سمحنا لانفسنا بمواجهة أكثر أسرارنا سوداوية لعرفنا أن المبادرة الخليجية لحل الازمة اليمنية قد ذهبت بنا لمتاهات هذيان العظمة حتى فككها الرئيس صالح بمراوغاته . لكن ترك اليمن في تقهقره السريع نحو تدمير نفسه أشد وطئا على الضمير الخليجي من مواجهة فشلنا السابق. واليوم كأني أرى العسكري القديم الفريق عبد اللطيف الزياني يسير نحو الشحنة الناسفة في اليمن وقد أرتدى هذه المرة سترة مدرعة تلفه من رأسه حتى اخمص قدميه. تتسابق آلاف الاشياء الى عقله،وتصبح حواسه أكثر حدة ووعيه بالموقع يتجاوز كل التوقعات. أو كما قال خبير التخلص من المتفجرات الاميركي في العراق الرقيب دايفد هوجي 'أنت تلحظ كل شيء،حفيف أوراق الأشجار،هبوب الرياح،دقات قلبك'. ثم يقترب أمين عام مجلس التعاون زاحفا نحو المبادرة الخليجية المزروعة بحنكة مهندس الرعب الشهيد الفلسطيني'يحيى عياش' على طريق الخليجاليمن الوعرة في تقرب يتسم بالتوتر والحذر لكي ينزع الصاعق من المادة المتفجرة تحت ضغط كبير. ففي مهمة التخلص من المتفجرات هناك فرصة واحدة ونجاح من البداية وإلا الفشل الذريع. فما بالكم إذا كانت هذه هي المحاولة الرابعة!! لقد تكاثرت الاسلاك الملونة في المبادرة-الشحنة عن آخر مرة، فهناك سلك مشدود وسلك مرتخي،وسلك ينتهي للشحنة الناسفة،وآخر يصل البطارية بالصاعق وبينهما سلك تضليل،وأسلاك عدة لاحصر لها: 1. هناك سلك تجديد دول مجلس التعاون إلتزامها بالمبادرة الخليجية للحيلولة دون تدهور الأوضاع بعد إصابة الرئيس صالح، حيث أكد الأمين العام استعداد دول المجلس لاعادة تفعيل المبادرة. 2. وسلك رفض المعارضة بكافة أطيافها للمبادرة لأنها تمنح صالح وزمرته الحصانة،حيث تبنت المعارضة تشكيل مجلس انتقالي وإعلان دستور وتشكيل حكومة، مما يجعلنا نتسائل عن جدوى فرضها عليهم فنفقد العلاقات مع المستقبل في اصرار على علاقة مع طاغية يلعق جراحة . 3. وسلك إنسحاب الدوحة منها ليجعلها تمثل وجهة نظر بعض دول المجلس وليس كلها،حيث سيكون على الأمين العام مراعاة التحرك والتعامل مع هذه المبادرة على هذا الأساس. 4 وسلك صالح الذي نتيجة إصابته البليغة لم يعد - وهو طرفها الأول -قادر على القيام بواجباته فيها،إلا إذا وقعها في المستشفى في جده بحضور المعارضة،ثم العودة ليحكم لشهر وينقل السلطة لنائبه وهذا ماترفضه المعارضة أصلا. 5. وسلك أن المبادرة الخليجية كانت مرحلة انتقالية ولم تحقق أغراضها ،حيث افقدتها مناورات صالح وعدم حزم الخليجيين معه وزنها،مما افرغها من محتواها . في اليمن مخزون من العنف يكفي الاقليم بكامله،و لاشك ان تعامل الدكتور الزياني مع المبادرة الخليجية في جولتها الجديدة في اليمن يتطلب التعامل معها كشحنة ناسفة خطرة،والاسوأ من ذلك برمته أن يتعرض لاطلاق النار وهو يحاول قص السلك الصحيح عن جهاز التفجير . لكن، لا خيار غير مواجهة الخطر، فالفشل في التعامل معها لايعني دخول غيرنا في فراغ القوة المرتقب ولا يعني الفوضى فحسب ،بل يعني أن تنتقل عدوى فشلنا الى ميادين مناورة خليجية اخرى.