كيف تعد معرضا وتظل قادرا على الإبتسام! هذا هو واحد من عدد كبير من العناوين التي يقترحها جميع العاملين والمتطوعين في التحضير والإعداد للمعرض الوطني الأول لرداء الدولة ومكونات الهوية. فحكاية هذا المعرض وخطوات الترتيب له قاسية أحيانا وظريفة أحيانا أخرى الحد الذي سيجعلها جديرة بالنشر. تم إفتتاح المعرض صباح يوم السبت في تمام التاسعة صباحاً برعاية الدكتور عبد الكريم الإرياني والأستاذ يحي محمد عبدالله صالح والأستاذ خالد الرويشان. وقد تم الإفتتاح بدون أن يحضره وزير الثقافة والسياحة لإنشغاله، وبحضور الدكتور عبد العزيز المقالح مستشار رئيس الدولة للشؤون الثقافية. تم الأفتتاح على ما يرام بإمكاناته المتواضعة وقلة مصادره وبروح المتطوعين فيه المذهلة والمتحدية لكل الصعاب، وقلة ما في اليد. كانت الدكتورة ابتهاج الكمال قد انزعجت في لحظة ما أثناء حوار دار بيننا بشأن بعض ترتيبات تتعلق بالمعرض، ذلك انها هي القادمة من عالم الأعمال والبزنس الى عالم السياسة والحركة النسوية لم ترغب ان يكون في لهجتي تقبل لاحتمالات قد تبدو محبطة. وأنا المتفائلة دائما لم أكن محبطة في تقبلي لاحتمالات خارج حدود السيطرة، فهذا التقبل هو نوع من عمليات الدفاع الذاتي والاجتماعي المسبق لانعكاسات غير متوقعة تحدث عادة في البلدان التي تنوي النمو الحضاري فلا ينمو منها سوى عدد سكانها، ولا يكون في شهر أغسطس ناجحا فيها أكثر من حفلات الزفاف. لكن الدكتورة ابتهاج تعتقد ان الترتيب لمعرض رداء الدولة قد تم على أفضل ما يكون وبالتالي فنجاح خطواته مضمون الوصفة والتطبيق. دعونا نفكر على طريقتها وتذكروا جميعا أينما كنتم من قراء هذه الصحيفة انكم مدعوون للحضور الى هذا المعرض الواقع في بيت الثقافة بشارع القصر الجمهوري بصنعاء لما تبقى من الأيام العشرة للمعرض والتي قد تزيد في حالة تمديده كنتيجة للإقبال الجماهيري عليه. وتستطيعون إحضار أطفالكم وقريباتكم من النساء فالدعوة مفتوحة لكل المواطنين كي يفكروا معنا ويتأملوا في تاريخهم المعاصر منذ ايام الكيانات الصغيرة الممزقة التي خلقت أغلبها بريطانيا إلى أيام الوحدة التي حققناها ولكن العمل من أجل تثبيت دعائمها لا يزال يحتاج منا جميعا الكثير. ولهذا يجب ان يأتي الأطفال فقد تستمر المهمة على أكتافهم عندما يكبرون. يمن معاصر جدا: كان نموي الفكري الأول نتاج فترة حماس للآباء الأوائل في الإذاعة. كانت مهمتهم أن يزرعوا حب الوطن في أذهان الأطفال وكان هذا الوطن جمهوريا، وكانت الكلمة تبدو مشعة كالشمس ودافئة وحميمة وقريبة الى القلب. ولم أكتشف إلا بعد فترة طويلة أن كلمة جمهوري وجمهورية ليست أكثر من نوع من النظام السياسي قد يتم تطبيقه أو لا يتم بغض النظر إن كان النظام السياسي يعلنه كنظام له أو كان النظام السياسي يمارسه كحقيقة سلوك له. وكانت الأنظمة الأخرى في تربيتي الأولى مرفوضة، تبدو تسمياتها وكأنها قادمة من سراديب التاريخ ولم يعد لها في الأرض وجود، وكان يمكن أن أمسح وجودها من ذهني وذهن جيلي بالاكتفاء بوصفها أنظمة رجعية. لكن الإعداد للمعرض جعلني اكتشف تاريخ اليمن المعاصر ورقة جافة صفراء بعد ورقة. صور الوجوه الباهتة بالأبيض والأسود عن ناس كانوا هنا قبل ستين عاماً أو أقل نقلتني الى مواقع وأسماء يمنية أوقفتني أمامها وبدأت لوحدها الحديث. الصور لليمن المعاصر تقول ما ليس مكتوباً في كتب التاريخ القليلة الموجودة عن اليمن المعاصر، والوجوه المتعبة والنظرات التي ماتت وهي تحدق في فراغات تخصها، والملابس المتجعدة أو التي استخرجناها من براثن العثة، تتحدث عن النسيان، وتدعونا للتذكر والعبرة. تعالوا نتأمل معا وجوههم: تحبون بعضهم وتكرهون بعضهم، مسائل لا تهمنا كثيرا نحن الذين نعد هذا المعرض للمساعدة في التفكير في أن أحسن حالات تاريخنا هي تلك التي تكون فيها ايدينا مجتمعة معا. فقط في حالة الوحدة صار بإمكاننا التأمل في تاريخ دويلاتنا الماضية دون خوف من عودة أشباح بعضها. فالأشباح لا يعودون للحياة ، والماضي لم يعد سوى موقع للتذكر والبناء في اتجاه الغد. والتأمل عبر دلالات الرموز المرتبطة بالملابس والشعارات والرايات والطوابع والنقود والصور يخرجنا من شخصنة الماضي وتحويله الى مخيال يعبث بعض السياسيين بعقولنا في إتجاهه ويجعلوننا نظن أنهم كانوا قد حققوا مالم تحققه الأمم. فلما نرى أثارهم وتأثرهم بالحضارات التي حولهم وخضوعهم لقوى مهيمنة في زمانهم... هذا الخضوع الذي ترجم نفسه في كل ما بقي من مظاهر دويلاتهم، نفهم على نحو أكبر ما نفعله اليوم وما يحدث حولنا. على الأقل فيما يتعلق بي هذا ما يحدث لي مع كل جناح أقف فيه داخل هذا المعرض. فالماضي يفسر لي بعض جوانب القصور التي نعيشها اليوم، والماضي يفسر لي أوجه القوة كان يمكن أن نستخدمها اليوم. ترى عندما تزورون وتتأملون هل تفكرون بنفس الطريقة أم أن افكار أخرى هي التي ستجعلكم مقتنيات هذا المعرض تفكرون فيها؟. [email protected]