بدأ المصريون الإدلاء بأصواتهم اليوم على تعديلات دستورية في أول تصويت عام يجري منذ أطاح الجيش بأول رئيس منتخب ديمقراطيا محمد مرسي قبل نحو ستة أشهر، وذلك في ظل استنفار أمني كثيف, ومقاطعة قوى سياسية على رأسها جماعة الإخوان المسلمين ومظاهرات منددة بالانقلاب وبالدستور الجديد. ومن المرجح أن يؤدي الاستفتاء إلى ترشح قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي للرئاسة. كما يمثل خطوة رئيسية في خريطة الطريق التي طرحها السيسي عند عزل مرسي أول رئيس مصري منتخب في انتخابات حرة في يوليو الماضي. ويمثل هذا الاستفتاء ثالث مرة يدلي فيها المصريون بأصواتهم على تعديلات دستورية وسادس مرة يتجهون فيها لصناديق الاقتراع منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك. وثمة شكوك في مدى نزاهة الاستفتاء والتعديلات الدستورية حيث قالت اللجنة الدولية للحقوقيين في بيان أصدره مقرها في جنيف إن التعديلات المقترحة تحفل بالعيوب.وأضافت اللجنة "حملة الاستفتاء وقعت في جو من الخوف والترهيب والقمع بما يثير الشك في نزاهة العملية برمتها." ومن المتوقع إجراء انتخابات رئاسية بحلول شهر ابريل على ان تعقبها انتخابات برلمانية. وقد أبدت منظمة هيومن رايتس ووتش قلقها لتقارير ذكرت أن سبعة نشطاء من حزب مصر القوية الإسلامي يواجهون اتهامات جنائية لتعليقهم ملصقات تدعو إلى التصويت بلا على التعديلات الدستورية. وفي ظل مقاطعة قوى سياسية رئيسية للاقتراع, تخشى السلطات تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة, خاصة بعد تصويت 15% فقط من المصريين بالخارج خلال خمسة أيام. وقد نشرت السلطات ما لا يقل عن 160 ألفا لحماية ثلاثين ألف مكتب اقتراع, وقالت مصادر أمنية إنه تم التحقق من سلامة جميع المكاتب التي بدأ التصويت فيها صباح اليوم. وقبل بدء عمليات التصويت, حذرت وزارة الداخلية المصرية من مغبة التظاهر, وقالت إنها ستتصدى "بحسم" لمن وصفتهم بمثيري الشغب والعنف, في إشارة إلى معارضي الانقلاب. ورغم تحذير الداخلية خرجت اليوم مظاهرات في عدة محافظات تنديدا بمشروع الدستور الجديد الذي يأمل وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي أن يشهد نسبة مشاركة مرتفعة ليكون بمثابة "تفويض شعبي" له للترشح للرئاسة.فقد خرجت مظاهرة في كرداسة بالجيزة قرب القاهرة, وردد المشاركون فيها هتافات تدعو إلى مقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد. كما خرجت مظاهرة بمنطقة سيدي بشر في الإسكندرية, دعا المشاركون فيها أيضا إلى مقاطعة الاستفتاء، لكن قوات الأمن سارعت إلى تفريقها. وفي الإسكندرية أيضا, نظمت حركة "7 صبح" مظاهرة أخرى ضد مشروع الدستور الجديد, رُفعت خلالها إشارات "رابعة". وكانت خرجت الليلة الماضية ونهار أمس بدعوة من التحالف الوطني لدعم الشرعية مسيرات في القاهرة وحلوان وبورسعيد والإسكندرية والشرقية نددت بمشروع الدستور الجديد, ودعت إلى مقاطعة الاستفتاء. وتزايدت في المدة الأخيرة دعوات مقاطعة الاستفتاء على الدستور، فقد أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا دعت فيه المصريين إلى مقاطعة ما أسمته "استفتاء الدم والخراب". وقالت في بيان إنه "لا جدوى من المشاركة في استفتاء قالت إنه سيتم تزويره مثلما تم إلغاء نتائج خمس مناسبات انتخابية".ما دعا مجلس الشورى المنتخب عام 2012 -الذي حُل بعد الانقلاب في بيان له- لمقاطعة الاستفتاء على الدستور وعدم المشاركة في أي عمل يعزز سلطة الانقلاب أو يمنحها شرعية زائفة. ووصف المجلس في بيانه وثيقة الدستور بأنها لاغية دستوريا وقانونيا لأنها ناتجة عن انقلاب دموي باطل، على حد تعبيره، كما أنها لم تقم على توافق وطني أو حوار مجتمعي. واعتبر أن الدستور المقترح يشرّع لما وصفه بتغوّل المؤسسات المعينة على المؤسسات المنتخبة، في سابقة لم تعرفها دساتير العالم الحر. وأشار إلى ظهور مبكر لمؤشرات تزوير نتائج الاستفتاء, وقال إن وثيقة الدستور المقترح تهدم الديمقراطية وتعزز الدكتاتورية. وكان حزب مصر القوية أعلن قبل ذلك مقاطعته الاستفتاء، مرجعا قراره إلى الأجواء والشواهد التي وصفها بأنها بالغة السوء، وإلى مخالفة ما وصفها بأبسط القواعد الديمقراطية المتعارف عليها دوليا. في المقابل, دعا رئيس لجنة الخمسين عمرو موسى جموع المصريين إلى التصويت ب"نعم" للدستور الجديد، مؤكدا أن التصويت بنعم يعبر عن المسؤولية، وجاء ذلك خلال ندوة تحت رعاية وزيرة الصحة والسكان تحت عنوان "دستور لكل المصريين". من جهته, قال المتحدث الرسمي باسم لجنة الانتخابات المستشار هشام مختار إنه سيتم توقيع غرامة مالية على من يتخلف عن المشاركة في الاستفتاء على الدستور، وإن النيابة العامة هي الجهة المختصة بتوجيه الاتهام وليس لجنة الانتخابات. وأضاف أن اللجنة رفضت السماح بأن يثبت الناخب هويته بصورة البطاقة الشخصية، حتى لا يفتح ذلك الباب للتلاعب والتزوير. ميدانيا.. قتل أربعة من مناهضي الانقلاب برصاص الشرطة المصرية اليوم في سوهاج وبني سويف جنوبي البلاد في اليوم الأول من الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد. وقال مصدر أمني إن قتلى سوهاج لقوا حتفهم خلال اشتباك مع قوات الأمن خلال مظاهرة مناهضة للاستفتاء, مضيفا أن عشرين آخرين جرحوا. ويأتي مقتل هؤلاء الثلاثة بعد ساعات من مقتل متظاهر مناهض للانقلاب في بني سويف جنوبي مصر أيضا. يأتي هذا فيما تواصل التصويت في اليوم الأول من الاستفتاء على مشروع دستور مصر الجديد وسط استنفار أمني, ومقاطعة من قوى سياسية رئيسية. ومن المقرر أن يتواصل التصويت على مشروع الدستور المصري حتى التاسعة من مساء اليوم ليستأنف صباح غد في اليوم الثاني والأخير من الاستفتاء، ويتوقع أن تعلن اللجنة للمشرفة على الاستفتاء النتائج أثناء 72 ساعة من انتهاء الاقتراع.
