يحتفل لبنان غدا الخميس بالذكرى التاسعة والستين لعيد الاستقلال الذي يصادف هذا العام جملة من التحديات الداخلية والخارجية وخاصة الإقليمية منها في ظل الوضع الإقليمي وانعكاساته أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً. تسعة وستون عاماً مرت على لبنان تخللتها صفحات مشرقة وإنجازات عنوانها الأمن والاستقرار، وأخرى عنوانها القلق من المستقبل، ويطل عيد الاستقلال هذا العام حيث يشهد لبنان على المستوى الداخلي أزمة سياسية تتمثل بمطالبة عدد من القوى (قوى الرابع عشر من آذار) تغيير حكومة نجيب ميقاتي إثر اغتيال اللواء وسام الحسن الرئيس السابق لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي شهر اكتوبر الماضي، في حين يرفض عدد من الأطراف السياسية هذا المطلب خوفا من الوقوع في الفراغ. وقد كان الاستقلال حتى بعد نيله قد تم سداد فاتورته بغياب رجال عملوا لاستقلال وازدهار لبنان ومنهم رئيسا الوزراء الأسبقان رشيد كرامي (العام 1987) و رفيق الحريري (العام 2005) والمفكر كمال جنبلاط (العام1977) ورئيسا الجمهورية الأسبقان بشير الجميل (العام 1982)و رينيه معوض(العام 1989).ومفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد (العام 1989 ) وغيرهم. ولقد كان استقلال القرار اللبناني عن الخارج سواء عن الجوار الإقليمي أوالدول الغربية مدار إشكالية عنوانها الأبرز الانتماء للبنان بين الفرقاء السياسيين والربط بين المواطنة وعلاقتها بالاستقلال. ويرى عدد من المراقبين أن استقلال لبنان بقراره مرحلة هامة في تاريخ الدولة الحديث بل يرون أن فترة ما بعد رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري قد مهدت الطريق لاستقلال القرار اللبناني عن الجوار الإقليمي ومحطة هامة في مسيرة الاستقلال اللبناني عن القرار الخارجي..حيث وفور ذيوع خبر وفاة الحريري سارت مظاهرات في عدد من شوارع بيروت تردد عبارات "حرية، سيادة، استقلال". ويرى عدد من المراقبين أن أمام لبنان فرصة لاستعادة قراره المستقل داخلياً عن الجانب الإقليمي، ولم يكن لبنان بمعزل عن مساعدة الدول الخارجية لصون أمنه واستقلاله طيلة العقود المنصرمة التي تلت الاستقلال كما حدث إبان "اتفاق الطائف"، وهو الاتفاق الثلاثي الذي تم التوصل إليه بمدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية في 30 سبتمبر 1989 ومنح لبنان مزيداً من الاستقرار والهدوء. وفي الوقت نفسه، هناك تحديات كثيرة بوجه الاستقلال اللبناني خاصة في ظل وجود أراض لبنانية ما زالت تحت الاحتلال (مزارع شبعا) وهو ما استدعى وجود قوات دولية متعددة الجنسيات تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان بعد الحرب الإسرائيلية عام 2006. وتؤكد الجهات الرسمية التي تزور لبنان دعمها لسيادة واستقلال لبنان، في حين تطلب القوى اللبنانية حتى الرسمية منها الطلب من دول الخارج دعم سيادة لبنان في كل مجال ومقال وهو ما يؤكد أن لبنان يسعى دائما لصون هذا الاستقلال من المخاطر المحدقة به. ويبقى السؤال أليس للسيادة ارتباط وثيق بالاستقلال، حيث يواجه لبنان حاليا مشكلة في بسط سيطرته دون مخاطر في ظل توافر الأسلحة بيد جماعات مسلحة واعتماد مبدأ ما يعرف ب "الأمن الذاتي". ووسط هذه السلسلة من التوترات الداخلية والمخاطر المتأتية من الجوار الإقليمي اتخذ الموقف الرسمي اللبناني مبدأ "دعم الجيش" من أجل مواجهة الواقع. وقد أكد قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي قبل أيام أن مهام الجيش اللبناني هي الدفاع عن وطن سيد حر مستقل وطن نهائي لجميع أبنائه، وعن لبنان الجمهورية الديمقراطية البرلمانية، إضافة إلى الدفاع عن الحريات وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد والدفاع عن العدالة والمساواة. وأعرب في رسالة وجهها إلى العسكريين بمناسبة العيد التاسع والستين للاستقلال عن التزام الجيش بالتصدي لأي صراع داخلي يتخطى الحدود الديمقراطية وأنه سيعمل على صون حق كل لبناني في إقامة آمنة كريمة في ظل سيادة القانون. وقال إن المؤسسة العسكرية هي مؤسسة الثاني والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) التي ستدافع عن كل مرتكزات هذا اليوم، كما حددتها وثيقة الوفاق الوطني وتحولت إلى مقدمة للدستور.. مشدداً على أن الجيش سيتصدى بحزم لأي محاولة للنيل من المبادئ التي كرسها الدستور. وشدد على التزام المؤسسة العسكرية بالثوابت والمسلمات الوطنية المعروفة لدى الجميع.. مشيرا إلى أن ذكرى الاستقلال تمر هذه السنة التي تكثر فيها الانقسامات والتجاذبات والخلافات الداخلية حيث لامس بعضها المحرمات التي تمس بالعيش المشترك. ويرمز يوم الاستقلال إلى تحرر لبنان مما عرف ب"الانتداب الفرنسي" الذي استمر منذ العام1920ولغاية1943 وهي فترة حكم فرنسا للبنان التي نتجت عن الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية وفقا لتقسيمات اتفاقية "سايكس-بيكو" والتي تم تأييدها لاحقا بقرارات من عصبة الأمم صدرت عام 1920 و أجازت نظام الانتداب على المناطق العثمانية المتفككة بحجة المساعدة في إنشاء مؤسسات للدول الجديدة. واتحد اللبنانيون معا فيما عرف بالميثاق الوطني اللبناني وأعلنوا استقلال لبنان تحت اسم الجمهورية اللبنانية. وأعلن عن استقلال لبنان عام 1943 وانسحبت القوات الفرنسية كليا بحلول 17 ابريل 1946 (وهذا التاريخ يسمى عيد الجلاء في لبنان احتفاءً بجلاء آخر جندي استعماري عن البلاد). وبعد ذلك أثبت لبنان نفسه دولياً بمشاركته بتأسيس هيئة الأممالمتحدة سنة 1945 وجامعة الدول العربية سنة 1947. ويرمز استقلال الوطن إلى سيادة الشعب على أرضه، وإلى قراره الحر المعبّر عن إرادته بعيداً عن التدخلات والتأثيرات الخارجية، إضافةً إلى توفر دعائم أساسية ليكون كاملاً ولعل أبرزها الإرادة الوطنية الجامعة بعيداً عن التشرذم والانقسام.