سيفتح علي عبدالله صالح اليوم ذلك المجلد الضخم من سيرته مع صوره المطبوعة في دائرة التوجيه المعنوي، (قائد ووطن.. 3 عقود من التحولات) ليستعرض شريط الأحداث التي مرت خفيفة سريعة في ذاكرته، ثقيلة وعنيفة على ذاكرة شعب احترف الجوع والاغتراب في عهده. صورته بذلك الشارب والشعر حتى منتصف وجنتيه، حين كان يرتدي بذلته العسكرية ويتقلد زمام الأمور في 1978، بينما كان نحيل الجسم، ومنزله في سنحان بتلك الهيئة التي لا يوحي أنه منزل للسكن فعلاً، ليس سوى مجرد جدار من أحجار سوداء ونافذة صغيرة لا يكاد يستطيع النور اقتحامها. صور مع راحلين من الحمدي إلى الغشمي وسالم ربيع وعبدالفتاح ثم التالين من علي ناصر وعلي سالم وغيرهم.. بالتأكيد سيبتسم وستدمع عيناه لتاريخ مرّ من تحت يديه دون أن يحقق فيه الخلود الذي كان يبحث عنه. صحيح أنه دمر بلداً لكي يبني قلعة في سنحان تكبر قلعة صلاح الدين في القاهرة ودمشق بأضعاف، لكنه بنى قلاعاً من الكراهية بين أبناء الشعب ليصل الأمر إلى سفك دماء اليمنيين ببنادق بعض. اليوم سيتأمل صالح صوره جيدا وسيعرف أن التاريخ إما أن تكون صديقاً حقيقياً له وإلا فإنه سيرميك في أقرب منعطف، لأنه لا يقبل الرشوة والهدايا. سيدرك الرئيس أن من أوهموه بالخلود والعظمة كسروا له عنق الحقيقة لكي يعيش وهم الزعامة لسنين ثم سيمحى من ذاكرة الأجيال، لأن الأجيال تتذكر من يعلمها وليس من يطردها على حدود الجيران باحثة عن الخبز والحياة. صالح سيشاهد صوره التي جاب العالم والتقطت له هنا وهناك بينما لم يكلف نفسه (يغش) من تلك البلدان ولو القليل مما كان يمكن فعله غير شراء السلاح لأجل خلق رئيس قادم وعائلة حاكمة. سيقلب صالح أرقام هواتف من خدعوه وسيجد أن الغالبية العظمى قد غيرت أرقام هواتفها لتنتظر اتصالاً من رئيس قادم ربما لن يأبه لهم كثيراً لأنه عرف كيف كانوا يكذبون على سلفه. سينظر صالح في ألبوم الصور، وسيعرف أن ثلاثين عاماً من الحكم لا تساوي لحظة تأمل في صور (أيام العز)، لكنه محظوظ ربما لأنه وجد وقتاً كافياً لتأمل صوره بعد أن عجز عن ذلك كل من القذافي وبن علي ومبارك. ربما سيتأكد صالح اليوم أن الكرسي في النهاية يصبح مجرد صورة، بينما يذهب الأصل إما إلى إنجاز يتذكره الناس، أو إلى خراب يلعن الدهر صانعه، وأخشى أن تلحق اللعنة بالرجل لأنه سلم بلداً مجزأ إلى دويلات في الشمال والجنوب، بعد أن كانت يمن الشمال حين تسلمها أرضاً خصبة للنجاح بكل معانيه، وكان فيها خطط قد وضعها الحمدي كفيلة بالانطلاق إلى أقصى مكامن النجاح، لكن صالح عاش متأزماً من اسم الحمدي وألغى كل شيء مرتبط بالرجل، حتى اسم جامع الحمدي في حارته تم محوه بمنشار كهربائي. في المقابل سيتأمل صالح اليوم لشاشات التلفاز وسيرى عبد ربه منصور هادي يتسلم مالم يكن يتخيله، إنه الكرسي، ولمن؟ لعبدربه منصور الذي كان يتخيل أن القدر لا يمكن أن يأتي إليه بهذه الصورة، لكن كما يقال (من مأمنه يؤتى الحذر). اليوم هو يوم صورك يافخامة الرئيس السابق، يوم تبيض فيه صور وتسود صور، وغداً سينزعون صورك من إضاءات الصحف بعد أن هاجم بلاطجتك مقراتها لأجل تلك الصورة. سينزعون صورك من الشوارع بعد أن كنت قد وجهت أنت بنزعها أيام سقوط صدام حسين، لكن هوسك بالصورة لم تجعلهم يواصلون نزعها من الشوارع، ووصلت إلى مرحلة صرت فيها عبداً لصورتك بدلاً من أن تكون عبداً للشعب. الآن لم تعد صورك تعني أحداً غيرك، فتأمل صورك لوحدك.. أما نحن فأمامنا صورة وطن كبير نريد لملمته بعدك. الجمهورية