تتبارى بعض الأنظمة العربية المهددّة بعروشها، بفعل الحركات الشبابية الثائرة في عديد العواصم العربية، في انتاج التصريحات الكاذبة، عبر الفضائيات بالصوت والصورة.
والغريب أن الإيقاع الصوتي لأبواق هذه الأنظمة هو ايقاع واحد، حيث يلاحظ أن ايقاع هذا الصوت يعتمد على النبرة الصوتية العالية، النافية بشدة خطابية وبحزم كل أشكال التظاهر الذي يبث في صور متلاحقة من هذه العاصمة أو تلك.
والملاحظ أيضاً ان هذه الأبواق وحينما تبدأ الإجابة على سؤال واحد، لا تتوقف تاركة الأسئلة التي يطلقها مذيع النشرة تتراكم دون أن يجيب سوى عن سؤال واحد.
وهذه الاستراتيجية التي يعتمدها هؤلاء تعتمد قاعدة عربية معروفة هي «خذوهم بالصوت»، وتفسيرها أن علو النبرة الصوتية هو الكفيل بتحجيم مساحة السؤال وبالتالي تقزيمه.
وفي هذا الإطار نستذكر ما حدث للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، حينما تمت مهاجمة قصره الرئاسي بصاروخ، أدى الى حرق وجرح مقامات وافراد ذات رتب عالية في القيادة اليمنية، ومن بينهم الرئيس اليمني ذاته، حيث أشيع انه أصيب بحروق.
وفي الانتقال الى الناطق الرسمي الكاذب نلاحظ أن بياناً صدر أن الرئيس لم يصب بأي شيء، وتبع ذلك الإعلان عن ان الرئيس سيعقد مؤتمراً صحفياً بعد قليل، ولأن الكذب عمره قصير كما يقولون، فقد تحول المؤتمر الصحفي الى كلمة قصيرة ألقاها الرئيس اليمني دون أن تظهر صورته، ومن استمع الى صوت الرئيس وقتها سيدرك أن صاحب هذا الصوت هو عليل ومصاب، ويفتقر الى الحيوية الصوتية التي ظلت تميز الرئيس صالح.
وأعترف اني صباح أمس أحسست بحجم الكذب وفداحة الدجل الإعلامي، ذلك أني كنت قد تابعت نائب وزير الإعلام اليمني وهو يتحدث مع مذيع الجزيرة، نافياً أن تكون الطائرة السعودية الجاثمة في مطار صنعاء تستعد لنقل الرئيس كي يعالج من جروحه بعملية تجميلية.
وكان نفيه قاطعاً وهو يردد ان الرئيس يقوم على رأس عمله بإدارة الحكم في اليمن ولن يغادر صنعاء.
أقول صباح أمس أصبت بما يُشبه الصفعة وأنا أستمع للخبر الذي يقول أن الرئيس اليمني غادر صنعاء الى الرياض وبصحبته أكثر من عشرين من رفاقه واقاربه في الحكم.
واقول شكراً لعصر ثقافة الصورة الذي جعلنا نكشف كذب الناطق الرسمي، وأتحسر على غبن عربي كنّا قد عشناه واستمر لعقود دون أن يكشف بسبب غياب ثورة الصورة.