كأس العالم للاندية: السيتي يكتسح اليوفنتوس بخماسية ليخطف الصدارة    التكتل الوطني يحذر من تفاقم الأوضاع ويدعو الرئاسة والحكومة لتحمل مسؤولياتهما    شهادات مروعة.. معتقلون يكشفون تفاصيل تعذيبهم داخل زنازين الحوثي    عدن.. انعقاد الورشة التشاورية لصياغة خطط حماية المرأة ضمن برنامج تعزيز الوصول إلى العدالة للنساء والفتيات    عن الهجرة العظيمة ومعانيها    كلمة السيد القائد بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية وآخر المستجدات (فيديو)    الانتقالي: ثمرة نضال الشعب الجنوبي وتضحياته    إدارة أمن عدن توضح حول اقتحام مسجد في المنصورة وتلمح إلى الاسباب    وفاة واحد من ابرز الجيولوجيين اليمنيين    عبده شرف الشامخ بفكره وعلمه ومبادئه    مبابي يتهم باريس سان جيرمان بالتعامل معه بطريقة "غير أخلاقية"    مقتل 29 تلميذا في افريقيا الوسطى    القائم بأعمال رئيس هيئة مكافحة الفساد يهنئ القيادة الثورية والسياسية بالعام الهجري الجديد    الخامنئي: انتصرت الجمهورية الإسلامية في هذه الحرب ووجهت صفعة قوية لأمريكا    اليمن وثمن اللاحرب واللاسلم .. خذو العبرة من حرب ال12 يوم..!!    اعتراف صهيوني : اليمنيون هم القوة الوحيدة القادرة على الصمود ومواصلة الحرب    الارصاد يتوقع استمرار هطول الامطار الرعدية على المرتفعات    صفقة جديدة تثير الجدل في ليفربول.. ومخاوف من التأثير على دور محمد صلاح    راتب ميسي يفوق سقف 21 فريقا بالدوري الأمريكي20 مليونا و446 ألفا و667 دولار    باقزقوز لسلطة صنعاء: تحصين الجبهة الداخلية بانصاف المظلومين ومحاسبة الفاسدين    واتساب WhatsApp يحصل على 8 ميزات جديدة هذا الأسبوع على أندرويد و iOS.. إليكم قائمة الميزات    الإنتر ينهي مغامرة ريفر بليت    محكمة تُديّن اتحاد القدم بالاحتيال    الدولار يسجل مستويات متدنية وسط مخاوف أمريكية    شرطة تعز تلقي القبض على متهم بارتكاب جريمة قتل في مديرية مقبنة    استبصار وقراءة في سردية احمد سيف حاشد الجزء الثاني (فضاء لايتسع لطائر)    زينة: «ورد وشوكلاته» يكشف مشاكل الشخصيات    كازاخستان.. اكتشاف قطع أثرية تعود لعصر قبيلة الساكا    الإفلاس.. شبح حطم أندية ليون وبارما وبوردو    من الماء الدافئ إلى دعامة الركبة.. دراسة: علاجات بسيطة تتفوق على تقنيات متقدمة في تخفيف آلام الركبة    بفاعلية الحقن ودون ألم.. دراسة : الإنسولين المستنشق آمن وفعّال للأطفال المصابين بالسكري    طرق الوقاية من السكتة القلبية المفاجئة    من يومياتي في امريكا .. مرافق بدرجة رجل أعمال    تسجيل هزات أرضية من المياه المجاورة لليمن    كيف نطالب بتحسين الأوضاع    استئناف نقل النفط الخام من عقلة شبوة لكهرباء الرئيس    رشاد العليمي..تاريخ من الغدر والخيانة: زملاءه أعدموا وهو أصبح وزير    من يدير حرب الخدمات وتجويع المواطنين في عدن؟    من الدول الجديدة في اتفاقية ابراهام؟    - *القيادات الإيرانية "تعود من الموت".. وإسرائيل تتخبّط وسط اختراقات أمنية وخلايا تتبع لطهران*    فعالية ثقافية في مديرية السخنة بالحديدة إحياءً لذكرى الهجرة النبوية    العيدروس يهنئ قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي بالعام الهجري الجديد    تحذير أممي من استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن    عينيك تستحق الاهتمام .. 4 نصائح للوقاية من إجهاد العين في زمن الشاشات والإضاءة الزرقاء    جرعة سعرية ثالثة على البنزين في عدن    5 مشكلات صحية يمكن أن تتفاقم بسبب موجة الحر    افتتاح مشاريع زراعية وسمكية بأمانة العاصمة بتكلفة 659 مليون ريال    الشاعر المفلحي.. رافعات الشيادر روحن فوق جيل الديس    تجارة الجوازات في سفارة اليمن بماليزيا.. ابتزازًا مُمَنهجًا    تشيلسي يغتال حلم الترجي بثلاثية قاسية    صنعاء .. البنك المركزي يوقف التعامل مع 9 منشآت وشركات صرافة وبنك وشبكة تحويل أموال خلال يونيو الجاري    تاريخ المنطقة خلال سبعة عقود تم تلخيصه في عامين    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (4)    كفى لا نريد دموعا نريد حلولا.. يا حكومة اذهبي مع صاروخ    حين يتسلل الضوء من أنفاس المقهورين    إب .. تعميم من مكتب التربية بشأن انتقال الطلاب بين المدارس يثير انتقادات واسعة وتساؤلات حول كفاءة من اصدره    الشعر الذي لا ينزف .. قراءة في كتاب (صورة الدم في شعر أمل دنقل) ل"منير فوزي"    الحديدة و سحرة فرعون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضوضاء لاتحلق بعيداً
نشر في 26 سبتمبر يوم 28 - 07 - 2005

عندما لا يلعب الرئيس دور الأب فهو يلعب دور العراب أو الأخ أو ابن العم. القصر الرئاسي هو شجرة عائلية تمتد تموجاتها إلى الحكومة والوزارات مروراً بمحافظي الأمن العام والسفارات». لم استخرج هذه العبارات من نص لأحد الكتاب التروتسكيين أو الفوضويين في هذه الدولة العربية أو تلك وإنما من فرنسا. فقائلها هو الكاتب الفوضوي الراحل جان إدرن هالييه المعروف بموهبته السجالية وبكونه مؤسس ورئيس تحرير جريدة «المعتوه الدولي» وقد نشر في هذه الصحيفة نصوصا مترجمة لأفكار آية الله روح الله الخميني وعاد بعد سنوات ونشر كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي.
سأشرح الغرض من التطرق لهذه الحالة لكن بعد استكمال العرض. وصف هالييه لقصر الأليزيه الفرنسي كان يطال الرئيس الراحل فرانسوا ميتران فهو ينسب إليه تحويل فرنسا إلي ديكتاتورية الصحبة والعائلة ويشرح ذلك بالقول «..يسمح ميتران لعائلته والمقربين منه بالإمساك بزمام القيادة ويمنع الزمام عن الآخرين. الاشتراكية بالنسبة إليه هي وكالة استثمار عائلية.لقد جير فرانسوا ميتران الدولة لمصالحه الخاصة».
يقول هالييه عن نفسه أنه كان يحب أن يموت في سن الخامسة والعشرين ويعتبر أن على المثقف ألا يخون أفكار الشباب ويعتبر نفسه طهرانيا ويتهم قصر الأليزيه بالتنصت على هاتفه وقد ثبت هذا بالفعل في الأعوام 1984 1986 وذلك خوفا من أن يفشي سرا شخصيا يطال الرئيس ويتصل بزواج ثان سري وابنة سرية لم تظهر علنا إلا قبل عامين من وفاته .
ويعترف هالييه بأنه غير موضوعي وبأن الموضوعية لا وجود لها في العالم وبأنه ملكي ومن الحالمين بنابليون بونابرت وهو معجب في الوقت نفسه بفيديل كاسترو الذي واجه الولايات المتحدة الأمريكية وبالإسلام المتمرد على أمريكا ويرى أن فرنسا أصبحت ضاحية للأمريكيين.
لخصوم هالييه رأي آخر في سيرته فهم يتهمونه بزيارة تشيلي ودعم الديكتاتور السابق بينوشيه ومن بعد تكوين هيأت لجمع التبرعات للمناضلين التشيليين ومن ثم التصرف بهذه التبرعات وتحويلها عن غرضها. ويرون انه نظم مسرحية خطف نفسه في مطعم "كلوزري دوليلا«الواقع في الدائرة السادسة من العاصمة حتى يتهم ميتران بتدبيرها وأنه حاول ابتزاز قصر الإليزيه دون جدوى. وينسب إليه تدبير اعتداء على ريجيس دوبريه رفيق غيفارا السابق ومستشار فرانسوا ميتران في ولايتيه الأولى والثانية. يبقى التذكير بأن هالييه دعم ترشيح ميتران للرئاسة قبل أن يقطع معه وتفسير القطيعة أنه كان يراهن على دور في العهد الاشتراكي لم يحصل عليه فتحول إلى مبتز للعهد والمحيطين به إلى حد شتم رئيس الجمهورية في أواخر عهده بكتاب يحمل عنوان: «شرف فرانسوا ميتران الضائع».
ما من شك أن تهمة العائلية التصقت على الدوام برؤساء العالم ومازالت حتى يومنا هذا حيث تنسب ادوار لعائلة بوش من أبيه إلى أخيه إلى زوجته إلى ابنتيه وابنة ديك تشيني وتنسب ادوار خيالية لابنة شيراك وأحيانا لزوجته وبالتالي ليست اتهامات هالييه لميتران استثناء لكن الحديث عن تسلط ومصالح خاصة و ديكتاتورية أمر يصعب ربطه بالرئيس الراحل فرانسوا ميتران الذي تميز عهده بإطلاق حرية التعبير على نطاق واسع كما لم تفعل فرنسا في تاريخها من قبل. فالإذاعات الحرة الفرنسية تعد بالآلاف وحرية القول بما في ذلك السماح للمساجلين والاتهاميين والفوضيين بقول ما يحلو لهم لم تكن ممكنة في عهد الجنرال ديغول و حتى في عهد خليفته فاليري جيسكار ديستان.
لكن لماذا الحديث عن هذا المثال وفي صحيفة يمنية؟ في الحقيقة السبب يعود إلى نقاش خاص دار مؤخرا مع صديق يمني عبرعن امتعاضه من مقال اتهامي نشرته إحدى الصحف المحلية ينطوي على منطق شبيه بمنطق هالييه المشار إليه للتو. بدا الصديق مذهولاً لما اسماه بالأكاذيب المفضوحة والابتزاز المكشوف إلى أن ذكر أن مجرد نشر المقال في اليمن إدانة لصاحبه فلولا حرية التعبير المتاحة والتي يحميها العهد الحالي لما أمكن للمقال المذكور أن ينشر بما فيه من تجريح شخصي لا علاقة له بالسياسة والعمل السياسي المعارض في اليمن والكلام دائما للصديق الذي لم استأذنه نشر اسمه ونسبة كلامه إليه.
وفي الحقيقة لا يحتاج المرء إلى فيض من الأمثلة للإشارة إلى بضعة مقالات نشرت في اليمن ويميل أصحابها إلى أقصى اليسار وربما جذبتهم النزعة الفوضوية المعروفة في الغرب وهنا أتحدث عن الفوضوية بوصفها تيارا إيديولوجيا يمكن أن نجد في صفوفه بعض الانتهازيين كما هي حال ادرن هالييه وبعض الثوريين التاريخيين مثل أوغست بلانكي والمعروف أن وجهات النظر الفوضوية قد تسبب ضوضاء محدودة لكنها لا تحلق بعيدا ولا تستقر في وعي النخب والعامة وهذا يصح في كل مكان وفي كل الدول ومن ضمنها اليمن مع فارق أنها صارت في الخارج تثير الابتسام ولا تحمل على محمل الجد بينما تثير في بلداننا الامتعاض وردود الفعل الغاضبة أي تؤدي إلى ما يرغب الفوضويون أصلا بالوصول إليه عبر الاستفزاز وبالتالي امتحان أعصاب خصومهم وحملهم على الرد غير المتوازن الذي يعطي الفوضوي حجما لا يستحقه وتأثيرا لا يملك وسائله.
والفارق بين الدول الديموقراطية ذات التجارب المعمرة وبين الديموقراطيات النامية كبير وعلى كل الصعد ومن بينها قواعد التعبير الحر وطرق التعامل مع الآراء التجريحية ومقالات الشتم والاستفزاز. في الحالة الأولى يعاقب القضاء بطرق صارمة كل أشكال التعبير التي تخرج عن القواعد المرعية الإجراء لذا عانت جريدة "المعتوه الدولي«من مشاكل مالية خانقة نتيجة الأحكام القضائية التي خسرتها وبالتالي كان على صاحبها أن يقتنع بأنه غير قادر على تحمل الكلفة المالية الباهظة لتجريح رئيس البلاد وهكذا صار حيث كف عن التجريح حتى الشهور الأخيرة من ولاية ميتران فاغتنم فرصة مرضه بالسرطان واحتضاره لينشر كتابه"شرف فرانسوا ميتران الضائع«فبدا وكأنه يطلق النار على سيارة إسعاف واستدرج ضده إدانة شاملة من كافة التيارات السياسية بما فيها اليسار المتطرف أما في بلداننا فإن تقاليدنا وأمزجتنا لا تتحمل الشتم و التجريح. عندما يشتم رجل في مقال لا ينتظر منه أن يرد بمقال أو أن يذهب إلى القضاء للشكوى فهو يرد على الشتم بالعنف كما تعود . وعندما تشتم شخصية عامة من منطلق فوضوي فلا ينتظر من هذه الشخصية أن تدرك دوافع الكاتب الفوضوية الايديولوجية وأن تدعه وشأنه وان تردد عبارة «هداه الله إلى الطريق المستقيم« تلك هي حالنا ومن حسن الحظ الشعوب والأمم مختلفة الثقافة والأمزجة والتقاليد لولا ذلك لصار العالم مدعاة للضجر.
إذن المشكلة ثقافية في الأصل وملخصها:قارئ محلي مسحور بالإيديولوجية الفوضوية.يحاول نقل ما تيسر منها إلى ثقافة بلاده المختلفة. ينشر مقالات انتقامية أو تجريحية أو شتائمية مستفيدا من سمعة البلدان العربية السيئة في مجال حرية التعبير و بالتالي من تدخل المنظمات الدولية لصالح أصحاب النصوص الاتهامية بغض النظر عن مضمونها ومستفيدا أيضا من حجم المشاكل الموروثة في العالم العربي والذي يتيح لأي كان أن يغرف منه وأن يحوله إلى مضبطة اتهام على هواه كما تفعل في بلاد الشام النسوة اللواتي كن يحضرن الخبز في الأفران المحلية ويخرجن باستنتاجات من نوع أن الحسن والحسين بنات معاوية بن أبي سفيان.
حاولت أن اقنع صديقي اليمني أن امتعاضه يصب الماء في طاحونة صاحب النص الذي يشكو منه وان عليه أن يدرك أن النص المذكور ليس خطيراً وأنه يصب الماء في طاحونة اليمين التقليدي في اليمن تماما كما هي حال النصوص المشابهة في كل مكان وزمان. ألم يساهم أقصى اليسار في مصر مساهمة فعالة في المعركة ضد الناصرية لتنتصر الساداتية ومعها المقاول الشهير عثمان احمد عثمان ولتذهب ريح اليسار واليساريين ولتنفجر معركة طاحنة في صفوفهم من ابرز أمثلتها تشاتم أحمد فؤاد نجم مع الشيخ إمام رحمه الله على صفحات الجرائد بتهم السرقة والابتزاز وإساءة الأمانة .!!
لم يقتنع صديقي اليمني بوجهة نظري وعلي أن احترم رأيه ولعله يقتنع بعد سنوات حيث تصبح التجربة الديموقراطية اليمنية راسخة أكثر و حيث تصبح قواعد التعبير محترمة أكثر ساعتئذ قد يعود صديقي إلى الوراء ويردد ساخراً:في بداية الديموقراطية كنا نمتعض من نص يزعم أن الحسن والحسين بنات معاوية أما اليوم فترانا أمام نص مشابه نقهقه بصوت عال!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.