أثار قانون الأحوال الشخصية، المعروف ب”قانون الجعفري”، الذي أقره مجلس الوزراء العراقي، في 25 فبراير/ شباط الماضي، وأحاله وزير العدل حسن الشمري (العضو بحزب الفضيلة الشيعي) إلى مجلس النواب، جدلاً واسعًا في المجتمع العراقي، حيث انقسم الناشطون والمواطنون تجاهه بين مؤيد ومعارض. وتنص مسودة القانون على أن “الفقه الجعفري في الشريعة الإسلامية، هو الحاكم للعراقيين (الشيعة) في الأحوال الشخصية، مثل الزواج، والطلاق، والمواريث، والتبني”.
كما أن القانون يهدف إلى تأسيس قضاء شرعي جعفري، يفصل في الخصومة بين المتخاصمين وإنهائها وفقًا للفقه الجعفري الشيعي. وبموجب مسودة القانون، فإن سن بلوغ الفتاة يكون في التاسعة من عمرها، وتكون مؤهلة للزواج عند بلوغها هذا السن. كان العراق، شهد خلال الأيام الماضية، عدة تظاهرت معارضة وأخرى مؤيدة لمشروع القانون، الذي لم يُقره البرلمان بعد، وسط حالة من الجدل في الشارع العراقي، وفي مختلف وسائل الإعلام.
ناشطات ومنظمات مجتمع مدني، هاجمن القانون، ووصفوه بأنه “ينتهك حقوق المرأة والطفل على حد سواء”، مؤكدين أنهم “سيعملون بكل ما في وسعهم؛ لعدم تمرير القانون”.
الناشطة في مجال حقوق المرأة، هناء إدوارد، اعتبرت أن القانون “انتهاك لحقوق المرأة، والاتفاقات الدولية، التي وقعها العراق وجريمة بحق الطفل”، مشيرة إلى أن المنظمات العراقية المهتمة بحقوق المرأة “ستقف ضد القانون”.
وقالت إدوارد لوكالة الأناضول: “هذا القانون جريمة ضد الإنسانية، وانتهاك للطفولة البريئة، ويجب منعه”، مشيرة أن “من ضمن فقرات القانون، أنه لا يحق للمرأة العمل إلا بإذن زوجها، وكذلك لا يحق لها التزوج إلا بإذن الأب أو الجد، ومن حق الزوج طلب المرأة جنسيًا في أي وقت شاء”.
وأضافت إدوارد “القانون يعد خرقًا للاتفاقات التي وقعها العراق بشأن حقوق الطفل، والمرأة، ومدمر للنسيج الوطني الاجتماعي القائم على الزواج المختلط (بين أتباع المذاهب، والديانات المختلفة)، وإعطاء رجل الدين صلاحية فوق سلطة القضاء”.
ويخشى المعترضون على القانون، أن تتجه المذاهب الأخرى، إلى تشريع قوانين خاصة بها وهو ما سيسبب فوضى في القوانين. فاطمة حسن، أم لفتاة تبلغ من العمر عشر سنوات، قالت للأناضول: “أنا غير مستعدة لزواج ابنتي، إلا بعد أن تكمل 18 عامًا على أقل تقدير، ولو تم إعطائي مال الدنيا”.
وأضافت “بعض فقرات قانون الأحوال الشخصية (الجعفري)، حسب ما سمعت عنه غير قابل للتطبيق خاصة الفقرات التي تخص زواج البنت ذات التسع سنوات”.
وأوضحت “ابنتي لم تكمل دراستها الابتدائية بعد، تذهب مدرستها صباحًا لتلعب مع زميلاتها، فهي لا تعرف سوى اللعب، ولا تعلم شيئًا عن الزواج.” النائبة سوزان السعد عن كتلة الفضيلة المنضوية ضمن التحالف الوطني، (الكتلة الشيعية الأكبر في البرلمان العراقي وصاحب الأغلبية النيابية)، أكدت أن “القانون مطابق للدستور، وسيتم تشكيل لجنة من الفقهاء والعلماء لدراسته، وللمواطن حرية الاحتكام للقانون الذي يرغب به سواء القانون السابق أو الحالي”.
وقالت السعد لوكالة الأناضول “هذا القانون مطابق للدستور في مادتيه 17 و41، وبذلك ستكون هناك حرية للمواطن للاحتكام بأي من القانونين، إما بقانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 188، أو القانون الجعفري، الذي سنعمل على تشريعه، وهذا هو أساس الديمقراطية”.
وأشارت النائبة إلى أن “هذا القانون سيكون عليه الكثير من التعديلات، والمقترحات من خلال تشكيل لجنة من العلماء والفقهاء في المرجعية الدينية في النجف، وكذلك ممثلين من مجلس النواب”.
وأوضحت السعد أن “قانون الأحوال الشخصية رقم 188 النافذ الذي شرع في عام 1959 أثار حفيظة العلماء في النجف الأشرف، لاسيما لوجود مواد تتنافى مع أحكام الفقه الجعفري”.
وتنص المادة 17 من الدستور العراقي “لكل فردٍ الحق في الخصوصية الشخصية، بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين، والآداب العامة”.
فيما تنص المادة 41 من الدستور على “العراقيون أحرارٌ في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم، أو مذاهبهم، أو معتقداتهم، أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون”.
كانت وزيرة الدولة لشؤون المرأة، ابتهال كاصد الزيدي، قدمت الجمعة الماضي اعتراضا قانونيا على مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري، إلى مجلس الوزراء، وطالبت المرجعية الدينية “بحماية المرأة، والأسرة العراقية من التصدع″، بسبب ما اعتبرته “تعددا للقوانين، وتعارضها”، ودعت الكتل السياسية إلى “عدم زج قضية المرأة في خلافاتهم”.
الأممالمتحدة من جانبها، دخلت على خط الأزمة، وأعربت البعثة الأممية في العراق (يونامي)، السبت الماضي، 8 مارس/ آذار، عن قلقها من تبني العراق قانون الأحوال الشخصية الجعفري، وأكدت في بيان أنه سيسهم في “تفتيت الهوية الوطنية، ويعرض وحدة التشريع الوطني للخطر”، ودعت مجلس النواب العراقي إلى “مراعاة القوانين الدولية، التي تحمي حقوق المرأة، في حال تشريع مثل هذه القوانين”.
إلا أن محمد اليعقوبي أحد كبار مراجع الدين والزعيم الروحي لحزب الفضيلة (شيعي)، وداعم للقانون، هاجم رئيس بعثة الأممالمتحدة في العراق ميلادينوف، بشأن ما وصفه بحق “الأغلبية الشيعية في العراق، في العمل بما يعتقدون بخصوص الأحوال الشخصية”.
وفي بيان نشره على موقعه الإثنين 10 مارس/ آذار، واطلعت عليه وكالة الأناضول، قال اليعقوبي إن “كلام ميلادينوف مريب، وغريب، حيث يصطف مع أفراد قلائل من الذين عندهم مشكلة مع الدين، والتدين، ويدير ظهره لمطلب الملايين من أتباع المذهب الجعفري” على حد قوله.
وصدر أول قانون للأحوال الشخصية في العراق رقم 188 في عام 1959، واستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية، مستخلصًا فقه المذاهب الإسلامية الأربعة.
إلا أن القانون لم يبق على حاله بل طرأت عليه تعديلات كثيرة، كان أولها عام 1963، ثم توالت التعديلات في السبعينيات، والثمانينيات، وأضيفت بموجبها مبادئ جديدة، أغلبها ينصف المرأة، باستثناء ما كان منها ذا طابع سياسي.
وصدر قرار 137 من مجلس الحكم الانتقالي الذي تولى جانبًا من إدارة العراق عقب سقوط الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، يقضي بإلغاء قانون الأحوال الشخصية، ويعيد العمل بالقضاء المذهبي، إلا أن القرار ألغي بعد صدوره بفترة وجيزة (عام 2004).
ويبقى التساؤل مطروحًا هل يكون مشروع القانون الجديد المطروح، في نسخته الحالية، على البرلمان، انتصارًا للطائفية أم استجابة لواقع يعيشه العراقيون؟(الاناضول)