يصادف غدا الجمعة الذكرى العشرون لتوقيع "اتّفاقية أوسلو" للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي تضمنت إعلان مبادئ حول ترتيبات الحكومة الانتقالية الذاتية لفلسطين سعيا لإنهاء عقود من الصراع. وضمن الاتفاق الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكيةواشنطن في 13 سبتمبر عام 1993 للفلسطينيين إقامة سلطة حكم ذاتي وعودة مئات آلاف الفلسطينيين إلى الداخل وبناء مؤسسات دولة وتحسين مستوى المعيشة للمواطن الفلسطيني إلى حد ما.. غير أنه لم يوفر حتى الآن اتفاقا نهائيا للسلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وكان هدف المفاوضات في حينها تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية في الضفة الغربية وقطاع غزة لمرحلة انتقالية لا تتعدى الخمس سنوات وتؤدي بعدها إلى تسوية نهائية. وفي هذا الصدد فقد أوصل "اتّفاق أوسلو" في العام 1993 منظّمة التحرير الفلسطينية، وخصوصاً حركة "فتح" إلى الأرض الفلسطينية ونشأت لأول مرّة، منذ معاهدة "سايكس- بيكو"، سلطة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين. وبقيت، منذ ذلك التاريخ، خمس قضايا عالقة لم يتوصّل الطرفان، الفلسطيني والإسرائيلي، إلى اتّفاق حولها، على رغم محاولات عدّة رعتها الولاياتالمتحدة الأميركية، ولا تزال، من أجل التوصّل الى اتّفاق تاريخي على الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية. هذه القضايا هي: حدود إسرائيل والضفّة الغربية، والمستوطنات الإسرائيلية في الضفّة، واللاجئون الفلسطينيون في غزّة والضفّة والشتات "لبنان وسورية والأردن"، القدس والمياه. وأضافت إسرائيل لاحقاً مسألة "الأمن" في حال قيام دولة فلسطينية، بينما خرج قطاع غزّة من هذه المعادلة بعد انسحاب إسرائيل منه في العام 2005. وبهذه المناسبة دعت عدة فصائل فلسطينية اليوم الخميس إلى ترك نهج اتفاق أوسلو للسلام المرحلي مع إسرائيل وذلك بعد 20 عاما على توقيعه. وقالت حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، في بيان صحفي إن اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقيات مع إسرائيل "باطلة لأن ما بني علي باطل هو باطل". وأضافت الحركة إن الشعب الفلسطيني "لن يلتزم بما التزمت به منظمة التحرير الفلسطينية ولن يعترف بأي نتائج تنتقص ذرة واحدة من تراب فلسطين أو مقدساته أو حقوقه المشروعة".. وطالبت بوقف مفاوضات السلام التي استؤنفت مؤخرا برعاية أمريكية، معتبرة أن الهدف منها تصفية القضية الفلسطينية". من جهتها طالبت الجبهة الشعبية اليسارية لتحرير فلسطين الرئاسة الفلسطينية وفريق التفاوض بالانسحاب الفوري من المفاوضات "الثنائية السرية المريبة ومغادرة نهج ومفاوضات أوسلو". ودعت الجبهة، في بيان صحفي لها، إلى العودة بملف القضية الفلسطينية إلى هيئة الأممالمتحدة ومؤسساتها المعنية وتنفيذ قراراتها ذات الصلة، بما فيها اعترافها بدولة فلسطين وعاصمتها القدس في نوفمبر الماضي. إلى ذلك، عبر حزب الشعب الفلسطيني عن قلقه من طبيعة المسار التفاوضي القائم حاليا "كونه لم يأخذ بالاعتبار المرجعية السياسية الأساس التي تحقق الحد الأدنى من أهداف شعبنا، كما لم يلزم إسرائيل بوقف تمددها الاستيطاني الذي يلتهم بشراهة الأرض الفلسطينية". وقال الحزب في بيان صحفي، إنه يتفهم "حجم الضغوط التي تتعرض لها القيادة الفلسطينية، وما تحاول بذله من جهد للبقاء في المشهد السياسي وسط هذه العاصفة التي تجتاح المنطقة، لا سيما وان ما يرتب في المنطقة يضيف مصاعب جديدة أمام تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني". وسلط مشاركون في مؤتمر دولي احتضنته العاصمة البريطانية لندن هذا الأسبوع بهذه المناسبة تحت عنوان "أوسلو.. عشرون عاما من المفاوضات.. النتائج والمستقبل"، الضوء على هذه الاتفاقية، وبحثوا مختلف القضايا المتعلقة بها في ظل تأكيد بعض المشاركين الفلسطينيين أن هذه المعاهدة لم تضمن للفلسطينيين حقوقهم. وخرج المؤتمرون بتوصيات أكدت على ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني على مبدأ التمثيل الفلسطيني الصحيح المبني على الانتخابات الحرة لكل الفلسطينيين في الخارج والداخل، بما يؤدي إلى مجلس وطني فلسطيني منتخب يقفز فوق كل الخلافات وإلى وضع إستراتيجية تكافح المشروع الصهيوني على أرض فلسطين. وأجمع المؤتمرون على أهمية الاستمرار وتكثيف الأنشطة في أوروبا وأميركا لتغيير المزاج العام السياسي والشعبي وحشر إسرائيل والضغط عليها لتغير سياساتها باتجاه إعطاء الحقوق للشعب الفلسطيني.. وعلى أن العشرين سنة الماضية رسّخت الاحتلال وجعلته يهيمن على كل مفاصل المشهد الفلسطيني. من جهتها قالت جبهة التحرير العربية في بيان لها اليوم الخميس بهذه المناسبة إن توجه العرب نحو فلسطين يحرر فلسطين ويوحد الامة العربية. الجدير ذكره أن اتفاقية أو معاهدة أوسلو، هو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطنالأمريكية في 13 سبتمبر 1993، وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية التي تمت في عام 1991 وأفرزت هذا الاتفاق في ما عرف بمؤتمر مدريد. وتعتبر أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس.. ورغم أن التفاوض بشأن الاتفاقية تم في أوسلو، إلا أن التوقيع تم في واشنطن، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. وتنص الاتفاقية على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية "أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية"، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لإتمامها في أقرب وقت ممكن، بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية. ونصت الاتفاقية، على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين. في إسرائيل نشأ نقاش قوي بخصوص الإتفاقية، فاليسار الإسرائيلي دعمها، بينما عارضها اليمين.. وفي 23 سبتمبر 1993 وبعد نقاشات في الكنيسيت حول تصريحات الحكومة حول موضوع الاتفاقية وتبادل الرسائل، تم التصويت على الثقة حيث وافق 61 عضو كنيسيت وعارض 50 آخرون، وإمتنع 8 عن التصويت. الردود الفلسطينية كانت منقسمة أيضا.. ففتح التي مثلت الفلسطينيين في المفاوضات قبلت بإعلان المبادئ، بينما أعترض عليها كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين "المنظمات المعارضة" لأن أنظمتهم الداخلية ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود في فلسطين. وقال النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني وأمين عام حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي: إنّ اتفاق أوسلو فشل فشلا ذريعا من وجهة النظر الفلسطينية، مؤكدا أنّ كيان الاحتلال هو المستفيد الوحيد من الاتفاق". فقبل عشرين عاماً وأثناء المصافحة التاريخية بين إسحق رابين وياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض بدا السلام أمراً ممكناً في نهاية المطاف، لكن الأمل الذي أنعشته اتفاقات أوسلو ما لبث أن تبدد فيما لا يزال الفلسطينيون في انتظار دولتهم المنشودة. وبعد مرور عقدين على توقيع اتفاق أوسلو، تغير الوضع على الأرض كثيراً مع التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربيةوالقدس الشرقية المحتلتين وبناء الجدار العازل بين إسرائيل والضفة الغربية. وفي الوقت الحاضر يعتبر أكثر من ثلثي الإسرائيليين والفلسطينيين "68 و69 في المائة" أن الفرص ضعيفة أو معدومة في قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل في خلال خمس سنوات وفق استطلاع أجري في يونيو. عشرون عاما مرت على اتفاقية أوسلو، الاتفاقية التي داست وبلا رحمة على اللاءات الثلاثة الشهيرة "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه" اللاءات التي أقرتها قمة الخرطوم في 29 أغسطس 1967. ويمرّ على اللاجئين الفلسطينيين في كل عام عدة مناسبات تاريخية، وقد رُسمت ظروفٌ لا يزال اللاجئون يعيشونها، من النكبة إلى النكسة، إلى الاتفاقيات التي وقّعها من صرّح لنفسه بتمثيل اللاجئين الفلسطينيين وغيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل بتوقيع تلك الاتفاقيات وتطبيقها. اتفاقية أوسلو التي وُقِّعت برعاية أميركية، كانت كغيرها من الاتفاقيات التي لم تزد على شيء في تحسين حقوق اللاجئين الفلسطينيين، مع أنّ تلك الاتفاقية نصّت على بحث مجموعة من أهم محاور القضية الفلسطينية، القدس واللاجئين، إلا أنّ تلك المحاور التي لا يزال المفاوض الفلسطيني يبحثها مع المحتل للقدس الذي لا يعترف بعودة اللاجئين إلى أرضهم. تغيّرت أشياء كثيرة منذ ذلك الحين حتى اليوم، لكن الفلسطينيين حتى هذه اللحظة لم يحظوا بدولتهم المستقلّة، فالقدس لا تزال تحت نيران الإحتلال، والضفّة الغربية ينخرها الاستيطان وغزّة تزداد ابتعاداً عن الضفّة.. فما الذي تغيّر على الساحة الفلسطينية وما الذي لم يتغيّر؟ فإتفاقية أوسلو لم تقدم للفلسطينيين سوى المزيد من المعاناة.