يتقن النظر إليها، يتأملها بعمق، يذرف الدموع، يودعها الوداع الأخير، يرميها بعيداً، ويواصل انتحابه، ويروي قصة إقلاعه عن التدخين وتفاصيل انتصاره. يتفق العديد أن خطوات الإقلاع عن التدخين تبدأ بالإرادة وتتشابه العديد من قصص الإقلاع بأنها اضطرارية لاشتداد المرض أو لتفاجئهم بسرعة التدهور الصحي والخوف من الموت البطيء الذي يسببه التدخين. ويصف الكثير ممن استطلعت أرائهم إدارة المرأة والطفل بوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) الأيام الأولى للإقلاع بالمقلقة والمؤلمة، حيث يصاحبها أرق وقلق من العودة إلى التدخين بشده. ويعتبرون السنوات اللاحقة للإقلاع بأنها محفزة جداً ومشجعة كون الإحساس بانتصار الإرادة على التعود والإدمان أنجاز ويتشاركون الشعور بأن العودة إلى التدخين بعد اتخاذ قرار الإقلاع عنه بأنه نكسة. يومين في العناية المركزة كفيلة باتخاذ القرار الصعب للحاج علي الجوفي الذي قضى سنوات الشباب مصادقاُ للتدخين ويعتبر أصابع السيجارة صديق وفيً تحترق لتشاركه لحظات الفرح الغامر أو الحزن الشديد.. سنوات طويلة من الإدمان على رائحة الدخان المتصاعد الذي صادق ملامح الحاج علي فترات الشباب وبعد أن قَربت التجاعيد المسافات المتباعدة في وجهه غزاه المرض بسبب التدخين. يراجع نفسه بالإقلاع مرة ويعاود إليه مرات وبعد اشتداد المرض قرر أن يقلع عنه وقضى ساعات عصيبة يبكي فيها بحرقة على الصديق الوفي بنظر المدخنين الماكر بعيون الناجيين منه. حسين الحلالي يعتبر الإقلاع عن التدخين قرار إرادة عليه أن يحفز حواسه وقناعته ليبتعد عن رفيق دائم يلتصق بأنامله ويسعده لحظات ويؤذيه ساعات بسعال حاد طوال الليل يؤرق ليله ويقلق نومه. وبعد هذه المعاناة، يجيب الحلالي عن قصة إقلاعه بإرادة خفية لا بمبادرة ذاتية وبعد عشرون عاما من الارتباط بالتدخين وعلب السيجارة قرر أخيرا الإقلاع عنه بعد عتاب حاد وتهديد بخطورة الأزمات الصدرية المتتابعة علي حياته واقتراب محتمل لموت الشاب الحلالي الذي يتمتع بروح مرحة وخيال طموح لبناء مستقبل لأبنائه الخمسة وتتويج سنوات تعبه الوظيفي بمنزل يضم أسرته يضمن لهم أمان معيشي في العاصمة صنعاء التي تتزاحم فيها المنازل ويتسابق فيها الناس لاقتناء كل ما هو خالي من عقارات وأراضي حسب رأي زوجته التي تفتخر أن انتصار زوجها على الرفيق المميت وإقلاعه متواصل منذ عشر سنوات. ويعتبر المدخنين الإقلاع عن التدخين صراع إرادة وإدمان حيث يرى خالد الجريدي انه بادر بالدعاء طويلاً في بيت الله الحرام ليعينه على الإقلاع عن التدخين الذي يحاصره منذ عشر سنوات ويأسره بتدخين أربعين سيجارة يومياً، ومرت سبعة أشهر منذ رحلته الإيمانية إلى بيت الله، ومازال خالد يترقب أن يترك السيجارة ويقلع عنها عندما تتنصر إرادته كما فعل أخاه محمد الذي ظل أعوام يحاول الإقلاع عنها ويفشل فيتركها شهر ثم يعود إليها أعوام وفجأة الح عليه أبنائه الأربعة بضرورة الإقلاع عنها خوفا ً عليه ورعباً من فقدان والدهم فرضخ لإرادة أبنائه وأقلع عنها منذ عامين دون رجعه. وحرصا ًعلى الصحة يفكر البعض في الخروج من حصار الدخان الذي يأسر 3.4 ملايين مدخنا على مستوى اليمن حسب دارسة حديثه منهم 29.2 % في الفئة العمرية من 17 إلى 24عاماً يدخنون 6.4 مليارات سيجارة سنوياً، ما يعادل 317.5 مليون علبة سجاير، وبواقع 870 ألف علبة يومياً ينفقون ثمنا لشرائها وضياع صحتهم 21.3 مليار ريال (نحو 110ملايين دولار). وينضم المدخنون اليمنيون إلى مليار مدخنا حول العالم يقتل التدخين 5.4 منهم مليون شخص سنويا نصفهم في الدول النامية، وطبقا لأرقام منظمة الصحة العالمية فأن مليار شخص ينتظرون الموت خلال القرن الحالي بسبب التدخين. ويصنف الإدمان على التدخين بنوعين ، الأول إدمان كيمائيي على المكونات التي تحتويها السيجارة والثاني إدمان نفسي للشعور بالتنفيس عن حالات الغضب والحزن والاحتفال من خلال التدخين. والتخلص من الإدمان يبدأ نفسيا بإطلاق قرار مباغت نفسيا ًبالإقلاع، وبالتالي تتبع خطوات متتالية للإقلاع، خطوات نفسية أولاً ثم مادية تسهم في التخلص من الإدمان القاتل. وتفيد الدراسات أن المدخن عليه تفادي أخطاء شائعة في الإقلاع منها الإعلان أن ينوي التخلص من التدخين لجميع محيطة الاجتماعي فالتعريف يكون للمقربين فقط وتجاهل أسباب الإقلاع وتدخين سيجارة واحدة فقط، وتدخين سجائر ذات تبغ أقل، ويجب أن تصاحب خطوات الإقلاع معرفة بالآثار والمتاعب الصحية المرافقة للإقلاع عن التدخين ومنها السعال والأرق والقلق وهي وقتية لتخلص الجسم من النيكوتين ومكونات السيجارة. وأخيرا، يوصف التدخين، بأنه أخطر من القنبلة النووية، أهم أسباب الوفيات عالمياً، موت بطيء، قاتل صامت، مدمنوه عشاق بجنون يفضلون الموت بحصار الدخان فيما المقلعون عنه ناجون بامتياز من سفير الموت البطيء.