لوحظ خلال الفترة الماضية ان السعودية دخلت على خط قضية الجنوب بقوة واستعانت بكل الجنوبيين الذي تستطيع من خلالهم ان تمرر ما تريده وان يكن لها موضع قدم في الاستحقاقات القادمة بشان القضية وارتكزت في نشاطها على عدة شخصيات وقوى مؤثرة وهي: العطاس حيدر أبوبكر العطاس كان قبل الوحدة اليمنية رئيس مجلس الشعب الاعلى في الجنوب وهو مجلس تشريعي يتم انتخابه شكليا ويتبع قرارات وهيمنة الحزب الاشتراكي اليمني وبعد الوحدة اختير اول رئيس للوزراء في الدولة الجديدة واثناء حرب 1994م كان خارج البلاد ولكنه وقف في نفس اتجاه الموقف الجنوبي الداعي لفك الارتباط ونشط دبلوماسيا في هذا الاتجاه رغم فشله في تحقيق أي مكاسب دبلوماسية لأجل الجنوب آنذاك ولهذا اعتبرته صنعاء ضمن قادة الانفصال في صحيفة الحكم المنطوقة لنظام صنعاء بإعدامه ضمن ال 16 قيادي جنوبي محكوم عليهم بالإعدام وبعد فشل الجنوب في الحرب كان من مؤسسي حركة موج مع السيد عبدالرحمن الجفري والتي فشلت بعد ذلك نتيجة لعدم وجود الايمان الحقيقي في النضال لأجل الجنوب ومن يومها وهو يعيش في السعودية وتحت كنفها ورعايتها ومنها ينطلق الى أي بلاد اخرى لإصدار تصريح او بيان او لقاء صحفي بحكم التزام السعودية بعدم قيام أي نشاط سياسي تجاه اليمن . ومواقفه تذبذبت بين فك الارتباط واصلاح مسار الوحدة والفيدرالية غير المشروطة والولاء للحزب الاشتراكي اليمني والفيدرالية المشروطة . وفي مؤتمر القاهرة – الاخير - لقوى الفيدرالية او ممكن نسميه المطالبين بالفيدرالية "المشروطة باستفتاء بعد مدة لا تتجاوز خمس سنوات" كان حيدر أبوبكر العطاس هو رجل السعودية في هذا الجانب بل هو زعيم هذا الاتجاه وهو المعروف بانه لا يستطيع ان يتحرك الا برضى السعودية ودعمها وبتنسيقها مع الطرف اليمني وهو ايضا ما يؤكده بنفسه ان السعودية ترى الفيدرالية بين الجنوب والشمال كأفضل الحلول للقضية الجنوبية رغم عدم وجود ما يؤكد ذلك علنيا من قبل المملكة. الجفري السيد عبدالرحمن الجفري هو زعيم حزب رابطة ابناء اليمن " رابطة ابناء الجنوب العربي سابقا" وهذا كما يقال عنه انه رجل السعودية في اليمن وقد ارسلته السعودية عام 1994م اثناء الحرب الاهلية ليكون في راس هرم القيادة الجنوبية التي اعلنت فك ارتباط اليمن وكان حينها نائبا للرئيس البيض الذي اعلن فك ارتباط الجنوب من طرف واحد مع صنعاء وكان معه في ذلك وبيده قيادة الجنوب في العاصمة الجنوبية عدن والمحافظات القريبة منها كون البيض كان في حضرموت لقيادة شرق البلاد لمستجدات استدعت تركه مدينة عدن. وبعد الحرب وهزيمة الجنوب كان من ضمن الذين هربوا وقد توجه الى السعودية ملجأه الدائم واسس مع مجموعة من الجنوبيين حركة " موج" كحركة جنوبية مناهضة لسيطرة الجمهورية العربية اليمنية على الجنوب ثم ما لبثت ان تفككت وانهارت لعدم وجود المصداقية في قيادتها . وفجاءة اعلن التوبة وعاد الى صنعاء بعد قرار الاعفاء عن حكم الاعدام ب16 قائد جنوبي أتهمتهم صنعاء بالانفصال عن الوحدة وعاد يمارس حياته السياسية مؤمنا بالوحدة حسب توجيهات السعودية ومتنقلا بين اليمن والسعودية واكثر اقامته كانت ومازالت في السعودية وخلال السنوات القليلة الماضية ظهر الجفري بمشروع جديد وهو الفيدرالية لليمن واقترح تقسيم اليمن الى عدة اقاليم ما بين 5 – 7 اقاليم فيدرالية لكل منها حكمها الذاتي وبعد فترة اتى بمشروع فيدرالي اخر وهو نظام الفيدرالية على اساس الشمال والجنوب بحدودهما السابقة لعام 1990م واستمر على ذلك وخلال الايام الماضية اثناء انعقاد لقاء اسطنبول بين الرئيس البيض وبعض القيادات الجنوبية المؤمنة بتقرير المصير تحرك الجفري من القاهرة الى اسطنبول في خطوة مفاجأة واعلن انه مع مطلب " تقرير المصير للشعب الجنوبي" في خطوة لم تكن متوقعة منه وبالفعل شارك في اللقاء واعلن موقفه الجديد . السلطان القعيطي السلطان غالب بن عوض القعيطي هو اخر سلاطين الدولة القعيطية اكبر امارات الجنوب العربي قبل الاستقلال والممتدة في حضرموت وكان قد هرب من الجنوب ابان الاستقلال الوطني للجنوب من الاستعمار البريطاني وتنقل ما بين السعودية وبريطانيا ولكن السعودية هي ملجأه الاساسي وفيها ترعرع ونما وكبر ولها يدين بالعرفان والجميل. بعد حرب صيف 1994م زار السلطان غالب محافظة حضرموت ووجد هنالك استقبالا غير عادي لدرجة اخافة نظام صنعاء لما يتمتع به في حضرموت من شعبية كاسحة وقد اثارت الزيارة حفيظة صنعاء كثيرا وعاد الى السعودية . وبعد انطلاق الحراك الجنوبي في الجنوب اليمني التزم السلطان الصمت رغم ما كان يصل عنه انه مع الحراك من خلال الجلسات الخاصة مع بعض الجنوبيين حتى ظهر بقوة في الفترة الاخيرة وقدم مشروع وثيقة سياسية لحل مشكلة الجنوب واليمن كان فيها صريحا في توجهه لاستقلال الجنوب ونالت الوثيقة اعجاب وتأييد ابناء الجنوب الغريب في الامر ان السلطان غالب القعيطي كان يخشى التصريحات او الجهر بمواقفه قبل فترة ليست بعيدة وفجاءة وتزامنا مع التحركات الاخرى كان واضحا وقويا في موقفه ولأول مرة يكتب تهنئة للجنوبيين بعيد الاستقلال اكد فيها التزامه بماجاء في وثيقته السياسية وبالطبع لن يستطيع ان يعلن ذلك الموقف من اراضي السعودية الا بموافقة السلطات هناك فالسعودية ملتزمة سابقا بعدم قيام احدا من اللاجئين اليها في أي اعمال سياسية تخص اليمن كما اعلنت ذلك مرارا – سابقا - اثناء ازمة تصريحات عبدالله الاصنج ضد نظام صنعاء. وبهذا لا يخرج السلطان عن الرغبات والتحركات السعودية بل وبموافقتها وتأييدها شخصيات اخرى لم تكن الشخصيات اعلاه هي الوحيدة التي رمت بها السعودية في اتون القضية الجنوبية بل اوعزت الى شخصيات اخرى ان تلعب ادوار مختلفة هي اقل شهرة ولكنها اخطر عمليا الشخصيات تلك تحركت في اتجاهين : الاتجاه الاول: قوى قبلية عن طريق زعماء قبليين ومشائخ التقت بهم السعودية اكثر من مرة وارادت ان يكونوا اذرعها الخفية في الجنوب مقابل ان تمدهم برواتب وهبات مجزية ويكونوا بنفس وضعية مشائخ اليمن الذين تغدق عليهم بالرواتب وتستخدمهم اداة ضغط على النظام وقوى احتياطية مؤثرة عند حدوث حروب او اخطار على الدولة السعودية وطبعا اختارت عدد من القبائل الجنوبية التي رات ان لها تأثير كبير في مجريات الاحداث . الاتجاه الثاني: اوعزت الى رجال مال جنوبيين او بالأحرى تجار ليتغلغلوا في داخل الحراك الجنوبي وخاصة العناصر الاستقلالية المؤثرة وعن طريق المال يزرعوا بوادر الشكوك وعدم الثقة بين تلك العناصر ومن ثم تتحول الى اتهامات ومكايدات واوعزت اليهم ان تمتد اذرعهم لكل مكان فيه قوى استقلالية لا ضعاف هذا الاتجاه او تطويعه وفعلا استطاع هؤلاء التجار بما اظهروه من دعم للحراك وما كتبوا عنه من رؤى استقلالية وما ابهروا البعض بالمال ان ينالوا ثقة البعض وامتدت اذرعهم الى المكونات السياسية الحراكية والى الاعلام الجنوبي والى الشخصيات المؤثرة القيادية والى المنظمات الشبابية الجنوبية والنسوية وخاصة من الشباب والنساء ذات التأثير الحقيقي في المجتمع ولهذا لم تستطع قوى الاستقلال ان تلتقي في مؤتمر وتحدد فيه خططها وبرامجها رغم انها متفقة على الهدف لكن الثقة تبددت ولهذا وجدت المشاكل فيما بينهم من اتفه الامور . ومن ثم .. بالطبع .. مشاكل الحراك وخلافات قادته ليست وليدة نظرية المؤامرة برمتها بل ان اسباب اخرى قوية معروفة اساسها جنوبي ويمني وراء المشاكل الحاصلة في الحراك الجنوبي ولكن ذلك لا ينفي وجود ايدي اخرى في الامر فالقضية الجنوبية ليست هينة التأثير على مجريات الاقليم والعالم خاصة ان مسرحها يقع على مقربة من اهم حقول النفط في العالم وتشرف على اهم ممر مائي لخط الملاحة التجارية والاستراتيجية العالمية. قد يسأل احدا ما، ما أهمية هذا الموضوع ولماذا تم طرحه ؟ نقول له ان ما يجري اليوم من تحركات واسعة ليست سهلة ونحن في المعمعة هذه بل نحن ميدانها ولابد ان ندرك ما يدور ونكون على حذر منه فكثير من كوادر وقيادات الحراك وقعوا في الخطاء نتيجة عدم ادراكهم بما هو مفروض في اطاره العام وبحثوا في امور خاصة واهتموا بإشكالات متخصصة وغابت عنهم الرؤية والمشهد العام واستطاع من اراد ان يجعلهم مجرد احجار في رقعة شطرنج لا يعلمون عن اتساعه الا بما هو مربعهم المنزويين فيه . قد ربما يستغل بعض الناس مثل هذا الموضوع لأجل المزيد من المكايدات وتوجيه الاتهامات للبعض واخرين يستغلون مثل هذا الطرح للحصول على مزيدا من الدعم من تلك الجهات. بقي الان سؤال هام يطرح نفسه واسئلة اخرى ملحقه به وهو لماذا كل ذلك؟ وماذا تريد الشقيقة الكبرى من الجنوب ولماذا هذا التحرك الواسع لها في الآونة الاخيرة وهل تحركاتها هذه مبنية على خطط مدروسة ام يسوده التخبط والارتباك ؟ هل اخيرا السعودية رات ان تؤيد مطالب الجنوب ام تعيده تحت سقف الوحدة ؟ هل لها مطامع اخرى مخفية ام انها تريد ان تطمئن للعلاقات مع الجنوب مستقبلا؟ هل تلك التحركات مفيدة للجنوب ام مضرة؟