النشيد الوطني أحد مكونات شخصية الدولة، وكذلك العلم الوطني، وكذلك الشعار الوطني. إنها رموز لكنها مؤثرات هامة في صناعة الواجهة التي يتم بها تعليب الدول في ظل التسويق الاجتماعي والعالمي للدولة الحديثة. وأي تتبع لهذه المكملات والرموز يمكن به استقراء تاريخ كامل. فهذه الرموز عادة لايتم اختيارها على عجل بل تنتج عن إرث تاريخي أو عن ملابسات واحداث قائمة. ولأن الناس هذه الأيام في اليمن لم يعد لهم شاغل سوى متابعة كل أشكال الندوات والمؤتمرات والمعارض والمهرجانات، والخطب، والاحتفالات بالذكرى الخامسة عشرة للوحدة اليمنية، فإني ككل القوم أتجه معهم للتفكير في هذه الدولة الجديدة وفي ملامحها المعاصرة. وأنا أتأمل هذه الدولة من زاوية موقعي كمواطنة حتى لوكانت حقوق النساء كمواطنات في هذه الدولة لا تزال منقوصة لخطأ في الفهم أو خطأ في التأويل أو خطأ في التفسير أو تعسف ليس له من مبرر سوى إرث الماضي المستمر. خلال حالة التأمل، استعيد بعض تجارب الدولتين السابقتين الذي استمدت الدولة الجديدة تراثها الموحد منه، فأجد مواقع كثيرة ليست مختلفة، وليس فيما يحدث اليوم بالمقارنة معها جديد. فمن خلال التحضيرات التي تقوم بها مؤسسة برامج التنمية الثقافية لمعرض رداء الدولة الأول الذي سينعقد في شهر أغسطس من هذا العام، لاحظت ما يمكنني طرحه هنا على القراء للتفكير. فالمؤسسة تنوي أن تضع ما تستطيع الحصول عليه من أعلام للدويلات التي قامت في اليمن منذ عام 1948م وحتى اليوم، وكذلك من طوابع بريدية، ومن عملات نقدية، بالاضافة الى ملابس القادة السياسيين باعتبار جميع هذه المكونات جزءاً من رداء الدولة. وكانت المفاجأة هي تلك التي تتعلق بالنشيد الوطني للدولة الجمهورية في الفترة من 1962 وحتى 1969م حيث لم نستطع الحصول على أي نشيد وطني سوى النشيد الوطني المصري الذي كان مستخدماً في تلك الفترة. النشيد بدون لائحة: قد نتفق على نوعية النشيد الوطني الحالي، وقد يعجب بعضنا وقد لا يعجب البعض الآخر. لكنه نشيد أساسي من مكملات شخصية الدولة. فلا يستطيع رئيس دولة الوصول الى مطار في العالم يتم فيها مراسم استقبال رسمي له دون أن يتم عزف هذا السلام أو هذا النشيد كجزء من مراسيم الاستقبال. وكذلك يحدث إذا زار بلادنا ضيف يمثل دولته على مستوى كبير. وكان العهد الذي عشته من عمري وأنا أعمل مذيعة في إذاعة صنعاء ثم في تلفزيون صنعاء قائماً على مجموعة من الطقوس تبدأ فيه البرامج أو البث الإذاعي أو التلفزيوني بما نسميه السلام الجمهوري -أي معزوفة النشيد الوطني. وكان ذلك يتكرر كل يوم في بداية البث وفي نهايته. ولا أدري إذا كان ذلك يتم بناء على قانون موجود أو على أعراف متوارثة من إذاعات أخرى في بلاد العالم وخاصة تلك التي نشأت بعد التحرر من الاستعمار وسميت بالدول الوطنية الحديثة. وطبعاً فإن كلمة السلام الجمهوري تعني التحية على طريقة النظام السياسي القائم الذي قد يكون جمهوريا أو غير ذلك. وكلمة النشيد الوطني تعني الغناء أو الإنشاد على طريقة أهل هذه أو تلك من البلدان والأوطان. أغنية الوطن: عندما كنا في المدارس كان نشاط اليوم يبدأ بالطابور المدرسي الذي نحيي فيه العلم الوطني أو الجمهوري، ثم نردد فيه النشيد الوطني الذي كان يمثل أغنية الوطن الصباحية اليومية. وبالفعل فإن هذا النوع من الممارسة اليومية يترك أثراً على المدى الطويل لا يدركه المرء أو المرأة الا عندما يحدث ظرف مفاجئ في بلاد غريبة. فقد كنت ذات مرة خارج الوطن ودعيت لاحتفال شاركت فيه اليمن فتم البدء بعزف السلام الوطني اليمني، ووجدت نفسي دون أن ادرك، أردد الكلمات واللحن، والدموع تسيل على خدي. لم تكن دموعي حزناً ولا فرحاً بل كانت شجنا وشجى غمرني بوطن له رموزه التي تستدعي الى الذاكرة والقلب صورة ترتسم أحياناً دون رسام ودون إدراك بأهمية ما يتم غرسه في ذاكرة الأجيال، لكنها تتعمق حتى قرارة الوجود الإنساني للوعي. ترى هل يرى القراء أن الأمر يستحق التأمل. وهل لديكم أي معلومات عن أي نشيد وطني لأي من الدويلات التي كانت موجودة في اليمن خلال الاربعينات والخمسينات كجزء من ذاكرة الوطن، وجزء من التذكر دون تأثر. فالماضي ليس مطموراً بل مغموراً بنسيان متعمد، والنظر اليه بمقاييس اليوم يجرده من الوهم ويسمح بالانطلاق والتحرر منه باتجاه المستقبل. [email protected]