على حين غرة وبعد أن خمدت الشائعات حول التغيير والتعديل الحكومي وترسخت قناعة الغالبية أنه لم يعد هناك جدوى منه بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والمحلية ... فاجأ الرئيس علي عبدالله صالح ورئيس حكومته الأستاذ عبدالقادر باجمال الجميع بإجراء تعديل واسع جداً على الحكومة الحالية يكاد يقترب من قوام حكومة جديدة ... والحق أنها كانت مفاجأة سعيدة وخطوة ضرورية وإجراء انتظره الناس طويلا حتى يئسوا من حدوثه ، ولاشك أن إعلان التعديل مساء السبت الماضي أعاد الأمل للناس وأنعش الثقة في جدية فخامة الرئيس وجدية الحزب الحاكم في إصلاح الأوضاع وتصحيح الاختلالات التي طال عليها الأمد ، خاصة أن التعديل لم يقتصر على الحكومة بل امتد ليشمل رأس السلطة القضائية بمجيء قاض شاب مشهود له عند الجميع بالكفاءة والنزاهة والعدالة دون أن يعني أن سلفه لم يكن كذلك فقد كان معروفا هو الآخر بكل تلك الصفات الإيجابية لولا أن سنة التغيير يجب أن تمضي على الجميع. إن المتأمل في قرارات السبت الماضي وبالذات ما يتعلق منها بالحكومة لابد أن يقف أمام عدة أمور على قدر كبير من الأهمية ولها دلالاتها العميقة ... فالتعديل أثبت أنه لا يوجد دوام لأحد على مقعد الوزارة وأن لا أحد يستعصي على التغيير وأنه ليس هناك مراكز قوى في الحكومة كما كانت تشيع ذلك بعض الأطراف السياسية ، فالتغيير تفرضه الحاجة الموضوعية والمصلحة العليا للبلاد وليس شيء آخر. التعديل أثبت أن كل الشائعات التي انتشرت خلال الشهور الأخيرة سواء حول قرب إجراء التعديل أو حول الأسماء التي ستدخل والأسماء التي ستخرج كانت شائعات فارغة لم تزد عن أنها أحدثت بلبلة لدى الرأي العام ولم تتميز بأية دقة بل وأكدت أنها ليست أكثر من تخاريف مقايل يتسلى بها أصحابها ثم يعكسونها في الصحف دون مراعاة للأشخاص الذين مستهم سواء الداخلين أو الخارجين وما يمكن أن يلحق بهم من أذى معنوي ، خاصة أن كل واحد من مثيري الشائعات يؤكد لك دقة مصدره ... فهل يا ترى سيتعلم هؤلاء ويكفوا عن استمراء هذا الأسلوب في المرحلة القادمة ويبتعدوا عن أذية عباد الله؟! التعديل تم بنفس المنهجية التي جاءت بها حكومة الأستاذ باجمال الأولى عام 2001م وحكومته الثانية عام 2003م ، حيث تميزت الحكومتان والتعديل الأخير بانضمام شخصيات من خارج بورصة الأسماء المتداولة تماما بل إن بعض هذه الشخصيات لم يكن معروفا على الإطلاق ولم يسمع بها الناس إلا عند إعلان التشكيل ، بعضها من داخل مؤسسات الدولة وبعضها من خارجها تماما وجزء غير قليل منها من أساتذة الجامعات ... ويبدو أن هذا الأسلوب – على ما فيه من إيجابيات – هو كذلك أحد أسباب حجم التغيير الكبير الذي حدث في الحكومتين وفي التعديل الأخير حيث لم يقض بعض الوزراء الجدد في مناصبهم أكثر من سنتين أو ثلاث ، وبقدر ما إن هذا الأسلوب جميل في بعض جوانبه إلا أنه يحتاج إلى مزيد من الدقة والتأني ، فالرأي العام لدينا لا يرحم من يخرج مبكرا من موقعه ويتهمه بالفشل رغم أن فشله ربما كان ناتجا عن أنه لم يكن صالحا بالأساس لتولي مثل هذا الموقع باعتبار أن اختياره قد تم أصلا لأسباب قد تكون الكفاءة أو المستوى العلمي في نهايتها. التعديل لا يدل بالضرورة على أن الذين خرجوا من الحكومة بموجبه هم فاسدون ، لأن خروجهم قد يكون لأسباب أخرى تماما تتعلق بسوء الإدارة أو بافتقاد الخبرة المطلوبة أو بالمركزية الشديدة أو بطول أمد بقائهم في الحكومات السابقة .. إلخ ، وفي تصوري أنه من غير اللائق الإساءة لمن خرجوا من الحكومة بل يجب أن نفترض حسن النوايا ونقول لهم شكرا على ما بذلتم من الجهود ... أما أية قضايا فساد متعلقة بهم فهي من اختصاص أجهزة معنية بهذا الشأن يفترض أن لديها ما يثبت ذلك ، وأما نحن فلن يزيد دورنا عن الإساءة لهم وتجريحهم خاصة أن صحفنا نادرا ما تعتمد على وثائق صحيحة وأكيدة في انتقاداتها لأولئك الوزراء وغيرهم من المسؤولين! التعديل أثبت مدى جدية القيادة السياسية في تنفيذ برنامج الإصلاحات التي تبناها المؤتمر الشعبي العام في مؤتمره الأخير بعدن ... وهذه الجدية يمكن استقراؤها من خلال الأسماء التي دخلت التشكيل لأول مرة والتي تتمتع غالبيتها بسمعة طيبة ولا توجد عليها أية مآخذ ، وكذلك من الأسماء التي بقيت أو التي عادت ... كما أن التعديل كان بالغ الجرأة في نوعية الوزارات التي طالها التغيير ، وكذا في زيادة حصة المرأه في الحكومة وهو كان أمرا متوقعا على أية حال. بلاشك أن التعديل كان في غاية الذكاء بتلبيته لرغبة المواطن اليمني في تغيير بعض الوجوه وإثبات جدية الدولة في إصلاح الأوضاع ومتسقا في نفس الوقت مع مطالب بعض الدول الصديقة المحبة والمانحة لليمن التي كانت ترى ضرورة تحريك المياه الراكدة في الأداء الحكومي في ظل تقييماتها المعلنة لسلبية الأداء القائم ... وفي ظني أنه لم يعد أمام المانحين أي عذر في ربط استمرار تدفق المساعدات بإجراء تغييرات تؤكد جدية الحكومة في استمرار مسار الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد. دستوريا فإن الأصل أن هذه الحكومة مستمرة حتى الانتخابات النيابية عام 2009م إلا في حالة رغبة رئيس الجمهورية أو رئيس وزرائه بتقديم استقالة الحكومة في أي وقت خلال السنوات الثلاث القادمة ... ومن ثم فلا معنى للشائعات التي بدأت تنطلق قائلة أن هذه الحكومة مستمرة فقط حتى الانتخابات الرئاسية القادمة فالدستور لا يلزمها تقديم استقالتها عقب إجراء مثل هذه الانتخابات ، فمثل هذه الشائعات لا غرض لها للأسف الشديد سوى تثبيط همة الوزراء الجدد وهز معنوياتهم والإضرار بمستوى أدائهم المنشود. أتمنى على قيادتنا السياسية عدم ربط أي تغيير أو تعديل على التشكيلة الحالية للحكومة بفترة زمنية معينة أو بإجراء تعديل جماعي كما حدث مع الحكومة الحالية عام 2003م عندما أعطيت مهلة سنتين مما جعل البعض يعتبرها فرصته التي لا تعوض لتأمين مستقبله ومستقبل أولاده ... ففي تصوري أن من يثبت سوء أدائه من الوزراء أو هلعه على المال العام أو أية مؤشرات أولية على فساده فلا معنى لاستمراره في موقعه إلا مزيدا من الدمار والخراب لوزارته وما قد يتبعها من مؤسسات ، والأولى في حالة كهذه أن يذهب مبكرا إلى بيته قبل أن يزداد تورطه في نهب المال العام أو تدمير وزارته بسوء الإدارة.