أكد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق الرئيس الفخري لمؤسسة (بيردانا للقيادة) مهاتير محمد، إن الازمة المالية العالمية ماكانت لتحدث لو تمت الاستفادة من دروس الازمة الاسيوية . وقال مهاتير في محاضرة القاها مساء امس الأربعاء في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بابوظبي " أن الأزمة المالية التي شهدها العالم مؤخراً ما كان لها أن تكون لو أن السياسيين والاقتصاديين والباحثين على اختلاف دولهم، بحثوا في أسباب الأزمة المالية التي عصفت بالبلدان الآسيوية ومنها ماليزيا في التسعينيات من القرن الماضي، واستلهموا الدروس والعبر". واعتبر مهاتير محمد أن من أبرز أسباب الأزمة المالية العالمية، ابتعاد الحكومات عن التدخل في ما يجري في السوق، وهذا يعدّ في حد ذاته من الأخطاء الفادحة، فالسوق يجب ألا تترك لأولئك الذين لا يهمهم الرفاه الاقتصادي للمجتمع بقدر ما يتسابقون إلى جني الأرباح الضخمة التي تهمّهم، خاصة من خلال سوء استخدام قوانين السوق المالية والنقدية التي أتيحت لهم، متسائلاً بقوله" إذاً لماذا تدخّل عدد من الحكومات الأمريكية والأوربية في السوق، لو ظل السوق يعتمد على القاعدة الخطأ "دع السوق ينظم نفسه"؟. وشدد مهاتير محمد على ضرورة أن تتدخّل جميع الحكومات في التشريعات والقوانين والآليات التي تتعلّق بالسياسات النقدية والمالية، وفي المقدمة منها صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أن عدداً من البلدان الآسيوية خلال الأزمة المالية في التسعينيات من القرن الماضي راحت تطبق نصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولم تنجح أي منها في تجاوز الأزمة، باستثناء ماليزيا التي تركت هذه النصائح على جانب وذهبت تتدخل في آليات السوق وتضخّ مليارات الدولارات للشركات والمؤسسات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة، وتشرف على آليات إقراض البنوك والمصارف للشركات والمؤسسات وللأفراد وأسعار صرف العملات، وبشكل مباشر وبتحديدات شرعتها لهذا الغرض أيضا. وقال مهاتير محمد " ليس من المعقول أن تمنح البنوك والمصارف المالية القروض لأفراد وشركات بشكل مفتوح يفوق طاقة المستثمرين على سداد الديون، من جهة، ومن دون وجود ضوابط تؤكد قدرة الأفراد والشركات على السداد " . وأشار إلى أن المعضلة الكبرى في هذه الأزمة أيضاً نجمت عن عدم وجود شفافية كافية توفر قدراً من المعلومات الدقيقة عن رؤوس الأموال العاملة في الاستثمار وإخفاء الحقائق والكشوفات عن الصناديق لديهم ورساميل الاستثمار الحقيقية، لأسباب عديدة، من أبرزها التهرب من دفع الضرائب، بل إنهم اليوم ما زالوا يمارسون أعمالهم من أجل كسب مزيد من الأرباح. وأكد أن أسواق الأسهم أسهمت أيضاً وبدرجة كبيرة في هذه الأزمة المالية ، بسبب فتح أبوابها لجميع المستثمرين من دون تحديدات وضوابط، تعتمد على المضاربة فقط، وكان هدف النخبة المسيطرة على أسواق المال والأسهم هو الأرباح على حساب صغار المستثمرين الذين كانوا أكثر الشرائح تضرّراً من هذه "الأزمة المالية". وشدد على أن الوقت قد حان لأن نعيد التفكير جميعاً في سوء استخدام القوانين والتشريعات الخاصة بالأنظمة المالية والنقدية الذي يمارس في السوق، وفي قوانين التجارة العالمية الحرة، التي كشفت عن أن الدول الفقيرة تتضرّر دائماً وبشكل أكثر بكثير من البلدان الغنية، مشيراً إلى أن كثيراً من الغش والمضاربة يتمّ باسم هذه القوانين وباسم المنافسة، وباسم - دع السوق يعمل- . ودعا مهاتير محمد في ختام محاضرته الدول إلى التفكير جدياً في ضرورة الاعتماد على الذهب في تحديد صرف العملات وفق معايير أسعار الصرف للذهب، بدلاً من العملات المعروفة في العالم، مثل الدولار واليورو، التي تتزايد مخاطر التعامل بها أكثر فأكثر، داعياً في الوقت نفسه أيضاً الحكومات الوطنية إلى أن تولي اهتماماً خاصاً بأصحاب المشروعات صغيرة الإنتاجية ومتوسطتها، ودعمهم من دون تردّد، لتحقيق عدالة في توزيع الاستثمارات وإيجاد فرص عمل، وزيادة معدلات الناتج المحلي الإجمالي لدولهم وتعزيز الرفاه الاجتماعي .