رمضان الفضيل المبارك شهر كريم يعصم فيه الجسد من شهوات الدنيا وملذاتها بالصوم نهاراً وبالانقطاع الى العبادة ليلاً فتتطهر النفس المسلمة المؤمنة من أدران رغائب أهوائها وتسمو الروح لتبلغ ذرى الفضائل فتتجلى الرحمة والمحبة والتسامح والألفة بين أبناء الاسرة والمجتمع والوطن الواحد في اتصال يعم الأمة الاسلامية كلها في مشارق الأرض ومغاربها وهذه المعاني التعبيرية لفريضة الصوم وفيها تتجلى الحكمة الإلهية في أعظم تعبيراتها، ورمضان بهذا المعنى مناسبة للتأمل في سياق تعبدي بأحوال الذات وفي إعادة تقييم لعلاقة العبد بخالقه وبمحيطه البسيط والاوسع فالاوسع وصولاً الى الأمة والانسانية ذلك ان القيم الاسلامية النبيلة التي يرسخها رمضان في الوجدان الايماني للمسلم هي ذات ابعاد روحية تحمل طابعاً انسانياً تسامحياً عاماً ليكون المسلمون أعظم أمة اخرجت للناس وهذا المعنى لايتجسد الا متى ماكنا كمسلمين متمسكين بقيم الاسلام الحقة ومبادئه السمحاء الخيرة العادلة.. وحاضر المسلمين يتطلب منا في هذا الشهر الكريم تأملاً ينفذ الى جوهر مكامن الخلل فيما نحن فيه لمعرفة مدى تمثلنا في علاقاتنا وسلوكنا وتعاملنا مع بعضنا البعض لقيم ومبادئ الاسلام وهي لاتتحقق الا بتضافر الجهود في مغالبة النفس لتترفع عن الصغائر مكبرة فيها روح التكافل والتضامن والتعاضد والإخاء والرحمة ونحن في اليمن أفراداً ومجتمع الأجدر بنا ان نكون في مستوى وصف الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لنا ب «أرق قلوباً وألين أفئدة» وبأننا ابناء وطن «الايمان والحكمة» وما أحوجنا في أيام وليالي شهر التوبة والغفران ان نجسد هذه القيم قولاً وعملاً فيكون سبيلنا لاسيما في هذه المرحلة التي يمر بها الوطن مجابهاً تحديات تجاوزها والانتصار عليها لايكون الا بترسيخ الإخاء والمحبة لتعميق التماسك والتلاحم والاصطفاف على قاعدة تمتين روابط نهج التسامح والحوار وتغليب مصالح الوطن وابنائه على ماعداها من أنانية المصالح الذاتية الفردية والجماعية الفئوية والقروية والحزبية وأية ولاءات ضيقة اخرى رفضها ونبذها الاسلام، وتحصين الشباب من أفكار التعصب والتطرف ليكونوا متسلحين بوعي وطني ايماني صحيح، ومن ثم تحصين المجتمع ككل من كل الشرور والأعمال الخارجة عن الدين والاخلاق والنظام والقانون. وهذا لن يتأتى الا بتكامل جهد الحكومة مع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وكل الخيرين في وطن الحكمة والايمان استرشاداً بمعاني مضامين كلمة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح بهذه المناسبة الدينية الجليلة حتى يعم خير التنمية والنهوض والبناء الشامل للوطن كله وهو مايستوجب من الجميع العمل بشكل ايجابي باتجاه تحقيق التقدم والازدهار والرفعة والسؤدد بدلاً من محاولة تعميق الكراهية والحقد والبغضاء التي تشحن النفوس بها المماحكات والمكايدات والمناكفات التي لايثمر زرعها الا مزيداً من الشحناء فتنعكس نتائجها السلبية على مسيرة الخير والنماء ويضرر منها كل ابناء الوطن.. والديمقراطية في مفهومها الصحيح وسيلة حضارية للبناء لا للهدم، وحتى تكون كذلك ينبغي ممارستها بمسؤولية لنتعلم على نحو صحيح إدارة تبايناتنا واختلافاتنا في الرؤى والتصورات، منطلقين جميعاً من تقديم مصلحة الوطن وأجياله على ماعداها وليكن الحوار هو قاعدة تعلم مبدأ التداول السلمي والقبول بالآخر دون ان يؤدي ذلك الى خصومات وأحقاد يدفع ثمنها الوطن، وليكن تنافسنا شريفاً ومشروعاً في رحاب الديمقراطية. إن شهر رمضان الكريم مناسبة تتعمق فيها صلات الانسان بخالقه وتصافيه مع نفسه وهو يعيش نسائم أجوائه الروحانية فتصفو نفسه للآخرين ليدرك كلاً منا زلاته وهفواته التي ذنوبها لايخف ثقلها الا بالعطف والايثار والتسامح والرحمة وحب الخير، ولعلَّ الحكمة من فريضة الصوم هو انه يجعل الانسان رقيق القلب عالي الشعور بآلام ومعاناة الفقراء والمحتاجين والضعفاء والمساكين ويكون التكافل بين ابناء المجتمع المسلم، فالغني يدرك حق الفقير عليه وان له نصيباً مما أعطاه الله فيكون البذل والعطاء في الصدقة متمماً للصيام تتكامل معاني فضائل شهر رمضان الكريم وفيه يجزي الله عباده التوابين الأوابين بالطهر من الذنوب فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.