تنتشر منذ سنوات حملات محمومة في العالم العربي ضد الأنظمة السياسية والحكام العرب بالجملة ودون تمييز بين نظام وآخر وحاكم وآخر. حملات تضع الجميع في سلة واحدة وكأنهم ينتمون إلى حزب واحد والى دولة واحدة بفيدراليات متعددة. توصف كلها بالديكتاتورية والبيروقراطية والقمعية والمتسلطة و المتكلسة أو الهرمة، وصار لهذه الأوصاف تقارير ومعايير تنموية صادرة رسمياً عن الأممالمتحدة الذائعة الصيت في تخاذلها في نصرة فلسطين وفقراء القضايا العادلة ...الخ. وتشمل الحملة كل الرؤساء العرب وتحكم عليهم بالإعدام دون استثناء بحجج اقل ما يقال فيها انها قابلة للنقاش بالنسبة للبعض وخاطئة تماماً بالنسبة لرئيس واحد على الاقل والحجة الأولى تركز على: زمن الحكم والحالة الصحية..والحجة الثانية تركز على القمع ومنع حرية الرأي والتعبير. والحجة الثالثة تتحدث عن التدهور الاقتصادي. والحجة الرابعة تتحدث عن: النظام العسكري وقوانين الطواريء، وغياب الديموقراطية والحجة الخامسة تقول: الماضي أفضل من الحاضر والحجة السادسة تقرر أن النظام الجمهوري تداولي في الغرب يتغير الرئيس كل خمس أو سبع سنوات وعندنا يجب أن يتغير كل خمس أو سبع سنوات فكأننا غربيين وأقوياء وأغنياء ومسيطرين على العالم منذ أكثر من قرنين من الزمن، ولدينا كتل اقتصادية تتبادل الأدوار الوطنية في كل مرة تستدعى للتبادل التداول.أي نعم.!!! وتتغذى هذه الحملة من تصريحات أجنبية تتخذ أشكالا متعددة في هذا البلد أو ذاك أو إيحاءات لجماعات الضغط المحلية تتم بطرق مختلفة مثال: ينشر صحافي مقالاً ضد دولته ويقول فيه إن من حقه أن يقيم علاقة مع هذه السفارة الأجنبية أو تلك طالما أن رئيس بلادي يقيم علاقة معها. يستقبل على الأثر في السفارة الأجنبية المعنية أو يزار في مكتبه من طرف هذه السفارة ويصبح بنظر زملائه محصناً و"ديموقراطياً" كامل الأوصاف ويطلب من الآخرين السير على خطاه. ومن بعد يطلب السفير الأجنبي موعداً من رئيس البلاد ويقدم له مطالب متصلة بمصالح اقتصادية أو بالتعاطي مع إسرائيل. إن وافق رئيس الدولة يجمد السفير رعاية صحافيين ومعارضين ديموقراطيين أو يلتقيهم بلا ضجة وضوضاء إعلامية وإن رفض رئيس الدولة تكثر الأقلام الديموقراطية من الحديث عن ديكتاتوريته وتتزايد الجمعيات الممولة المناهضة له وتنهال عليه وسائل الضغط الأخلاقية الأخرى. وهنا أرجو ألا يفهمني احد خطأ، فأنا اعني فئة بعينها معروفة ولا تخجل من تعاملها مع الأجنبي، ولا أعني الصحافيين الوطنيين المعارضين بإخلاص والحريصين على مصالح بلادهم والرافضين لعرض كرامتهم وكرامة وطنهم على أبواب القناصل الأجانب . نعيش على وقع هذه الحملة المستمرة ضد الأنظمة والحكام العرب منذ نهاية الحرب الباردة وسيادة عولمة القطب الواحد غير أن إيقاع الحملة اشتد أكثر بعد 11 سبتمبر أيلول 2001 وازداد حدة بعد سقوط الولاياتالمتحدةالأمريكية في رمال العراق المتحركة وإعلان حلفائها أنهم لا يريدون هزيمتها في بغداد. إذا حيدنا الضغط الأجنبي في هذه الحملة فإننا لا نستطيع أن ننفي حججها، وهي للأسف الشديد صحيحة بنسبة كبيرة لكن من الصعب تعميمها على كل الحكام العرب وكل الدول العربية مثال: إحدى الدول العربية تدار من طرف وزارة التعاون الدولي في إحدى الدول الأجنبية فهل يصح أن يحمل النظام فيها مسؤولية تتحملها أصلا الدولة الراعية؟ وهل يجب أن توجه الحملة إلى الإدارة المحلية أم إلى الإدارة الأصلية. مثال ثان: دولة عربية طبقت حرفياً منذ عشرين عاماً طلبات الدولة الأجنبية التي تتحالف معها فهل تتحمل هذه الدولة مسؤولية ما جرى فيها أم الطرف الأجنبي الذي كان يديرها، وبالتالي هل يجوز للمعارض والصحافي أن يحمل على النتيجة أم على السبب، وهل يصدق عندما يقيم علاقة مع الطرف الأجنبي النافذ في بلاده بحجة أن رئيسه ديكتاتور وتابع للأجنبي كذا؟ لا أريد مواصلة الحديث المغفل وسأنتقل فورا إلى البلد الذي يمكنني تسميته صراحة أي اليمن وهنا أبادر دون تردد إلى القول أن هذا البلد هو ضحية نموذجية للحملة المعممة على الحكام والأنظمة، وذلك لأسباب عديدة من بينها أن الحجج التي تطرح في الحملة المذكورة لا تنطبق عليه واليكم وصف مقارن للحجج بالتتالي: الحجة الأولى: الزمن والسلامة الجسدية. تولى الرئيس علي عبد الله صالح الحكم في صنعاء في العهد الشطري لمدة 12 عاما. خلص الشطر الشمالي من حرب أهلية طاحنة ومن خراب شامل. لملم أشلاء الدولة والجيش ووضع حداً لسيرورة الانقلابات والانقلابات المضادة وخلق قدراً كبيراً من الاستقرار وهيأ الشطر الشمالي لحدث كبير هو الوحدة فحقق إنجازاً تاريخياً لا مثيل له في القرن العشرين إلا في ألمانيا. حول الوحدة من حلم إلى واقع ثم حماها بشجاعة كبيرة من محاولة انفصالية خطيرة ثم شرع في وضع هياكل لدولة ديموقراطية، وحمى هذه الدولة باتفاقات حدودية بعد أن كانت حدودها سائبة ليس معروفا بنظر القانون الدولي أين تبدأ وأين تنتهي. راهن على مشاريع النفط والغاز لزيادة مداخيل الدولة وعمل ما بوسعه لتأهيل أو تأسيس البنية التحتية والتخلص من ثقل المديونية. استغرقت هذه العملية 15 عاماً هذا هو زمن علي عبدالله صالح في الحكم.لم يمضه على يخت في البحر ولم يصرفه في منتجعات «ماربيا» ولا في جبال الألب ولا في كازينوهات «موناكو» فهل يجوز أن يقارن زمنه في الحكم مع زمن غيره. وهل يجوز أن يحكم على زمنه في الحكم كما يحكم على زمن غيره من الحكام العرب ؟ الحجة الثانية:القمع ومنع الرأي الحر والتعبير. تسلم علي عبدالله صالح شطراً يمنياً لا حكماً فعلياً فيه لأبنائه، وبالتالي لا قياس فيه لرأي ولا تصنيف فيه لحرية ومن ثم شطرا يمنيا آخر عاش في ظل إيديولوجية ديكتاتورية البروليتاريا فإذا هو اليوم مكان يقول فيه معارضون ما يجوز وما لا يجوز قوله حتى في الدول الغربية فهل يصح حديث القمع ومنع التعبير على اليمن وعلى رئيس اليمن؟! الحجة الثالثة:التدهور الاقتصادي. تسلم علي عبد الله صالح شطراً يمنياً شحيح الموارد محترباً يصرف موارده على الحروب والانقلابات و شطراً آخر مفلساً عاش بشهادة حزبييه على المساعدات السنوية السوفييتية ثم احترب مجدداً في عهد الوحدة و بكلفة عشرة مليارات دولار ناهيك عن مليارات أخرى ناجمة عن تمسك اليمنيين الفقراء بكرامتهم، وبالتالي التصميم على عدم الاندراج في التحالف الدولي ضد العراق في العام 1990 .باختصار تسلم الرئيس صالح بلداً تحت مستوى التدهور الاقتصادي وليس في مستواه العادي في أي مكان آخر في المحيط فإذا به يوقف التدهور ويسعى إلى زيادة موارد الدولة ومن ثم مواجهة الفورة الديموغرافية اليمنية التي انطلقت بفضل الاستقرار وتحسن الأداء الصحي لتمتص الموارد الجديدة .وعلى الرغم من ذلك تجد من يتحدث عن تدهور اقتصادي في اليمن وعن خانة حمراء وخانة برتقالية من تلك التي يتسلى الأجانب برسمها للفقراء ليستخدموها ضد أنظمتهم في حين يتحكم أصحاب الخانات أنفسهم بسعر الدولار والمواد الأولية وبضغوط البنك الدولي وصندوق النقد وبالقدرة على جعل الفقراء يتحملون مسؤولية التضخم العالمي من عرق أبنائهم ومواردهم المحدودة. لا يجوز الحديث عن تدهور اقتصادي في اليمن، وكأن اقتصاد هذا البلد كان في أعلى جبل نقم فنزل به الرئيس صالح إلى السايلة ذلك أن العكس هو الصحيح فالاقتصاد اليمني كان تحت مستوى السايلة ليرتفع قليلاً إلى مستوى "بيت بوس" وفي ظروف غير ملائمة على كل صعيد. الحجة الرابعة: النظام العسكري وقانون الطواريء وغياب الديموقراطية. الذين يعرفون اليمن يمكنهم الجزم بأنه لا يعيش في ظل قوانين الطواريء المعمول بها في دول مثل مصر وسوريا. والذين يعرفون اليمن يمكنهم الجزم أن الديموقراطية تسير بإيقاع يمني بل بأفضل إيقاع في العالم العربي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الظروف الخاصة اليمنية والذين يقولون العكس لا يسندون أقوالهم ببراهين قابلة للنقاش والجدل بل يقيسون تجربة عشر سنوات ديموقراطية في بلدهم على تجارب قرون في بلدان أخرى والقياس مفيد كحافز، وليس مفيداً في تقييم نظام حكم انطلق بالبلاد من معطيات محدودة بل اقل من محدودة. أما وصف النظام العسكري فهو ينطبق على الحكم في تشيلي في عهد الجنرال بينوشيه أو في عهود الجنرالات الأتراك قبل عقدين من الزمن أو في عهود الجنرالات الجزائريين قبل سنوات قليلة، نعم هناك أمن وفرق عسكرية في اليمن ولكن ليس في اليمن حكم عسكري على الطريقة التشيلية أو التركية أو الجزائرية وبالتالي لا يستحق هذا البلد الوصف المذكور في الحجة الرابعة ولا نتائجه. الحجة الخامسة: الماضي أفضل من الحاضر. تستخدم هذه الحجة للقول على سبيل المثال أن الناصرية افضل مما بعدها وان السنوسية أفضل من القذافية وأن البورقيبية أفضل مما بعدها ويعمم القول على كل العالم العربي والحكام العرب ومن بينها اليمن، وفي ذلك ظلم ما بعده ظلم.ذلك أن اليمن هو البلد الوحيد أو ربما من بين بلدان عربية قليلة يصح فيها القول المعاكس وهو أن الحاضر أفضل بما لا يقاس مع الماضي كما ذكرنا من قبل في أكثر من مكان، وهذا الحاضر لم يهبط من الفضاء بالمنطاد بل بالتدبير الجيد والشجاعة والتصميم والجهد الجبار الذي بذله العهد الحالي في اليمن. الحجة السادسة: النظام الجمهوري التداولي. نعم النظام الجمهوري تداولي وهو لا يتم في صيغة التداول من أجل التداول بل في ظل كتلة اقتصادية اجتماعية متنوعة وضامنة لوحدة البلاد واستقرارها وقادرة على تنظيم انتقال السلطة وفق قواعد مجربة وآليات ضابطة وفي ظل تجربة ديموقراطية برهنت عن فاعليتها وفي ظل انسجام وطني يتيح الصمود بوجه التدخل الخارجي ويمنع بالتالي أن يكون التداول معلقاً على رغبة هذه السفارة الأجنبية أو تلك وفي ظل وسائل حماية كافية للدولة ومواردها، وفي ظل وطنية راسخة ومجال عام يشترك الجميع في بنائه كل من موقعه. و في ظل مشاريع حكم متنافسة من أجل المصلحة العامة يتضح من خلالها بجلاء أن البلاد يمكن ببراهين واضحة أن تنتقل من حالة إلى حالة أفضل إذا تولى الحكم فيها هذا الحزب أو ذاك بدلا من هذا الحزب الحاكم أو ذاك. ما من شك أن اليمن يحتاج إلى التداول في ظل هذه الشروط وليس إلى قفزة في الفراغ و بالتالي لا يحتاج إلى التداول من اجل التداول لقد ظهر بوضوح في خطاب السابع عشر من يوليو تموز الجاري أن صاحب السلطة جاد تماما في طرحه للتداول من أجل يمن أفضل وأنه ضاق ذرعا بالأحابيل والمناورات المحلية الصغيرة التي يعرف تفاصيلها الدقيقة ويعرف دوافعها ومراميها وانه يأبى وهو اليمني الفخور ببلاده أن تصبح من جديد مسرحا للتدخلات الخارجية. ولو أراد الاستفاضة في التعبير المباشر لقال: يا يمنيين هذه السلطة لكم. هاتوا مشروعاً أفضل لبلادكم وخذوها. لم يقابل نداء 17 تموز يوليو حتى الآن برد جدير بالتداول والنقاش.لم يهزم علي عبدالله صالح أمام عدو أجنبي حتى يتنحى عن الحكم وليس من النوع الذي ترهبه ألاعيب السفارات وتهويل المهولين انه يخوض سباقا مع الزمن من اجل بلاده وفي السباق لا تراهن الشعوب بسليقتها على حصان خاسر.نعم لربما خسرت شعوب عربية رهانات في سباق مصيري في ربع القرن المنصرم لكن ليس الشعب اليمني. لذا وجب القول. كفاية تعميم.