شدتني بساطة تناول الاستاذ عبد الرحمن بجاش لموضوع هام وخطير يتعلق بالامن الغذائي . واقصد بذلك مقالة الرائع المعنون ( أخضر ويابس و "ذكر") نشر في صحيفة الثورة الغراء . اوضح فيه استنادا الي تقرير الزميل احمد الطيار الهوه الواسعة بين حجم الاستهلاك السنوي لمنتوج الثوم والمقدرة كميته ب 14 الف طن في حين لاتتجاوز كمية المنتج محليا منه 4000طن في احسن الاحوال حيث من البديهي الاستنتاج ان الفارق بين المنتج والمستهلك والمقدرة كميته ب10الف طن يتم تغطيتها عبر الاستيراد . ورغم سخرية الاستاذ عبد الرحمن بجاش في نهاية المقال وقولة " ستشمون قريبا الكبزرة الصيني " فقد بدأت اسمع رنين ناقوس الخطر الذي بدأ يدقه لنا محذرا من تناقص الانتاج الزراعي لكثير من المنتوجات الزراعية يوميه الاستهلاك كالخضار والقواكه . فوجدت نقسي اكرر السؤال ذاته " لماذا لا اتمحك به واساهم " والقصد من مساهمتي ان لايتوقف رنين الناقوس. ان تناقص الانتاج الزرعي لبعض المحصولات نتج لأسباب عديدة ونحن هنا لسنا بصدد التطرق لها كلها ولكننا سنبحث في اهمها من وجهة نظرنا ألا وهو تقلص المساحة المخصصة لزراعة الخضار والفواكة والحبوب بانواعها والتي يتحكم بها اسباب عديدة لكننا سنركز على سببان رئيسيان منهما لاعتقادنا بانهما الاهم . أولهما يمني بامتياز فاليمن لها خصوصيتها في كثير من المجالات حتي في مشاكلها . والاخر سبب عام تشترك به كثير من الدول غنيها وفقيرها متقدمها وناميها . فاولهما القات والاخر العمران . القات فاما القات فحكايته حكاية فهو ذلك العدو الذي يحاربة الكثيرون ولكنهم في قرارة انفسهم لايتمنون هزيمته والقضاء عليه نهائيا . وقد اعجبني التصريح الذي ادلي به وزير الزراعة والري د. منصور احمد الحوشبي لوكالة الانباء اليمنية "سباء " حيث يؤكد وبكل قوة ان "( القات مشكلة وكارثة اقتصادية اصبح ينافس وبشدة زراعة المحاصيل الزراعية الاخري كالفواكه والحبوب اللازمة لتوفير الامن الغذائي وتقليص الفجوة الغذائية لليمن ..... ) وعزا اسباب انتشار زراعة القات في اليمن علي مساحات واسعة الي العائدات والارباح الكبيرة التي يجنبها المزارعون من القات . تصريح الوزير رائع فقد شخص المشكلة بكل وضوح وسيتضاعف اعجابنا وتقديرنا له لو وجد الحلول لهذة المعضلة علي ان لا تكون مجرد مقترحات وافكار واراء وقرارات وتوصيات وتصريحات تحبس في الادراج ، بل يقرن كل ذلك بالسعي الجاد لايجاد آلية لتطبيقها علي ارض الواقع بالتنسيق مع كل الجهات الحكومية على ان نقوم الحكومة وقبل ان تطلب من المزارعين شيئا بالايفاء بمسؤوليتها في دعمهم وتشجيعهم وتحفيزهم للخلاص من شخرة القات الذي اكدت الدراسات زيادة مساحته المزروعه خلال العقود الثلاثة المنصرمة لأكثر من 18ضعفا وبما يعادل 25%من الاراضي الزراعيه المرويه جاءت هذه الزيادة على حساب الاراضى المخصصة لزراعة المحاصيل النقدية كالبن وايضا المنتوجات الزراعية الاخرى كالحبوب والخضار والفواكه . وقد ترتبت كثيرا من الاضرار نتيجة توسع مساحات زراعة القات : نتج عنه تقلص الرقعة الزراعية للمحاصيل الاخرى واستنزاف كميات كبيرة من المياه مما يؤثر بشدة علي مخزون البلد من المياه الجوفية والتى تشير كثيرا من المؤشرات الي اننا اصبحنا علي مشارف خطر داهم اذا لم نتدارك الامر . ايضا عدم تمكن القطاع الزراعي من تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية والحبوب الامر الذي ادى الى توسع الفجوه الغذائية بين الانتاج والاستهلاك وكذلك تدهور الاصول الوراثية لكثير من المحاصيل الزراعية وأهمها البن والعنب والحبوب نتيجة لتركيز اهتمام الفلاحين بشجرة القات واهمالهم لما عداها الامر الذي يبدو واضحا في مناطق زراعة البن والعنب حيث قدرت اصناف العنب المعروفة في نهاية عقد الستينات من القرن الماضي بأكثر من اربعين صنفا في حين لم تتعدى الاصناف التي تم رصدها في اسواق صنعاء مؤخرا بعشرين صنفا . كذلك انحسار الاصول الوراثية لمحاصل الحبوب نتيجة تدهور المعارف المحلية في تنقية وانتخاب والحفاظ على هذه الاصناف بسبب تقلص المساحات المزروعه بالحبوب وايضا تغير التركيب المحصولي لكثيرمن المناطق الزراعيه التي تمتاز بخصوبة اراضيها والجوده العالية لمنتوجاتها الزراعية . نذكر منها منطقة السحول ،رداع، وادي الحار وقاع جهران والذي كان يعد بمثابة سله الغذاء لليمن وقاع شرعة وقاع الحقل وقاع البون ،وقاع..... كل هذه المناطق وغيرها كثيرنافسها القات بصور واضحه واحتل جزئيا او كليا المساحات التي كانت مخصصه للحبوب والفواكه والخضروات . اما السبب الاخرهو العمران ان تحسن اوضاع االرعاية الصحية وانتشارها في عموم الوطن ادى الي ارتفاع معدل النمو السكاني والذي يعتبر من أعلي المعدلات على المستوى العالمي ،هذا النمو المتسارع للسكان يجعل الحيز المتاح من المساحه المخصصة للسكن غير كافية الامر الذي حدى بالسكان للتوجة بالبناء في المناطق المجاورة لمناطقهم الاصلية والتي هي عبارة عن مناطق زراعية . تعد مدينة صنعاء مثالا حيا لما ذكرنا حيث شهدت المدينة توسعا عمرانيا كبيرا على حساب الاراضي الزراعية الخصبة وزاد الزحف العمراني في السنوات الا خيرة بنسبة كبيرة حيث أصبحت معظم اراضي المنطقة مليئه بالابنية الاسمنتية والبيوت السكنية بعد ان كانت اراضى زراعية خصبة يعمل بها معظم سكان المنطقة متمتعين بالاكتفاء الذاتي من الحبوب والخضار والفواكه اما الان فقد وفرت الاسواق للسكان هذه المنتوجات مما ادى بهم للاستغناء عن الزراعه ووجدوا ان بناء المحلات والمنازل وتاجيرها يوفر لهم دخلا افضل من دخلهم من الزراعه مما شجع وضاعف الزحف العمراني علي الاراضي الزراعية وبدأت تظهر مباني خرسانيه تشوه الطابع المعماري للمدن القديمه. ان تحول الرقعة الزراعية الي سكنية أدي الي ظهور مخططات غير متوافقة مع المخطط العام مما أدى الى العشوائية وهي قد تكون منتظمة مع نفسها جزئيا لكنها بالتاكيد مختلفة جماعيا الامر الذي يستدعي ضرورة وجود مخطط مستقبلي للمدينه يستوعب تطور التغيرات في المدنية . ويعد هدرا للجهد الشاق الذي بدله الاجداد لانتزاع الأرض الزراعية من قلب الصخر الأصم حيث تمتاز اليمن بخاصية فريدة تتمثل بأنتشار الأراضي الزاعية على الجبال على شكل مدرجات بذل الاجداد جهودا جبارة في بناء هذه المدرجات وشكلت طريقتهم للعيش تحديا للطبيعه الجغرافيه القاسية وأن انشاء العمران على هذه المدرجات لايسمح باي حال لتعويض الأراض الزرعاية المفقودة. أن مشكلة الزحف العمراني على الأراضي الزراعية عالمية وتعاني منها جميع دول العالم الفقيرة والغنية واصبحت تشكل تحديا لمعظم دول العالم وخاصه الناميه منها والتي يتزايد عدد سكانها بمعدلات مرتفعة وما يتبع ذلك من ضغوط على الموارد وبخاصة الأراضي الزراعية المحيطة بالمدن لذلك من الواجب اتباع التخطيط العلمي السليم للوصول الى حلول يمكن ان يؤدي للحد من الزحف العمراني على الأراضي الزراعية ومثالا لهذه الحلول: التوسيع الراسي للمباني ووضع قوانين تنظم حدود المدن وانشاء ادارة متخصصة تتولى الضبط والسيطرة على امتداد العمران ومنع اقامة اي منشأت صناعية على الأراضي الزراعية وبناء التجمعات السكنية الجديدة بعيدا عن مواقع المدن الحاليه في مناطق غير منتجة ومنع اعطاء رخص بالبناء على الاراضي الزراعية وتشجيع العمل بالزراعة وعدم اهمال الاراضي الزراعية. ان اي رؤيا لواقع زراعي مؤثر ايجابيا في منظومه الامن الغدائي تتطلب اجراء مسح طبوغرافي لكل المناطق الزراعيه في عموم اراضي الجمهوريه اليمنية لحصر وتصنيف الاراضي الزراعية حيث يجب ان يكون من اولويات مهام وزارة الزراعه ومكاتبها في المحافظات وادارات الزراعه في المديريات المختلفة ان تكون على علم كامل بمواقع الاراضي الزراعية ومساحتها وبالتالى تقسيمها الي درجات وفقا لخصوبة الارض. ان خسارتنا لاي مساحة زراعية لصالح القات او العمران لايمكننا تعويضها فلا توجد اي تكنولوجيا قادرة علي معالجة مشاكل خصوبة الارض كما ان الاراضي المستصلحه لايمكن ان تكون بديلا للاراضي الخصبة التي خسارناها .