة خاطئة، حيث تحذّرهم بشكل زائد من مخالطة الغرباء والذهاب معهم, ودائما ما تقول لهم ألا يأخذ مالا أو لُعبا أو حلوى من أي أحد. وتحكي أنها دائما عند ما ترى أحد أبنائها أو تشعر أنه بدا عليه الخوف والقلق، دائما ما تباغته بالسؤال: "هل خلع أحد لك ملابسك"، دائما ما تكون ردة فعل ابنها عند سمعه هذا السؤال الصراخ بكلمة: "لا". وتحدثنا الدكتور سعاد أن الأم نفسها تكون خائفة على ابنها، ولكن ليس قصدها إخافته، فهي تجهل كيفية التعامل مع الطفل في هذه المسألة. وتوضح أنه يُفترض على الأم عند ما ترى أو تحُس أشياء تدل على أنه تعرّض لانتهاك أن تكون هادئة، وأن تحتضن الطفل وتسأله عن حاله، وماذا حدث له اليوم، ولا تباغته بالسؤال مباشرة. وتؤكد أن مباغتته بالسؤال تجعله يرتعب ويصرخ فيسبب له ذلك عُقدة أو انهيار أو صدمة أو أن يُنكر ويكذب، ويتكرر ما حدث له؛ خوفا من أمه أو أبيه.. وتركز على أن التوعية تكون بغرض حمايته لا لجلب العُقد له فيما بعد. وتتطرّق الكبسي في حديثها عن الموضوع نفسه أن هناك أمهات وآباء كثيرا ما يخيفون أبناءهم وبناتهم، وهم يحاولون تعليمهم سُبل حماية أنفسهم بمسمّيات أو ألفاظ مرعبة.. وهذا غير صحي أو منطقي؛ لأنه يعرّضه للخوف ولا يعطيه سلاحا يحمي به نفسه، كما أن هناك أميّة مجتمعية بالقوانين المُجرِّمة للإساءة للأطفال بكافة أشكالها، وهذا يتطلب جهودا للتعريف بها بين الأطفال أنفسهم وبين العائلات والمجتمع ككل. ما يزيد الموضوع تعقيدا ليس فقط الجهل في التعامل مع تلك القضية ونشر التوعية المناسبة لها، ولكن عدم وجود مراكز لحماية الطفولة ونشر التوعية، سواء كانت للآباء أم للأمهات أم للأبناء. وخلال حديثنا مع الهام، أشارت إلى أن المدرسة الديمقراطية بدأت برنامج حماية الأطفال منذ العام 2006، وتضمّن البرنامج إصدار بعض المواد التوعوية وتوزيعها على الأطفال، كما بدأت بتدريب الأطفال على حماية أنفسهم من المخاطر التي من بينها "التحرش الجنسي"، وتلا ذلك تطوير أو تصميم مواد مطبوعة وإنتاج فيلمي كرتون، تتناول موضوع التحرّش الجنسي، وذلك في إطار مشروع حماية الأطفال من الاستغلال الذي تنفذه المدرسة بالتعاون مع منظمة تنمية شمال إفريقيا، التي بدأت تنفيذ برامج حماية للأطفال بالشراكة مع المدرسة الديمقراطية.. ** برامج وحماية وخلال هذا المشروع، الذي ينفذ معظم أنشطته في محافظة واحدة فقط، وهي الحديدة، والهدف من ذلك كله توعية الأطفال بمكونات أجسامهم، وضرورة الحفاظ على نظافتها وحمايتها من الأذى، ابتداء من العنف أو الضرب إلى حماية الأجزاء الخاصة من الجسد التي يجب ألاّ يسمح الأطفال لأي شخص بلمسها أو الاقتراب منها، أو كشفها أمام أحد. ونحن نطلق على الأجزاء الخاصة من الجسم مثلّث الخطر، وهو عبارة عن مثلث مقلوب في الأمام، وتكون زاويتا قاعدته على منطقة الصدر والزاوية الثالثة في أسفل البطن. وتابعت قائلة "من أهدافنا تعليم أطفالنا كيف يحمون أنفسهم من مختلف التحرشات الجنسية، بما في ذلك اللفظية أو اللمسات السيّئة، أي أن التوعية تُركز على تعليم الأطفال: ما هي اللمسة السيئة والجيدة وكيف يميز الطفل بينهما، وأن يتعلّم كيف يرفض الأشياء التي تقلقه أو تزعجه". وخلال الحديث أطلعتنا على كُتيّب بعنوان "إنه جسمي"، ويحتوي على رسومات لطفلين، يقدّم للأطفال تعريفا بمكونات أجسادهم وسُبل حمايتها من إساءة المُعاملة والاعتداء عليها. ويتضمّن الكُتيب الذي أعدته منظمة "روزان" الباكستانية المعنية بقضايا الطفولة معلومات هامة ومفيدة وبطريقة مرحة وسهلة، تعلّم الأطفال أن هناك أماكن في أجسادهم لا يصح لأحد أن يلمسها. ** ختاما يبقى التحرّش الجنسي بالأطفال أمرا مخيفا، لكن الحماية منه أمر ممكن، فصونوا أطفالكم بالتوعية أولا حتى لا يتعرضوا يوما للتحرّش وبعدها يصارعون واقعا مريرا عنوانه "الندم". صحيفة السياسية