الصلاة الخاطئة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام، تعبير عن أحد نتائج كوارث الأمة الثقافية والدينية، بسبب هجرها القرآن واستبداله بأقوال البشر، مصداقاً لقوله تعالى (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) الفرقان 30. وقبل توضيح طابع الشرك في الكيفية المغلوطة لهذه الصلاة، مصداقاً لقوله تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ) يوسف 106. يجب إيضاح مفهوم الصلاة في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل مطلقا يقول سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت 41، 42، فالصلاة وفقاً للتعبير القرآني هي "الصلة". ونبين ذلك بالأتي: أولا: دلالة الصلاة في التنزيل الحكيم. علينا التمييز بين صلاتين في كتاب الله، "الصلاة الشعائرية" التي تتضمن الركوع والسجود، وعلينا أن نتوضأ أو نتطهر لنقوم بها يقول سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ) المائدة 6، وهي تختلف عن "صلاة الصلة" التي ﻻ تحتاج الى وضوء أو إقامة، وهنا يجب أن نميز بين مصطلحين "المصلين" و"مقيمي الصلاة"، فبمجرد أن تذكر اسم الله فأنت من المصلين لقوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ) الأعلى 14، 15. وعليه فصلاة "الصلة" في كتاب الله تأخذ بحسب السياق أحد الدلالات التالية: الدلالة الأولى: الصلة بين المسلمين المؤمنين من ملة محمد عليه الصلاة والسلام، وبين الله تعالى. وتأخذ طابعين، الأول: صلاة الشعيرة التعبدية من قيام وركوع وسجود وهي صلة التعبد والعبادية، بإقامة فريضة الصلاة، ودلالتها في كتاب الله "إقامة الصلاة" وتكررت بصيغها المختلفة حوالي 47مرة فلفظ (أقاموا الصلاة) تكرر حوالي 9 مرات، ولفظ (أقيموا الصلاة) تكرر حوالي 12 مرة، ولفظ (يقيمون الصلاة) تكرر حوالي 6 مرات، ولفظ (يقيموا الصلاة) تكرر حوالي 3 مرات، ولفظ (المقيمي الصلاة) تكرر مرة واحدة، ولفظ (مقيمين الصلاة) تكرر مرة واحدة، ولفظ (مقيم الصلاة) تكرر مرة واحدة، ولفظ (قاموا إلى الصلاة) تكررت مرة واحدة، ولفظ (قمتم إلى الصلاة) تكرر مرة واحدة، ولفظ (أقمتم الصلاة) تكرر مرة واحدة، ولفظ (أقام الصلاة) تكرر مرتان، ولفظ( فأقمت لهم الصلاة) تكرر مرة واحدة، ولفظ (أقم الصلاة) تكرر حوالي 5 مرات، ولفظ ( وأقمن الصلاة) تكرر مرة واحدة، ولفظ (إقام الصلاة) تكرر مرتان. والثاني: صلة الدعاء بقولك (يارب يا الله)، فعندما تقول "يارب" أقمت صلة بينك وبين الله وسيلتها وطابعها الدعاء (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر 60. وصلة المسلمين المؤمنين بالله هي صلة تسليم وإيمان وخضوع وانقياد واتباع لله ورسالته ورسله. الدلالة الثانية: الصلة بين الله وملائكته ونبيه عليه الصلاة والسلام. وهي تقوم على صلة الله برسوله بالتفضيل والاختيار والرحمة، وتشريفه لرسوله بحمل النبوة والرسالة الخاتم للناس كافة والعالمين، يقول سبحانه (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب 56.(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء 107،( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)سبأ 26. وصلة الملائكة به هي صلة حمل الوحي له من الله. الدلالة الثالثة: الصلة بين الله وملائكته وكل المؤمنين. وهي صلة الرحمة بإخراجهم من الظلمات إلى النور، وعمودها الهدى وقائمها الرحمة، وتقوم على الرحمة بالرسالة، والهدى بإخراج المؤمنين من الظلمات للنور، وليست مقصورة على طبقه منهم أو جماعة الآل والأصحاب، كما يظن البعض بل هي صلة لكل المؤمنين يقول سبحانه (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) الأحزاب 43. الدلالة الرابعة: الصلة بين المسلمين المؤمنين من ملة محمد عليه الصلاة والسلام، وبين إخوانهم المؤمنين برسالة محمد، وبين المسلمين المؤمنين من ملل دين الإسلام الأخرى (اليهودية والنصرانية) وغير المسلمين. وتقوم على منظومة القيم الإنسانية، التي أتمها وأكملها الله، في رسالته الخاتم، وعلى العيش والتعايش، والتعارف والقبول بالآخر، ولأهمية هذه الصلاة "الصلة" نجد الكثير من الآيات والوصايا الدالة عليها، في كتاب الله، فسورة الماعون مثلاً تؤكد أن الويل، هو مصير الساهون عن هذه الصلة، و تاركها مكذب بدين الله، وذكرت صفات الساهون عن هذه الصلة، بأنهم مكذبين بالدين، يَدَعُّون اليتيم، ولا يحظون على طعام المسكين، ويراءون، ويمنعون الماعون، ويؤكد صلاة الصلة قوله سبحانه في سورة القيامة (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ * وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ) القيامة 31، 32، فمعاكس الصلة هو التولي وعدم التواصل. الدلالة الخامسة: الصلة بين المسلمين المؤمنين من أمة محمد، وبين نبيهم ورسولهم محمد عليه الصلاة والسلام. وهي صلة تسليم وإيمان، وخضوع وانقياد، واتباع لرسالته التي بلغها عن الله، تصديقاً لقوله تعالى ( مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) المائدة 99، (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة 67، وهي ليست صلة سلام وتحية كما يظن البعض، فالسلام ليس سلام تحية كما يفهم الكثير بل تسليم اذعان وخضوع، يقول سبحانه موضحاً هذا الأمر (- - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب 56. (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء 65. وهنا علينا التمييز بوضوح، بين صلتنا بمحمد الرسول، ومحمد النبي، فصلتنا بمحمد الرسول تكون من خلال تأدية الشعائر، "إقامة الصلاة" و"صوم رمضان" و"إيتاء الزكاة" و "الحج" وغيرها، واتباع الاوامر والنواهي، وتجنب المحرمات، وممارسة القيم، وهي ثابتة لا تتطور مع تطور الزمان، بينما صلتنا مع محمد النبي، مرتبطة بمعجزة نبوءات القرآن الكونية والمعرفية والإنسانية، إذ علينا سبر غورها وعلومها وقوانينها، وتسخيرها لإقامة الاستخلاف، وهي صلة متطورة ومتغيرة تبعا للزمان والمكان، ومكان ادائها مراكز البحث العلمي والمعرفي لمختلف العلوم، والجامعات والبرلمانات. الدلالة السادسة: الصلة بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين المسلمين المؤمنين به ورسالته من ملته. وهي صلاة "صلة" أي رحمة وسكينة، كونه حمل لهم رسالة نجاتهم ورحمتهم وفوزهم، في الدنيا والآخرة، يقول سبحانه (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة 103. ثانيا: كيفية الصلاة على النبي كما أمر الله. عندما يريد المسلمون المؤمنون من أمة محمد الصلاة على النبي يقولون "اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد" ويزيد البعض " اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا". دعونا نناقش هذه الكيفية في الصلاة على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، والتي هي من مظاهر الشرك بالله، والجهل المطبق بكتاب الله، ودليل هجره، فالله يقول وقوله الحق (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب 56. الآية واضحة صريحة والكل يحفظونها، فالله سبحانه يصلي "فقط" ولا يسلم، وكذلك ملائكته "يصلون" فقط ولا يسلمون، ونحن المؤمنون فقط الذين نصلي ونسلم تسليماً على النبي، لأن السلام والتسليم هو الانقياد والاتباع والخضوع وفقاً لنص الآية. فلا يمكن دينا وعقلاً ومنطقاً، أن يخضع الله سبحانه وينقاد، لمخلوق خلقه ونبي بعثه، وكذلك ملائكته الذين ينقادون لله فقط ويطيعونه، ولهذا فقولنا الذي تعودنا عليه ومدون في التراث هو نوع من الضلال والشرك وهجر القرآن. ولذا عندما نريد القول بأن الله يصلي على محمد نقول (صلى الله عليه) فقط، بدون السلام والتسليم من الله، فهذا قول مخالف لدين الله الحق، فالله لا يخضع ولا ينقاد ولا يتبع نبيه ومخلوقه، وعندما نحن نصلي عليه نقول (عليه الصلاة والسلام والتسليم). وصلاتنا وتسليمنا وسلامنا له هي "صلة" اتباع لرسالته، والخضوع لتعاليمها ونهجها ومنهجها، الذي بلغه وهو القرآن، الحامل لمعجزته الخالدة، لكل زمان ومكان، منذ بعثته حتى قيام الساعة، فهو المنبئ بقوانين الوجود الكوني والإنساني، والتي تتجدد في كل وقت وكل زمان ومكان، ليشهدها كل الناس تصديقاً بكونه رسول من الله وخاتم الأنبياء والمرسلين، يقول سبحانه (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فصلت 53. (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) الأنعام 67. (هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) الجاثية 20. فهو كونه الرسول والنبي الخاتم لكل الناس وحتى قيام الساعة لا يحتاج لمعجزات مرتبطة بزمانه ومكانه، مثل بقية الرسل والأنبياء الذين سبقوه، فهم ارتبطوا بقومهم وزمانهم ومكانهم، ومعجزاتهم وقتية لزمانها ومكانها، عكس معجزته عليه الصلاة والسلام "القرآن" التي فيها إنباء بالماضي والحاضر والمستقبل، ومستمرة حتى قيام الساعة. ثالثا: قول في الصلاة الإبراهيمية. كل صيغ التشهد في الصلاة، المنقولة والمروية، لم تتضمن الصلاة الإبراهيمية التي تعرف بالتشهد الثاني، وفيها ذكر الصلاة والتسليم على محمد والآل والأصحاب، وهي التي أدخلت الأمة نفق الشرك بالله، وهي مخالفة لنصوص كتاب الله كما أسلفنا، ويجب توضيح أنها اجتهاد من الشافعي رضي الله عنه وليست من الدين، ولا من الصلاة، التي علمنا رسول الله، فهناك تسع صيغ لروايات التشهد، مدونة في كتب الحديث، وكلها ليس فيها التشهد الأخير، المعروف بالصلاة الإبراهيمية، وهي الصيغ التالية: تشهد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وتشهد عمر بن الخطاب، وابن عباس، و ابن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وابي موسى الاشعري، وابن عمر، رضي الله عنهم جميعاً. وواجب المسلمين المؤمنين من أمة محمد، عدم هجر القرآن، وتصحيح مفاهيم الفقه المغلوط وهي كثيرة، كالإمامة، وآل محمد، وأهل البيت وغيرها، والتي أدخل بعضها الأمة نفق الشرك، والبعد عن دين الله الحق، وقادتهم أخرى نحو الحروب والكراهية، وأخرى نحو التخلف والبعد عن الحضارة والاستخلاف، وأخرى قادتهم نحو التطرف والإرهاب، وهذا هو قانون تغيير الأنفس المنقذ لنا من هذا الضنك والحرب والدمار والتخلف الذي نعيشه. عبده سعيد المغلس 10 سبتمبر 2021م