هذه القرية النائية المجدبة تتوسد أسفل سلسلة جبال ,تتفرع القرية إلى بيوتٍ و وادٍ وأشجار السدر المتفرقة ..و من جهة الجبال تتفرق أشجار صحرواية ,,و بعد مسافات تظهر أراضٍ زراعية . الفجر يسمعك أصوات الديكة ,يفاجئك بنهار جديد مفعم برائحة الدخان المنبعث من بعض البيوت التي ما زالت تحتفظ بصنع الخبز في الفرن البلدي(الموفى). لاتوجد إلا بقالة واحدة ...تبيع الكعك ذا المذاق الخاص الذي يصنع في بيوت تتعاقد مع صاحب البقالة ,و البسكوت , و المعلبات و الجبنه و العصائر و الفيمتو ,لكن الكعك يميزه أنه اسثنائي خاصة وقت العصر مع الشاي اللمبن(شاي الحليب). الصباح يعني العمل في الحقل الإسراع إلى طلب الرزق تتوفر البيئة الخصبة للجد و النشاط الذاتي يتسارع الرجال و النساء على مستوى واحد يُخلَفون خلفهم عيون أبناء تنتظر متطلبات الحياة المدرسية ..فبين العمل في الحقل و التجارة بالمزروعات و الثروة الحيوانية يكمن الطموح لدى الأبناء المتطلعين إلى أبعد من ذلك .. فيغادر بعد كل هذا النضال اليومي الأبناء إلى المدينة أو خارج الوطن إنها سنة الحياة و يبقى الآباء والأمهات في معترك الحياة اليومي تطحنهم معاناة الطين اليومية و روائح السماد ويستمتعون بكل هذا العناء . أسرعت تلك المرأة و ابنتها تصرخ بالشاب محمد انتظر انتظر .. محمد يكمل كوب الشاي الملبن (حليب الغنم يضاف له الشاي و السكر و الهيل ) و يمتطي السيارة تحط حقيبة كبيرة على الأرض و تركب هي و ابنتها بينما شاب آخر يدعى علي يرفع الحقيبة ويضعها على سطح السيارة و يربطها ضمن عدة حقائب ربطا محكما و يركب بالقرب من الشاب محمد. تركب امرأتان بالقرب من أم دعاء فيكون العدد أربع نساء خلف السائق مباشرة . وفي الأمام الشاب علي وشاب آخر يدعى مراد جميعم سيغادرون القرية ..دعاء و أمها تقومان بزيارة قصيرة إلى عدن . أما الشاب علي و مراد سيقدمان أوراقهما للجامعة في صنعاء و ربما يغادران خارج البلد للدراسة . و المرأة التي تجلس بالقرب من أم دعاء لن تذهب إلى المدينة و لكنها ستنزل هي و أمها العجوز في قرية أخرى بعيدة عن قريتهم و لكنها في طريق السيارة الراحلة.. تفوح رائحة دخان الخبز من إحداهن ,,بينما دعاء تتأفف من تلك الروائح فهي تدهب دائما إلى عدن و تشتري ما طاب لها من روائح العطور و الثياب و الإكسسوارت ..و تحلم أن تتزوج من شاب أجنبي . بينما والداتها تحلم أن تتوظف ابنتها في سلك التعليم ..و تصبح مدرسة في القرية.. بالتأكيد تتأخر كثيرا دعاء وهي تعيش في هذه القرية المعزولة عن الزواج بأجنبي فكيف سيأتي النصيب و هي تعيش في هذا المكان النائي لكن دعوات أمها تصل السماء فتنجح دعاء في التوظيف تفرح كثيرا دعاء لأنه سيكون لديها مصدر دخل و يبقى حلم الزواج في مخيلتها و هي ترتدي النقاب و لا يظهر منها إلا صوتها المحشرج و حلم يدغدغ مخيلتها الصافية البريئة . يطيب لها أن تتحدث إلى أختها التي تعيش في مصر منذ عشرات السنيين ,,تنظر إليها عبر فيديو المسنجر لكنها لاتعرف كيف تستخدمه ...بنات خالها يقمن بالمهمة . زياراتها و أمها إلى عدن إذاً لهذا الغرض و ربما لغرض آخر في نفس هذه الفتاة التي يعدوها قطار الزواج مسرعا و هي تكبر. ما دمتي مبتسمة و مصرة على تحقيق أمنياتك فلا بأس , فإصرارك البريء سيمنحك حق الحياة و الحلم الجميل وإن كانت بودار نجاح الحلم مركونة بالنصيب . أمها لا تريدها أن تفكر بالخروج من القرية حتى لا تظل وحيدة فكانت توشوش في أذن صديقاتها وقت تذهب دعاء إلى المطبخ و تخبرهن بأن ينصحنها بعدم البوح بحلمها المستحيل. كل أمنيات الأم أن تجد ابنتها النصيب في القرية و أن تعيش معها هي و زوجها في البيت الكبير . ما دامت دعاء تحلم ترفض عروض صديقاتها ..ما دامت تحلم تصرخ بأمها ألا تتدخل في حلمها إنه حلم دون أن تستوعب تنجرف نحوه ..لماذا أختي تعيش في مصر و أنا أعيش هنا في هذه القرية الجدباء القاحلة. صوتها المحشرج هو ما يميزها و يميز جمالها و بياض بشرتها ذلك الجمال الذي دفعها إلى أن تتصور فارس أحلامها من فلسطين أو من العراق. ضاعت حيلة والدتها في إقناعها بأن ما تطلبه مستحيل و مضى قطر الزواج مسرعا فبات الحلم صعباً و ليس مستحيلاً و لن تتوفر فرصة حصولها على شاب . حتى اللحظة دعاء تقطع القرية كل صباح إلى المدرسة مشيا على الأقدام و حتى اللحظة أمها العجوز تنتظرها و قد هيئت لها الغداء و حتى اللحظة كل إجازة يحزمن حقائبهن إلى المدينة للتحدث مع سميرة التي لم تفكر يوما بالسفر إلى أمها أو حتى دعوتها و أختها دعاء إلى مصر زيارة مع إنها تبدو من خلال الصور أنها تعيش خياة رغدة و سعيدة إلا أن ذلك يقتصر على بيتها و في محيطها العائلي . يبدو السفر و العناء و الخسارة التي تقوم بها دعاء و تجرجر معها الأم العجوز بات يثقل كاهلهن ومع ذلك يعدو في خانة الامل بالنسبة لدعاء و بند الترجي عسى و لعل يبتسم لها الحظ ذات يوم