الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عبد العزيز آل سعود وملك المملكة العربية السعودية والرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية يوم الجمعة 20- يوليو- تموز 2010م للجمهورية اللبنانية وانعقاد القمة الثلاثة للزعيمين مع اللواء ميشيل سليمان رئيس الجمهورية اللبنانية وما تلا ذلك من زيارة للشيخ – خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر بعد يوم واحد عكست أهمية كبيرة في الظروف الراهنة التي يعيشها لبنان الشقيق الذي بدأ خطواته من أجل استقرار لبنان وخلق الوفاق بين قواه السياسية وتحقيق الاستقرار السياسي منذ تولى الرئيس ميشال سليمان مسئولية إدارة شئون هذا البلد والذي رغم كل الجهود المبذولة من القوى الوطنية اللبنانية الحريصة على أمن واستقرار لبنان فإن ثمة تحديات ما زالت تواجه لبنان على مختلف الأصعدة وبالذات على الصعيدين السياسي والأمني، تلك التحديات التي تواجه لبنان بين الحين والآخر على مدى عقود كاملة مضت لتعبث بأوضاع هذا البلد الشقيق وتحد من نمائه وتطوره وخلق الاستقرار الدائم فيه. لبنان المبتلى دوماً - إن التدخل من دول العالم في شئون لبنان وإثارة الصراعات والفتن الداخلية أمرمألوف في تاريخ لبنان السياسي الحديث لما يمثله لبنان من أهمية بفعل موقعها الجغرافي المهم وتعدد الطوائف فيها التي تصل إلى 23 طائفة ووجود كثير من القوى السياسية اللاعبة على الساحة اللبنانية منذ استقلال لبنان سنة 1943م ناهيك عن موقع لبنان المهم كأبرز دول الطوق العربي التي تتصل بحدودها مع الأرض الفلسطينية المحتلة والذي يدفع بالكيان الصهيوني إلى محاولة بذر الخلافات والفتن والصراعات بين الطوائف اللبنانية المتعددة والقوى السياسية الفاعلة بصورة مستمرة والذي يعيد ذاكرتنا إلى الحرب الأهلية التي امتدت لسنوات حتى توقيع اتفاقية الطائف 1982م والتي وضعت نهاية للحرب الأهلية اللبنانية ليبدأ لبنان مرحلة من الاستقرار والبناء تواكبه تحديات من حين إلى آخر. تعدد الطوائف والقوى - إن تعدد الطوائف والقوى السياسية الفاعلة اللاعبة على المسرح السياسي في لبنان شكلت واحدة من أهم الأسباب التي جعلت لبنان مسرحا للصراعات الإقليمية والدولية بالرغم أن ((الميثاق الوطني الذي تبلور على يد (أبو الاستقلال)) الرئيس بشارة الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك والرئيس رياض الصلح رئيس الوزراء اللبناني عام 1945م قد وضع ملامح واضحة للحياة السياسية في لبنان من خلال تحديد”رئاسة الجمهورية للمسيحيين و((رئاسة الحكومة)) للمسلمين السُنة و”رئاسة البرلمان” للمسلمين الشيعة وهو الاتفاق المعمول به حتى اليوم ولكن أرى اليوم أن لبنان يعيش اليوم ظروفا سياسية داخلية أفضل تتسم بالوفاق السياسي أكبر من أي وقت مضى حيث يبدو التقارب واضحاً بين مختلف القوى السياسية وتغليبها بين مختلف القوى السياسية وتغليبها لمصلحة لبنان أولاً بعد زوال كثير من الملفات المعقدة والشائكة التي ظلت محور صراع داخل لبنان فالتواجد السوري في لبنان لم يعد قائماً والحرب الإسرائيلية اللبنانية التي خاضتها المقاومة اللبنانية عام 2006م خلقت حالة سلام بين الطرفين وأضحت الحكومة والجيش اللبناني هو حارس الحدود وتوقفت حالة العداء المستحكم والصراع بين حزب الله اللبناني والقوى المتحالفة على الضفة الأخرى التي عرفت بقوى(14أذار) وبدأت لبنان تستعيد ملامح استقرارها السياسي مع وصول العماد ميشال سليمان للرئاسة ووصول سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة اللبنانية وبدت مختلف القوى السياسية التي يقودها الأقطاب المعروفون أمثال العماد ميشال عون والسيد حسن نصر الله ووليد كمال جنبلاط وغيرهم في مواقف حريصة على مصلحة لبنان أكثر من أي وقت مضى. والذي يبعث آمالاً عريضة في تجاوز لبنان مختلف التحديات الراهنة فالتوافق اللبناني ظل وسيظل العامل الأهم في الحفاظ على أمن واستقرار ونماء وتطور لبنان..لقد دفعني إلى هذا القول الموقف الأخير الذي أكد عليه سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية حول قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل سنوات والذي يُراد من خلال هذه القضية إدخال لبنان في صراعات جديدة من خلال أحكام ظنية للمحكمة الدولية واتخاذها عاملا لخلق الصراع في لبنان وبنفس الصورة التي نفذتها عقب اغتيال الشهيد رفيق الحريري مباشرة. الزعماء الثلاثة وتضافر الأشقاء - إن زيارة الزعماء العرب الثلاثة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود والرئيس بشار الأسد والأمير حمد بن خليفة آل ثاني للجمهورية اللبنانية يعكس تضافر الأشقاء العرب وحرصهم على وحدة واستقرار وأمن لبنان، ومما لا شك فيه أن هذه الزيارة ستؤتي ثمارها الطيبة في معالجة كثير من القضايا والإشكالات التي تواجه لبنان من خلال البحث عن الحلول مع القيادة اللبنانية وتقديم ما من شأنه مساندة ودعم هذا القطر العربي الشقيق ويتوجب أن يكون تضافر الأشقاء هذا من أجل لبنان دافعاً لكل القوى السياسية والقيادات اللبنانية الوطنية لتعزيز عرى الوفاق والتقارب في الروىء والعمل المشترك من أجل مصلحة لبنان والحفاظ على أمنه واستقراره والوقوف في وجه التحديات التي تواجه لبنان، وحتماً إذا ما توفرت الإرادة الوطنية والوفاق الداخلي والتضافر من أبناء لبنان من أجل مصلحة البلد متزامنة مع تضافر ودعم وإسناد الأشقاء العرب فإن لبنان قادرة حتماً على تجاوز كل أشكال التحديات التي تواجهها اليوم وستفوت على كل القوى المتربصة بها والمتآمرة على سيادتها وأمنها واستقرارها الفرص الهادفة للنيل منها وكفى لبنان ما عانته في عقود مضت وتظل لبنان أقوى بوفاق أبنائها. وإن من الشعر لحكمة يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: وللوطن في دم كل حرٍ يد سلفت ودينٌ مَسُتحقُ والله من وراء القصد .