فما كانت المبادرات التي تشهدها الإمارات وأبو ظبي تحديدا تنتج فكرا مبدعا ومشروعا طموحا جديدا كل يوم تجعل من شعار" الإمارات وجهتك الاستثمارية "حقيقة ماثلة يشعر بهاالمستثمرون العرب والأجانب حين تلامس أفكارهم الاستثمارية أرض الإمارات. وقد انعكست متغيرات هذه المرحلة الجديدة على حصيلة الاقتصاد الوطني في الامارات خلال عام 2004 الذي حقق نموا بلغ 14 % بالأسعار الجارية ليصل الناتج المحلي الإجمالي نحو 334 مليار درهم أي ما يعادل 91 مليار دولار . ولعل البرهان الواضح على هذا التحول الاقتصادي في الإمارات هو الاهتمام الكبير الذي يظهره كبار المستثمرين الخليجيين والعرب والمؤسسات المالية العالمية باقتصاد الإمارات حيث ساهمت البيئة الاستثمارية الجاذبة بالدولة في زيادة حجم الاستثمار الأجنبي المباشر فيها إلى نحو 63 مليار درهم مع نهاية العام الماضي بما يعادل 17 مليار دولار بالإضافة إلى عشرات المليارات الأخرى من الاستثمارات غير المباشرة. وليس مستغربا نجاح الإمارات في استقطاب هذا الكم من الاستثمار الأجنبي .فسياسة الدولة تعتمد مبدأ الاقتصاد المفتوح و تتميز بمناخ استثماري جاذب. والشيء اللافت أن الاستثمار الأجنبي في الإمارات يعد من الاستثمارات طويلة الأجل ويقوم على مبدأ الشراكة. كماأن العديد من الفعاليات الاقتصادية العالمية قامت بافتتاح مقرات لها في الإمارات نظرا لسهولة الوصول إلى الأسواق المجاورة والتي يقدر عدد المستهلكين فيها نحو مليار نسمة بالإضافة إلى توفر البنية التحتية المتميزة والتي يحتاجها المستثمر والخدمات والتسهيلات الأخرى التي تقدم للمستثمرين من خلال المناطق الاقتصادية وعدم وجود ضرائب على دخل الشركات والأفراد وهي عوامل ساهمت في مجملها في زيادة جاذبية المناخ الاستثماري الذي بات يضاهي ماهو موجود في الدول المتقدمة. وانعكس الاستقرار السياسي والاقتصادي وقوة الاقتصاد وتنوع مصادر دخله وانخفاض مستوى خاطر الاستثمار وتطور الشركات المساهمة فيه على أداء سوق الأسهم بشكل كبير وملفت حيث ارتفعت تداولات الأسهم في السوق المحلية خلال العام الفائت بنسبة 766 % لتصل إلى نحو 65 مليار درهم أي ما يعادل 18 مليار دولار . في حين يعكس ما يشهده القطاعان العقاري والسياحي بدولة الأمارات من طفرة كبيرة يصل حجم الاستثمارات فيها إلى نحو 230 مليار درهم والذي يفوق حجم الاستثمارات العقارية في العقدين الماضيين الحركة النشطة للاقتصاد الوطني وتأثير ذلك على حركة السوق المحلية وعلى جذب الاستثمارات العربية والأجنبية في مختلف القطاعات. وضمن هذا الإطار تبدو قضية الخصخصة الأبرز ضمن متغيرات المرحلة الجديدة للاقتصاد الوطني حيث أخذت خطى هذه القضية تتسارع بشكل كبير جعل الأنظار تلفت إليه , وشهد العام الماضي خصخصة العشرات من المشاريع المحلية والاتحادية سواء في خدمات النفط والغاز أو الماء والكهرباء والاتصالات أو بعض الأنشطة الصناعية إضافة إلى الكثير من الخدمات في الدوائر الحكومية. وتختلف الخصخصة في الامارات عن غيرها من الدول من حيث الأهداف التي تتركز بالدرجة الأولى على رفع مستوى أداء المؤسسات المستهدفة وتوسيع الفائدة منها ليشمل أكبر شريحة من المواطنين عبر تملك أسهم وحصص فيها وتعزيز دور القطاع الخاص وجذب الاستثمارات وتوسيع قاعدتها بدليل طرح شركات حكومية ناجحة وتساهم في دعم الموازنات الحكومية سواء الاتحادية أو المحلية مثل إتصالات وشركة أغذية التابعة لحكومة أبوظبي والتي تعد من أنجح شركة ضمن الشركات القابضة. ويتميز مسار الخصخصة في الإمارات بالتدرج وعدم الاستعجال لأن الخصخصة التي تتم وفق إستراتيجية متعددة المراحل أثبت نجاحه خاصة من حيث تهيئة القطاع الخاص على ممارسة الدور المطلوب .. وهذه الخصوصية الإماراتية جعلتها غير مستعجلة بفتح أبواب الخصخصة على غاربها كما هو الحال في معظم البلدان النامية فهي لا تحتاج إلى الأموال والسيولة المتوفرة فضلا عن أن مؤسساتها القائمة ناجحة وتضخ مليارات الدولارات في الموازنات المحلية والاتحادية على حد سواء. ويتضمن الموازنة العامة الاتحادية للدولة عام 2005 خصصة عشرات الإدارات والوحدات الحكومية بهدف رفع أداء هذه الإدارات والوحدات وتمكينها من تقديم خدمات رفيعة المستوى للمواطنين والمقيمين. ويبدو تسارع خطى الخصخصة أكثر وضوحا في أبوظبي التي عمدت مؤخراإلى إتخاذ عدة خطوات عملية نحو تعديل نظامهاالقانوني وأنظمتها الاقتصادية لتفعيل خصخصة المشاريع والمصانع التابعة لها بعد دراسات قام بها خبراء ومختصون في هذا المجال مستهدفين بالدرجة الأولى أكبر شريحة من المواطنين وتفعيل دورهم في تطوير الاقتصاد بما يخدم مصلحة الطرفين حيث تم إنشاء المؤسسة العليا للمناطق الاقتصادية المتخصصة والشركة القابضة بهدف إعطاء دفعة قوية للإنتاج الصناعي وخاصة في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة والتحويلية باعتبارها أحد الدعائم الرئيسية لتفعيل دور القطاع الخاص . وفي بداية العام الجاري أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الأمارات العربية المتحدة قانونا يمهد لخصخصة شركة الإنشاءات البترولية الوطنية عبر نقل ملكية الأسهم والأموال العائدة لشركة بترول أبوظبي الوطنية" أدنوك" في الشركة إلى الشركة القابضة العامة في أبوظبي . وسمحت للقطاع الخاص بتملك جزء من بعض المشاريع فيما طرحت جزءا من أسهم بعض المؤسسات في أسواق المال المحلية مثلما حدث في قطاعي البنوك الصناعة وخصصت بعض الخدمات في مجال الصرف الصحي والصحة والتعليم والشرطة . ويظهر قطاع الكهرباء والماء رائدة في مسألة الخصخصة في أبو ظبي حيث شهدت الأعوام الأخيرة ضخ مليارات الدولارات في تطوير برامج مشاريع قطاع الغاز وإنشاء محطات توليد الطاقة العاملة لتغطية تنامي الطلب المحلي على الطاقة الكهربائية في حين نجح هذا القطاع باستقطاب نحو 30 مليار درهم منذ تنفيذ برنامج خصخصة هيئة مياه وكهرباء أبو ظبي . وفي مطلع العام الجاري تم خصخصة أكبر مشروع خصخصة في قطاع الماء والكهرباء تشهده المنطقة حتى الآن من حيث القيمة الاستثمارية والطاقة المنتجة والمتمثلة بمشروع الطويلة(ب) الكهربائية التي تمتلكها هيئة مياه وكهرباء أبوظبي وفاز بها إئتلاف ماروبيني اليابانية بقيمة تصل إلى 3 مليارات دولار من ضمنها نحو مليار و670 مليون دولار قيمة بيع المحطة القائمة ومليار و307 ملايين دولار تكلفة التوسعة الجديدة للمحطة. ويعد خصخصة هذا المشروع جزءا من عمليات الخصخصة الكبيرة التي تجريها حكومة أبوظبي في قطاعي الكهرباء والماء حيث تم تخصيص خمسة مشاريع استراتيجية بدأتها عام 1999 بمشروع ( الطويلة إيه 1) الذي فتح نجاحه الطريق أمام الشركات الأجنبية لتملك مشاريع كهربائية في أبوظبي وفق نظام" BOO "القائم على أساس البناء والتملك والتشغيل ليرتفع إجمالي الاستثمار الأجنبي الذي تجذبه هيئة مياة وكهرباء أبوظبي نحو 9 مليارات دولار.وتصف مؤسسات إقتصادية عالمية مسيرة الخصخصة في الأمارات بالرائدة على مستوى المنطقة حيث تؤكد هذه المؤسسات أن أبوظبي تعد رائدة في مجال الخصخصة بدولة الامارات من خلال إدارة القطاع الخاص للعديد من المشاريع وخاصة في مجال الطاقة . موضحة أن مشاريع الطاقة في محطة الطويلة أسست لمعايير جديدة في الخصخصة. وقالت إن الخطوات التي أقدمت عليها حكومة أبوظبي على طريق الخصخصة أثارت الإعجاب سواء في الداخل أو الخارج بالنظر إلى مستوى النجاح الذي حققته في مجال الكهرباء والمياه . وأم