كان الأنصار يعاملون قيس بن سعد بن عبادة على حداثة سنه كزعيم.. وكانوا يقولون:" لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا".. ذلك أن إبن زعيم الخزرج كان أجرداً، ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عُرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال يتوّجون بها وجوههم. هذا الصحابي الجليل من أجود بيوت العرب وأعرقها.. البيت الذي قال فيه الرسول الأكرم (ص) " إن الجود شيمة أهل هذا البيت".. وحين كان قيس، قبل الإسلام يعامل الناس بذكائه كانوا لا يحتملون منه ومضة ذهن، وكانوا يحسبون لدهائه ألف حساب ، فلما أسلم، علّمه الإسلام أن يعامل الناس بإخلاصه، لا بدهائه، وقرر بالإسلام تنحية دهائه جانباً.. وصار كلما واجه موقفاً صعباً، يأخذه الحنين إلى دهائه الذي لا يخلو من مكر، فيقول عبارته المأثورة: " لولا الإسلام ، لمكرتُ مكراً لا تطيقه العرب"...!! ولقد وقف سعد يوم صفين مع علي ضدّ معاوية.. وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يمكن أن يقضي بها على معاوية وجيشه ، بيد أنه يتفحص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيء ، ثم يذكر قوله تعالى: ( لا يحيق المكر السيء إلا بأهله).. فيهبّ من فوره مستنكرا، ومستغفرا، ولسان حاله يقول" والله لئن قدّر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا"..!! تبدو هذه القصة مثالية للغاية بالنسبة لكثير من الواقعيين أو الوقائعيين ، ولكن هل تبدو كذلك أيضاً بالنسبة لرجال الدين ؟ ، ياترى هل يستطيع وعاظ السلطان ممن اختاروا الدفاع عن طاعة ولي الأمر على حساب طاعة المولى عز وجل ، وطاعة المخلوق على حساب طاعة الخالق كما أصدروا فتاوى الحرب ضد الوطن والشعب في محطات كثيرة كفتوى حرب 94م الشهيرة وكذلك حروب صعدة هل يستطيعون اليوم أن ينهضوا باستفاقتهم المعهودة ليواجهوا فضائح ويكليكس التي كشفت حقيقة ولي الأمر ، إنهم اليوم مدعوون لإصدار فتوى تنقذ الحاكم المتهالك وتطيح بويكليكس ، وليقولوا مثلاً أن (الكذب ملح الرجال) حديث صحيح أخرجه "العليمي" من جامعة صنعاء إلى جامعة الإيمان . إننا نتفق مع الأستاذ الكبير عبد الباري عطوان حينما أشار في مقال له مؤخراً إلى نظرية المؤامرة والنوايا التي تكمن وراء نشر مئات الآلاف من وثائق الخارجية الأمريكية وفي هذا التوقيت بالذات وأن هناك "أجندات واضحة خلف هذه التسريبات أبرزها توريط زعماء عرب في الحرب مع إيران، وإذكاء نيران حرب طائفية سنية - شيعية، أو عربية - فارسية في المنطقة"، (وقد بدت واحدة من مؤشراتها في صعدة والجوف مؤخراً ) بيد أننا نتفق مع عطوان أيضاً أن هناك "نقاطاً ايجابية عديدة تستحق التوقف عندها لاستخلاص الكثير من الدروس والعبر" ، ولا يمكن إغفالها لمصلحة نظرية المؤامرة التي سيستعين بها الوعاظ كعادتهم في التبرير لولي الأمر، ومن الحقائق أو الفضائح فيما يخص الشأن اليمني أننا شئنا أم أبينا قرأنا عن خيانة عظمى للشعب والوطن في ثنايا هذه الوثائق التي أكدت أن قتل المواطنين الأبرياء العزل في المعجلة وغيرها كان عملاً أمريكياً بغطاء يمني وبتسهيلات قل نظيرها وقد قال الحاكم –حسب الوثائق- (سنستمر بالقول القنابل قنابلنا وليست قنابلكم )، وهنا يجتمع القتل العمد مع انتهاك السيادة مع الكذب الذي يحتاج اليوم إلى فتوى دينية بأنه ملح الرجال حقاً. ولعلنا أحوج ما نكون إلى فتوى أخرى من رجال الدين الذين اختاروا كتاب (رجال حول الرسول) ليكون موعظتنا المبكرة حينما كنا في الصفوف الدراسية الأساسية وليقولوا لنا اليوم بأن قيس بن سعد بن عبادة شيء من الماضي البائد ، تماماً كما أفتى العلامة الزيدي الكبير مجد الدين المؤيدي رحمه الله وغفر له ذات يوم بأن الإمامة الزيدية من البطنين وهي أحد أهم شروط الإمامة ال 14في الزيدية شيء من الماضي الذي اندثر .. هكذا إلى أن اندثرت الهاشمية والزيدية على العموم وباتت هدفاً للسلطة وأسيادها ، وكذلك الشافعية من قبل حينما تحولت "نصعاً" لهم منذ ثمانينات القرن الماضي بغية تحويل إيماننا إرهاباً وحكمتنا سفهاً وتعايشنا حرباً واقتتالاً ، وسبحان ربي وربك عما يصفون ، وهو القائل في محكم كتابه العزيز : ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) . [email protected] عن صحيفة اليقين الأسبوعية