تبادل لإطلاق النار بين باكستان وأفغانستان بعد فشل محادثات السلام    صحيفة أمريكية: حضرموت ساحة معركة جديدة بين السعودية والإمارات    تدخين الشيشة يضاعف خطر سرطان الرئة بمقدار 2-5 مرات!    الترب:اليمن يمر بمرحلة مفصلية وبحاجة للتوافق ولغة العقل    استراتيجية التحكم الإقليمي: هيمنة على الممرات والثروات اليمنية في ضوء مؤامرة حضرموت    اعتراف أمريكي: واشنطن تستخدم سلطات الجولاني لضرب المقاومة اللبنانية    أحرق الملفات الحساسة وسحب السلاح والسيارات الرئاسية.. العليمي يغادر عدن قسراً بعد مضايقات الانتقالي "تفاصيل مثيرة"    محلل سياسي: غيرة القوى اليمنية انفجرت بعد أن كشف الجنوبيون عجزها أمام الحوثي    الانتقالي بين ضغوط الخارج وابتزاز الداخل والخدمات ميدان المعركة القادمة    قوة جديدة تتسلم محافظة المهرة    السعودية تهزم جزر القمر بثلاثية وتتأهل لربع نهائي كأس العرب    قرعة كأس العالم 2026: الافتتاح بين المكسيك وجنوب أفريقيا،    د.عبدالله العليمي يصل قطر للمشاركة في منتدى الدوحة    إقبال قياسي على تذاكر مونديال 2026 وأسعار تصل إلى 6,000 دولار    الوفد السعودي يجدد رفض ما حدث في حضرموت ويشدد على ضرورة مغادرة القوات الوافدة    حفر بئر وسط مدينة تعز يثير حالة من الاستغراب وناشطون يطالبون مؤسسة المياه بالشفافية    السعودية تتجه لاقتراض قياسي في 2026    انخفاض اسعار السكر ومشتقات الحليب والزيوت للشهر الثالث    تريند: الاخوان ضحية مؤامرة دولية    لأول مرة في التاريخ: احتياطي الذهب الروسي يتجاوز 300 مليار دولار    وماذا عن الاحتلال الاستيطاني اليمني؟    قوة جديدة تتولى تأمين مرافق وطرق في محافظتي المهرة وحضرموت    بين الغياب والحنين.. قراءة في ديوان (قبل أن يستيقظ البحر) للشاعر حسين السياب    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة المناضل الأكتوبري العميد عبدالله علي الغزالي    الأرصاد: صقيع على أجزاء من المرتفعات والحرارة الصغرى تلامس الصفر المئوي    قوارب تهاجم سفينة قبالة سواحل اليمن    انطلاق البطولة التنشيطية المفتوحة للأندية للملاكمة    الأمن في حضرموت: بن حبريش متمرد ومطلوب للعدالة بأوامر قضائية    الاتحاد العربي لكرة القدم يختار الجمهور الأفضل في الجولة الأولى لكأس العرب 2025    فقيد الوطن و الساحه الفنية الشاعر سالم زين عدس    الصحفي والأديب والقاص المتألق عزالدين العامري    الهجرة الدولية تسجل نزوح 50 أسرة يمنية خلال الأسبوع الفائت    شركة بترومسيلة تصدر بيانًا بعد ساعات من مواجهات عسكرية في محيطها    ( ظل السقوط )    حضرموت وشبوة.. قلب الجنوب القديم الذي هزم ممالك اليمن عبر العصور    المنتخب اليمني يفتتح بطولة كأس الخليج بفوز مثير    تدشين حصاد القمح المحسن في جحانة بمحافظة صنعاء    الرئيس المشاط يعزّي مستشار المجلس السياسي محمد أنعم في وفاة والده    وزير الصناعة يتفقد أسواق مأرب ويشدد على ضبط الأسعار    منتخبنا الوطني يستهل مشواره في بطولة كأس الخليج بالفوز على العراق    الكثيري يتفقد جرحى القوات المسلحة الجنوبية في مستشفى سيئون العام    مشروع جديد لصون المعالم الدينية والتاريخية في البيضاء    دعوة للتركيز على المستقبل    هيئة الآثار تنشر أبحاثاً جديدة حول نقوش المسند وتاريخ اليمن القديم    صنعاء.. شركة الغاز تمهل مالكي المحطات لتحويلها إلى محطات نموذجية    ريال مدريد يعود لسكة الانتصارات ويواصل مطاردة برشلونة    تراجع الذهب مع توخّي المستثمرين الحذر قبل اجتماع «الفيدرالي»    مدير فرع الأحوال المدنية بذمار: نحرص على تقديم النموذج الأرقى في خدمة المواطنين    دراسة حديثة تكشف دور الشتاء في مضاعفة خطر النوبات القلبية    تأخير الهاتف الذكي يقلل المخاطر الصحية لدى المراهقين    قرار حكومي بمنع اصطياد وتسويق السلاحف البحرية لحمايتها من الانقراض    ندوة ولقاء نسائي في زبيد بذكرى ميلاد الزهراء    كلية المجتمع في ذمار تنظم فعالية بذكرى ميلاد الزهراء    الهيئة النسائية في تعز تدشن فعاليات إحياء ذكرى ميلاد الزهراء    إب.. تحذيرات من انتشار الأوبئة جراء طفح مياه الصرف الصحي وسط الأحياء السكنية    رسائل إلى المجتمع    تقرير أممي: معدل وفيات الكوليرا في اليمن ثالث أعلى مستوى عالميًا    في وداع مهندس التدبّر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان ... ومسار الانقلاب على التحول الديمقراطي
نشر في سبأنت يوم 27 - 10 - 2021

تشتعل الأحداث مجدداً في السودان بعد أن سيطر الجيش على السلطة وانقلب على شركائه المدنيين واقصاهم من كل المؤسسات، واعتقل رئيس الحكومة عبدالله حمدوك إلى جانب عدد من الوزراء والسياسيين وزعماء الأحزاب.
وأعلن الفريق عبد الفتاح البرهان في بيان للجيش عن حل المجلس السيادي ومجلس الوزراء، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية وعن إعفاء جميع الولاة ووكلاء الوزارات، واضاف الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة المنحل عن تجميد عمل لجنة إزالة التمكين .
وأشار القائد العام للقوات المسلحة في بيانه على "التلفزيون السوداني" الحرص على تشكيل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية قبل الانتخابات، وتعهد بتشكيل حكومة وطنية حتى إجراء الانتخابات العامة في العام 2023، الذي من خلالها سوف يتم تسليم الحكم للمدنيين.
وفي اعقاب بيان الجيش أكد تجمع المهنيين إلى جانب قوى مدنية أخرى، عن رفضهم لتحركات الجيش ودعا الجماهير السودانية إلى النزول إلى الشوارع للتصدي للتحرك الانقلابي للعسكر، وأشار "تجمع المدنيين" خلال بيانه إلى دعوته لجان المقاومة بالأحياء والقوى الثورية المهنية والنقابية للوحدة والمقاومة الشرسة للانقلاب العسكري الغاشم.
واكد بيان "التجمع" على صفحته على "الفيسبوك"، على استخدام الأدوات المجربة والكفيلة بتركيع كل متسلط لإرادة شعبنا، وناشد الجماهير للخروج للشوارع واحتلالها وإغلاق كل الطرق بالمتاريس، والإضراب العام عن العمل وعدم التعاون مع الانقلابيين والعصيان المدني في مواجهتهم.
ومع التأكد من حملة الاعتقالات التي طالت رئيس الوزراء وأغلب المدنيين من أعضاء المجلس السيادي وأعضاء الحكومة ومسؤولين آخرين، خرجت الجماهير السودانية إلى الميادين والشوارع الرئيسية في العاصمة الخرطوم، للتأكيد عن رفضهم الصريح للتحركات الانقلابية لقيادات الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو "حميداتي".
ويرى عدد من المراقبين، أن الاحداث الاخيرة لم تكن مفاجئة، خاصة أن الأزمة في تصاعد مستمر منذ عدة شهور، والتي كانت تؤكد أن استمرار الشراكة ما بين المكونين "العسكري والمدني" ليست على ما يرام، وأن هناك فجوة كبيرة قائمة ما بين نصوص الوثيقة الدستورية وبين ما هو قائم من استحوذ شبه كامل للصلاحيات، من قبل المكون العسكري على كل مؤسسات الدولة في السودان.
وخلال الايام القليلة الماضية التي سبقت الانقلاب خرج الملايين من السودانيين بحثاً عن تحقيق الشعار الرئيسي لثورة 2019 "حرية، سلام وعدالة"، خرجت مجدداً إلى الميادين والشوارع في العاصمة الخرطوم وبقية المدن السودانية، للحفاظ على مكاسب الثورة بعد أن كانت الأحداث تشير إلى سعي بعض الأطراف في السلطة الحاكمة إلى افراغ أهداف الثورة من مضمونها الحقيقي.
ويمكن القول، أن حالة الإرباك الحالية ليست سوى امتداد للأزمة التي عاشها السودان خلال عامين، والذي زادت فيه الكثير من التعقيدات المركبة على الرغم من حالة الاستقرار النسبية التي عاشها البلد ما بعد الثورة، فمنذ الإطاحة بحكومة البشير واستلام العسكر زمام الأمور كان من الواضح أن السودان على وشك الدخول في نفق جديد، لن يختلف كثيراً عن سابقه، ولا سيما أن العسكر في كلا الحالتين هم المتحكم بزمام الأمور.


وخلال المرحلة التي أعقبت إسقاط نظام عمر البشير، كان التوافق على تقاسم السلطة خلال الفترة الانتقالية ما بين العسكريين والمدنيين "ائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير" بحسب اتفاق دستوري ، وفي 21 اغسطس 2019 تم تشكيل مجلس سيادي يتولى مقاليد الحكم خلال فترة زمنية تمتد 39 شهر، وكان من الواضح أن بنود الوثيقة الدستورية أعطت الحكومة "القيادة الفعلية للبلد" فيما أنيط بالمجلس السيادي والذي ترأسه الفريق أول "عبدالفتاح البرهان" دور إشرافي واستشاري.
ومع مرور الوقت، بدء يتكشف أن أغلب الملفات الحيوية "في الحقيقة" يهيمن عليها العسكر، بما فيها سلطة اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية والتي تعنى بحاضر ومستقبل السودان، دون الاهتمام بالشعب وجماهير الثورة الغفيرة، وكانت أولى مؤشرات تلك السيطرة، ما حدث في بداية شهر يونيو 2019 عندما اقتحمت قوات "أجهزة الأمن والدعم السريع" اعتصام المحتجين أمام مقر القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم، والتي أودت بحياة العشرات من المعتصمين، وكشفت تلك المجزرة الدامية وغيرها من الأحداث، أنه من المستحيل إقناع العسكر بضرورة تسليم الحكم (حسب الوثيقة الدستورية) والعودة إلى ثكناتهم بعيداً عن السلطة في البلد.
بالمقابل هناك من يعتقد أن تأزم الوضع في السودان لا يتحمل مسؤوليته العسكر فقط، خاصة مع حالة التشظي والانقسام التي عاشها المكون المدني المشارك في السلطة الانتقالية، حيث عانت "قوى الحرية والتغيير" من تباين كبير في الرؤى ما بين مكوناته المختلفة وفي الكثير من القضايا والملفات، وخلال العامان تبين أن الخلفيات الايديولوجية إلى جانب المصالح الضيقة "لقوى الحرية والتغيير" سوف تفرض نفسها على حاضر ومستقبل المكون المدني.
يبقى الوضع الاقتصادي المتردي خلال المرحلة التي اعقبت الثورة الأكثر وجعاً على الشعب السوداني، لا سيما مع فشل حكام المرحلة الانتقالية من التخفيف من حالة الفقر التي عصفت "ومازالت" بالكثير من الفئات، ولا يخفى على أحد أن التردي الاقتصادي لم يختلف عن ما كان عليه الوضع قبل الإطاحة بنظام "عمر البشير" والتي كانت أحد أهم الأسباب في أسقاط نظامه بعد أن تفجرت الاحتجاجات والتظاهرات في مختلف مناطق البلد، بسبب انعدام الخبز وارتفاع الأسعار وسوء الظروف المعيشية.
ويرى العديد من الاقتصاديين إلى أن الخروج الجماهيري "قبيل الانقلاب الحالي" ليس إلا تعبير عملي عن حالة الاحباط المتراكمة، والناتجة عن استمرار الأزمة الاقتصادية منذ سنوات والتي دفعت بمزيد من السودانيين إلى حافة الفقر والعوز، والملاحظ من المؤشرات الاقتصادية أن التردي في السودان مازال واقعاً معاشاً ولم يطرأ أي إصلاح على الاقتصاد ولم تتبدل الاوضاع المتردية، بل أن الارقام تشير إلى تراجع واضح في أغلب المؤشرات الاقتصادية بعد فشل السلطة الانتقالية في إيجاد الحلول المناسبة للأزمة الاقتصادية.
ومن تلك المؤشرات: ارتفاع الأسعار التي تضاعفت وبصورة كبيرة عن ما كانت عليه خلال العام السابق، إضافة إلى استمرار انهيار سعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية حيث وصل سعر الدولار الواحد إلى نحو 442 جنيه، فيما أرتفع معدل التضخم إلى أكثر من 365% خلال شهر سبتمبر الماضي، فيما تضاعفت أسعار المواد الغذائية وكلفة الخدمات الصحية، ودخول ملايين جديدة في خانة الحاجة إلى مساعدات إنسانية مع انعدام الأمن الغذائي.
جدير بالذكر، أن الأزمة الحالية التي اعقبت التوقيع عن اتفاق "جوبا" ما بين السلطة في الخرطوم والجبهة الثورية، كانت الآمال معقودة أن ينهي الاتفاق عقود طويلة من الحرب الأهلية والعنف والاضطرابات السياسية وأن يسهم الاتفاق في تعزيز تجربة التحول للوصول إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية دون إقصاء أو تهميش.
ولكن الأشهر التالية للاتفاق، كشفت عن تباين ما بين أهداف شركاء السلطة "عسكريين ومدنيين" حيث أن توجهات العسكر سعت إلى تمديد الفترة الانتقالية بحجة أن ضرورات السلام تستوجب مشاركة الحركات والفصائل المسلحة الموقعة على اتفاق "جوبا" في مؤسسات السلطة الانتقالية ( السيادي- الحكومة) وغيرها من المناصب، فيما يرى العديد من المراقبين إلى أن تلك المساعي عملت على إضعاف هياكل السلطة الانتقالية في سبيل تثبيت سيطرتهم على السلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.