بين الحين والآخر يزدهر سوق الشائعات وخاصة في مواسم التشكيلات الحكومية والتغييرات في المواقع القيادية ... وإذا بورصة الأسماء المتداولة لاتبقي ولاتذر مما يعقل ومالايعقل ... وتبلغ الأمور ذروتها بانتقال الشائعات من سوق المقايل إلى سوق الصحافة ... وكل واحد يحدثك عن مصادره العليمة و(المقربة) من مصادر القرار وأن معلوماته من الدقة بما لايسمح بأن (تخر الميه منه)!! هذه الأيام يتحدث الناس عن تعديلات حكومية تارةً، وعن تغيير كامل للحكومة تارةً أخرى ... ومنذ شهر مايو الماضي يحرص المهتمون على سماع نشرة التاسعة مساءً التلفزيونية التي تتميز عادة ببث القرارات الهامة ... أما إذا حل يوم الأربعاء من كل أسبوع الذي تصدر فيه غالباً القرارات الهامة فستجد تحلقا أكبرعلى التلفزيون وأعصاباً أكثرانشدادا أو انفلاتاً على السواء ليس فقط ممن يتوقعون سماع أسمائهم في قرار هنا أو هناك أو من يتوقعون أن تطير مناصبهم من بين أيديهم بل حتى من أناس بسطاء يعتقدون أن تعديل الحكومة أو تغييرها سيؤدي إلى حلول حاسمة لمشاكلهم الخاصة! وثبت جلياً أن معظم الناس لاينسون... فهم يتذكرون جيدا أن الرئيس علي عبدالله صالح أعطى الحكومة الحالية التي تشكلت في مايو 2003م مهلة سنتين لإثبات جديتها وكفاءتها في معالجة الصعوبات وتحسين الأوضاع ... لكنهم لم يفطنوا إلى أن مهلة الرئيس لاتعني تعديلاً أو تغييراً حتمياً مع نهاية السنتين ليس فقط لأنه قد يكون راضياً ولو بنسبة محدودة عن أدائها لكن أيضا لأنه قد يرى أن هناك توقيتاً آخرأفضل وأنسب لإجراء مثل هذا التعديل أو التغيير مثل أن يكون بعد إجراء الإصلاحات الاقتصادية أو عقب المؤتمر العام للحزب الحاكم أو حتى بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية التي ستجرى في سبتمبر من العام القادم...وقد يأتي هذا التعديل أو التغيير بدون مناسبة محددة أصلاً بمعنى أن يأتي في لحظة معينة يحددها الرئيس أو يقترحها رئيس الحكومة ليست مرتبطة بحدث معين ... وهانحن نرى الرئيس – على سبيل المثال - يعطي الحكومة مهلة محدودة في خطابه الأخير أمام قيادات وزارة المالية دون أن يحدد هذه المهلة، ومع ذلك فقد ظل سوق الشائعات مزدهراً يشكل في الصباح حكومة ويعلن في المساء حكومة أخرى! قد تكون مثل هذه الشائعات دليلاً على حيوية المجتمع السياسية ورغبته في التغيير والتجديد بين الحين والآخر... لكنها من جانب آخر تنعكس بصورة سلبية على أعضاء الحكومة – أية حكومة - من الناحية النفسية والعملية ... وهي كذلك تسيء بشكل مباشرلمن يتم تداول أسمائهم بأنهم سيدخلونها في التعديل أو التغييرالذي يتوقعه مثيرو الشائعات...وفي كثير من الأحيان قد تخلق من الحساسيات بين المرشحين للخروج والمرشحين للدخول بحسب البورصات التي تملأ السوق إلا من وهبهم الله عقولاً راشدةً لاتعنى بالشائعات ولاتتعامل معها بجدية ... ولذلك لاتملك إلا أن تشفق على أولئك الذين ينساقون وراءها سواء أولئك الذين يشغلون مناصب وزارية أو أولئك الذين يصدقون أنهم مرشحون للحلول محلهم وكأنهم لايعرفون كيف يتم اتخاذ مثل هذه القرارات وما يرافقها من تكتم شديد... ونسي هؤلاء على سبيل المثال كيف جاءت حكومتا باجمال الأولى والحالية بأسماء لم تكن في البال ولا في حسبان أحد وخارج كل التوقعات والشائعات وأنه حتى لحظة إعلانهما لم يعرف أحد عنهما أي تفاصيل بما في ذلك أناس يعتبرهم الكثيرون أنهم من صناع القرار أو أنهم لاتخفى عنهم خافية في مثل هذه الأمور على الأقل... ومع ذلك نجد عدداً غير قليل من مثيري الشائعات وأصحاب الصحف يستمرأون تلك الأساليب ويعلنون حكومات وهمية لتسويق مطبوعاتهم دون أن يدركوا مايتسببون فيه من الإساءة والأذى والإزعاج النفسي والاجتماعي لأصحاب الأسماء التي يوردونها في توقعاتهم التي تكون في الغالب نتاجاً لمقيل قات أو مجرد أمنيات يأملون حدوثها أو استقراء غير واقعي لآلية وطبيعة اتخاذ القرار في مثل هذه الأمور! الأكيد أن مثل هذه الشائعات تنعكس سلبا كذلك على الأوضاع الاقتصادية من حيث سعر العملة الوطنية مثلاً أو فرص الاستثمار حيث يحرص المستثمرون على قراءة الأوضاع السياسية من خلال متابعة مثل هذه الأمور والتوقعات ومتابعة انعكاساتها على الاستقرار الاقتصادي ، وهو أمر ينبغي أن تتنبه له قيادات الدولة ولاتسمح له بالانتشار بل ويجب أن تسارع إلى نفيه فوراً..فلاشك أن كثرة الشائعات عن تعديل أو تغيير واستمرارها لوقت طويل يخلق بلبلة في أوساط المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال ويوحي بحالة من عدم الاستقرار والتردد في اتخاذ القرار، وذلك كله يؤثر سلباً على الأوضاع الاقتصادية ويخلق حالة من الركود بانتظار هذا التعديل أو التغيير الذي يقرؤه كل مستثمر وتاجر من زاوية مصالحه وعلاقاته ويبني عليه رؤيته المستقبلية سلباً كانت أو إيجاباً! كثير من هذه الشائعات أو الأخبار تؤكد أن المقصود منها إثارة البلبلة واللغط في الساحة اليمنية بسبب تصادمها مع حقائق الأمور وطبيعة التوجهات الحالية للقيادة السياسية ، ومنها على سبيل المثال ما أشيع من أن الرئيس أرسل مبعوثين سراً إلى كل من الرئيس السابق علي ناصر محمد ورئيس الوزراء السابق حيدر العطاس لإقناعهما بتشكيل حكومة جديدة ولا أعلم كيف يمكن أن يتعامل أي صحفي أو سياسي مع مثل هذه المزحة بجدية والتي يدرك أي سياسي مبتدئ بأنها لاتستقيم مع متطلبات المرحلة القادمة وماتقتضيه من استقرار وإصلاحات وتوفير أجواء آمنة للاستثمار ... وقس على ذلك كل مايجري تداوله من إشاعات هذه الأيام في ظل صمت رسمي غير مبرر ، وأتمنى هنا أن نحذو حذو الأردن الذي تحدث فيه عادة تسريبات حول تعديل أو تغيير حكومي قد يكون هدفها استقراء ردود فعل الشارع لكنها لايمكن أن تستمر أكثر من أيام معدودة جداً يحدث بعدها هذا التعديل أو التغيير أويتم نفيه رسميا،ً ومن ثم لايترك أية انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي الذي لايحتمل أية هزات سياسية عنيفة في وقت هو أحوج ما يكون فيه للاستقرار!! [email protected]