حاول البعض من سياسيي حواسم الصدفة، ان يفسروا الدعوات المتصاعدة لازاحة السيد نوري ابي احمد المالكي عن السلطة، باعتبارها دعوات " كيدية " و" شخصنة " سعت طوال السنوات الاربع الماضية بتعمد وقصدية لاسقاطه سياسياً. ولتحقيق هذا الهدف، كما يقول دعاة الولاية الثالثة، أُلصقت جميع المظاهر السلبية به، وتمت تبرئة الشركاء الاخرين في حكومته. ويدّعي هؤلاء ان الكيد للمالكي، اتخذ طابع تشهيرٍ " ملفق " خلا من اي محاولة جادة للاصلاح، والتفاعل معه لتمكينه من اجراء مراجعة جادة للمظاهر السلبية التي تُذكر ويجري ترديدها والتأكيد عليها ويقتضي ان يشملها اصلاحه! ويتعامى هؤلاء المنتفعون من الفساد السياسي، ان فريق المالكي قد " شخصن" الامر منذ صيحته المُنكرة " ما ننطيها "، اذ وحّد النظام والدولة والحكومة في شخص المالكي، واعاد الى اذهان العراقيين في الواقع المنظور والمُعاش، عادة اطلاق النعوت المجانية عليه، كمختار، ومُخلّصٍ لا بديل عنه، لقيادة العراق وللحفاظ على " مشروعية حكم الشيعة " مع انه استباح كرامات العراقيين، وجر البلاد الى سلسلة لاتنتهي من الازمات والفوضى، والتحارب الطائفي، فكان الشيعة قبل السنة واكثر منهم ضحايا لها. لا أحد من القوى السياسية استهدف المالكي، بدوافع كيدية، أو لاسقاطه سياسياً، أو رغبة في إفشال العمل المشترك، ووضع العراق على حافة الهاوية ودفعه للانهيار. لا أحد له دخلٌ في تفكيك قوى العملية السياسية، وفرط عقد تحالف القوى الشيعية. ولا أحد لديه مصلحة في اعادة البيئة الحاضنة لتوسيع نشاط العصابات الارهابية والتكفيرية، غير الارهابيين والتكفيريين، من جانب، ومن له مصلحة في تغذية دوّامة العنف والازمات وخلط الاوراق، ما دام ذلك يمكّنه من الانفراد بالسلطة، وتغذية الشكوك المتبادلة بين المكونات الوطنية، ووضع اطرافها في مواجهة بعضهم. " الشخصنة " حالة ترافق النزوع نحو الهيمنة الفردية والاستبداد. واذا كانت مظاهر ذلك، مجرد حالات فردية، أو ميلٍ لا يبدو للعيان، في الولاية الاولى، أو انها تحولت الى ظاهرة محدودة، متفرقة، في النصف الاول من الولاية الثانية، مرئية للعيان غير مستورة عن فضائح رافقتها، فانها اصبحت ممارسة استفزازية، بلا أدنى حذرٍ أو " تكييفٍ " في السنتين الاخيرتين، وباتت مع قرب الانتخابات التشريعية، وفي مجرى وقائعها، تحدياً يخدش حياء كل عراقية وعراقيٍ ضحّى بالغالي والنفيس، ليستظل بعد عقود الاستبداد بنظامٍ ديمقراطي يحفظ الحقوق والكرامة، ويزيل من الواقع، المثالب التي رافقت الانظمة التي استبدت بالوطن ومسخت المجتمع والدولة! ان وقائع دامغة، لم تعد تترك اي شكٍ، للنزوع الجارف من الفريق الممالئ، نحو تحويل السلطة، الى وليمة " عائلية " ، تقضم من حصة حزب الدعوة، ودولة القانون، وارادة العراقيين، لتعيد الى الحياة السياسية، اكثر من ثلاثة عقود من تجربة حكم العائلة والعشيرة والحزب التابع. اوليس واضحاً ان السكرتير الشخصي للمالكي ، زوج كريمته، وسكرتير ولده احمد، ياسر زوج ابنته الثانية، حصدا عشرات الاف الاصوات في دائرة المدينة المقدسة كربلاء، ليتجاوزا القائد المعروف في حزب الدعوة علي الاديب؟! اهي خافية على احد في كربلاء، عطايا المُرشحين، وما اغدقوه من اراضٍ وتعييناتٍ وغير ذلك مما فضح جانبا منه القاضي محمود الحسن الذي كان من المنتظر ان تزيحه المفوضية العليا للانتخابات،بينما اكتفت بتغريمه بضعة ملايين من الدنانير لا تساوي بلغة العطايا الموزعة اكثر من قيمة قطعة ارضٍ او مظروفٍ من الاعطيات، التي كان لمعاوية ابن ابي سفيان ان يعّيرنا بها وهو يُجري مقارنة بين عطاياه ومكرمات ابي رحاب وابي ياسر وابي مجاهد الجوال على العشائر لتوزيع المكرمات وكسب ودها..؟ ( 2 ) ان المالكي " الشخص " قد استُنسخ، كما اراد له ذلك احد مريديه، وإحدى مريداته المعروفات التي اصبحت معروفة في الاوساط الشعبية بانها " اخت رجال " بامتياز لا تحسد عليه، ولكن الى حين.. فالولاية الثانية، شهدت عملية استنساخ المختار، لا في السلوك فحسب، بل بالحضور الشكلي، في كل مرافق الدولة، وقد امكن لهذا الاستنساخ ان يأتي على تمنع بعضٍ من قادة حزب الدعوة ودولة القانون، ليتراجع كل منهم، حسب اقتداره، عن ملاحظاته واعتراضاته وتحفظاته حول سلوك ونهج وتوجهات السيد المالكي في ادارة الحكومة والدولة والعلاقات. والتراجع من التمنع في تسليط ولده وزوجي ابنتيه واقربائه، الى التحول الى عرابين لهذه المصاهرة بين العائلة والسلطة. ان احداً لم يعد يتحدث عن المظاهر السافرة، التي صارت نهجاً للمالكي في تمكين اولي الامر في العائلة، من ادارة الدولة ومرافقها، بل وزجهم في البرلمان القادم ايضاً. ولا احد بات يتناول بالتساؤل والنقد الاموال الطائلة التي صرفها في الانتخابات، او رفع الحاجب، استغراباً عن افعال احد خلصائه في مفوضية الانتخابات، وان كانت من باب الاشاعة او الاتهامات الجزافية. فالشخصنة، والتركيز على شخص المالكي، في كل ما اصاب العراق من بلايا ومحن، لا تدخل في خانة الاستهداف والكيدية، المجردة من القرائن الدامغة. اذ يكفي تتبع الاحوال في كل ميدان او اتجاه، في كل انحاء العراق، للتأكد من ان الاوضاع القائمة هي القرينة التي لا ياتي الشك اليها، مهما امعن المشكوك بشهادته، او المفتري، على اننا امام شخصٍ تحول الى ظاهرة، تعيد انتاج سويتها، لتجهز على ما تبقى من العراق. ( 3 ) لم يعد القلق مقصوراً على تغوّل الظاهرة المالكية والنتائج المفزعة التي كابدها المجتمع العراقي نتيجة ذلك حتى الان، وانما الخشية والقلق، من امتدادها الاتي مع التغيير. فمن حق العراقيين التساؤل بشك، عما اذا سيكون البديل القادم بمستوىً من الصدقية والتماسك، ليصبح قادراً على تصفية المالكي " الظاهرة " لا الاكتفاء بتغييره شخصياً؟ وما هي الضمانات التي تحول دون ان يكون هو قد استُنسخ من الظاهرة نفسها، بعد ان اصبح قادة حزبه، وزعماء دولة القانون، لا يرون، او انهم لم يعبروا ولو بكلمات خجولة عن رفض ما ارتُكب من انتهاكاتٍ او حجرٍ للدستور والقوانين، او استشراء للفساد لا مثيل له في تاريخ العراق، او اظهار لافراد العائلة وتمكينهم من الجاه والمال والسلطة. من سيضمن، ووفق اي سياقاتٍ مطلوبة، واي صيغة معتمدة لتضافر القوى السياسية، على اسسٍ من التوجهات والبرامج الملزمة، ازاحة ظاهرة " ما ننطيها " ..؟ وهل يدرك قادة الكتل المتحفزة لاجراء تغييرٍ في الوضع، ان المهام التي تنتظر الحل العاجل، الملح، لا يمكن ان تقتصر باي شكلٍ من الاشكال على مجرد ازاحة المالكي الشخص، وانما تصفية الظاهرة، بكل ما تجسدها، وما تعبر عنها وما تمثلها..؟