أعلن الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" عن خطة رباعية المحاور، تستهدف مواجهة التطرف، الذي كان دافعًا ومحركًا للعديد من العمليات الإرهابية، التي تعرضت لها فرنسا خلال السنوات الأخيرة. وأكد الرئيس عزمه القضاء على التشدد والانفصال الإسلامي داخل الأحياء الفرنسية المهمشة، خاصة وأن هذا التشدد لا يتوافق مع مباديء الحرية والمساواة ووحدة الأمة، فلا يمكن بحال من الأحوال استغلال الدين لمخالفة القوانين، ولا ينبغي القبول بتغليب قوانين الدين على قوانين الجمهورية الفرنسية. تنص وثيقة محاربة الانفصالية الاسلاموية على ضرورة التركيز على البعدين التعليمي والثقافي بغية تعزيز العلمانية، ومن ناحية أخرى السيطرة على التأثيرات الأجنبية على بعض المؤسسات الاسلامية داخل فرنسا، وذلك من خلال مشروع قانون يرتكز على شفافية التمويل الخارجي والعمل على تنظيم الطوائف، وتعزيز الجمعيات الثقافية. القراءة التحليلية لخطاب مكرون تكشف ما يشبه انتفاضة فرنسية في مواجهة جماعات الإسلام السياسي، التي تستغل أوضاع المسلمين في فرنسا ليس فقط في محاولة خلق دولة موازية للدولة الفرنسية بقيمها العلمانية الغربية، ولكن أيضاً في تأليب الجاليات الإسلامية ضد سلطات هذا البلد وزرع الكراهية في نفوسهم تجاهه. إذ أظهرت ممارسات هذه التنظيمات وعلى رأسها جماعة الإخوان أن هدفها المرحلي هو بناء دولة موازية للدولة الوطنية تدين لها بالولاء تمهيداً للسيطرة على الحكم فيها، كخطوة ثانية في طريق الوصول إلى حلم إقامة "دولة الخلافة" العابرة للحدود. حيث أجمع الخبراء المشاركون في ندوة جماعة الاخوان المسلمين والدولة الموازية مشيرين إلى أن رؤية جماعة الإخوان المسلمين لبناء الدولة الموازية تمثل التهديد الرئيسي لقيم الديمقراطية والتسامح والتعايش في أوروبا. وبحسب الوثيقة هناك أربعة محاور رئيسية سيتم تفعيلها لحصار النزعات المتطرفة على النحو التالي: المحور الأول: يعرف "بإستراتيجية العرقلة" وتستهدف مواجهة ظهور الإسلاموية، عبر تحرير المساجد والمدارس من التأثيرات الأجنبية المتمثلة في الأئمة الوافدين من دول محرضة ومتطرفة، لاسيما في ظل وجود كثير من الأئمة الذين تم جلبهم من بلدان خارجية كتركيا والجزائر. وللتحكم في تمويل المساجد أطلق الرئيس ما يعرف بالجمعية الإسلامية الفرنسية، حيث ارتكزت مسؤوليتها على مراقبة جمع التبرعات وضريبة المنتجات الحلال، بالإضافة إلى تدريب الأئمة. وبحسب اللجنة الوزارية الفرنسية للوقاية من الانحراف والتطرف، فإن هذا المشروع، وإن كان يستهدف الإسلام السياسي، فإنه سيشمل كافة الانحرافات الطائفية. وتقول اللجنة إن المستهدف ليس الإسلام باعتباره دينا، بل الإسلام السياسي، وهو عقيدة سياسية تهدف إلى فرض السيطرة على المجتمع من خلال تقييد الحريات وتثبيت الشريعة فوق قوانين الجمهورية. المحور الثاني: يهدف إلى تشجيع إستراتيجية العروض البديلة وتدابير الدعم المنسقة للمناطق الأكثر تضررا من هيمنة المتشددين في محاولة لإزالة كافة الحواجز والفوارق التي تستغلها فصائل معينة لنشر الفرقة. المحور الثالث: تم تخصيصه لمكافحة المحاولات الانفصالية داخل المجتمع الفرنسي، والتي تتعدد أشكالها كتحديد أوقات استحمام منفصلة في حمامات السباحة العامة، وكذلك تخصيص ساعات للصلاة في النوادي الرياضية، في محاولة لإزالة كافة الحواجز والفوارق الفاصلة بين الفتيات والفتيان. المحور الرابع: يهدف إلى معالجة أزمة افتقار الكثير من الأحياء الفرنسية للعروض الاجتماعية والرياضية التثقيفية، لذلك دعا "ماكرون" لعودة هذه العروض ثانية وتكثيفها داخل المدارس والمناطق السكنية المهمشة. جدير بالذكر أن إستراتيجية ماكرون الأخيرة لم تكن الأولى في سياق مواجهة التطرف والتشدد، فقد أدت العمليات الإرهابية المستمرة إلى دفع الحكومة الفرنسية الى عدم الاكتفاء بالجهود الأمنية والعسكرية، لكن بدأت في تبني البعد الفكري والثقافي لمواجهة التطرف. ويمثل الميثاق مرحلة متقدمة في طريق الحداثة، التي لابد منها في ظل تطور المجتمعات وسيادة قيم تتناسب مع ظروف المجتمع، في خطوة متقدمة نحو بلورة خطاب ديني جديد يرتكز على الاستنارة وبلورة القيم والأفكار المعتدلة إلى جانب الإسهام في استقطاب شرائح مختلفة من المسلمين وإعادة هيكلة وبلورة أفكارهم ومعتقداتهم بما يتناسب مع المستجدات. ميثاق الامام يستهدف مجابهة الفكر المتطرف والمتشدد والمعادي للأفكار التحررية الأوروبية، ويتمحور الميثاق حول تصدير مفاهيم جديدة تتعلق بالتوجه المعتدل ومحاولة الربط بينه وبين مبادئ العلمانية داخل الجمهورية الفرنسية. مما سبق نجد أن التوجه الفرنسي نحو تنظيم الإسلام يرتبط بشكل كبير بمفهوم سيادة الدولة العلمانية والإبقاء على قيم التحرر وذلك في إطار مفاهيم وأبجديات الديمقراطية الغربية. وفي سياق متصل طالب 22 مثقفاً فرنسياً في رسالة مفتوحة موجهة للرئيس ماكرون، بحلّ اتحاد المنظمات الإسلامية، الفرع الفرنسي لجماعة الإخوان. وأشارت الرسالة إلى أن مراكز التعليم والتدريب التابعة للاخوان في فرنسا يشرف عليها علمياً يوسف القرضاوي، وأن هذه المؤسسات تمولها قطر وتركيا، التي تناصب فرنسا العداء. وكشف ماكرون عن تمويل ضخم وصل إلى أكثر من 35 مليون يورو للنشاط السياسي خصص لمسجد واحد يضم عشرات العملاء الذين يتجسّسون على معارضي أردوغان، وينشرون الفكر الإرهابي في أقصى جنوب غرب فرنسا بعدما حوّل الرئيس التركي المساجد إلى مقار سياسية تدعو إلى "العثمانية الجديدة" وتؤوي المتطرفين وتروّج لأفكار متشددة في المجتمعات الأوروبية، إضافة إلى إعداد وكتابة تقارير موجهة إلى حكومة أنقرة عن المعارضة التركية داخل القارة الأوربية.