تشهد البلاد تحضيرات واسعة لا تخلو من السخونة على طريق الانتخابات الرئاسية والمحلية التي تمنح قوة دفع للعملية الديمقراطية الجارية في البلاد. يفخراليمنيون بأنّهم يشاركون في تطوير عملية ديمقراطية سبقت بلداناً عربية وإسلامية لا تعرف مجتمعاتها حتى الآن، أبسط أنواع المشاركة السياسية، وتجاوزت في الوقت نفسه سقوف الممارسة الديمقراطية في معظم البلدان العربية والنامية التي تسيرعلى طريق الديمقراطية. تأسيساً على ما تقدم ، يمكن القول إنّ الديمقراطية هي الفائز الأول في كافة المباريات الانتخابية التي شهدتها بلادنا بدءاً بانتخابات مجلس النواب عام 1993م وعام 1997م مروراً بالانتخابات الرئاسية عام 1999 وانتخابات المجالس المحلية عام 2001م وانتهاءً بالانتخابات النيابة الأخيرة عام 2003م.. وقد جسدت هذه المباريات التي شارك فيها أكثر من ستة ملايين ناخب وناخبة تحولاً تاريخياً هاماً في مسار تطور النظام السياسي في بلادنا، منذ قيام الثورة اليمنية (26 سبتمبر – 14 أكتوبر) إذ أصبحت إرادة الشعب عبر صندوق الاقتراع هي المصدرالوحيد لشرعية الحكم في اليمن باعتبار أنّ الشعب هو مالك السلطة ومصدرها. بصرف النظرعن التجاذبات والاستقطابات الحزبية والاشكاليات التي رافقت مختلف المباريات الانتخابية، فقد شكل الاحتكام إلى صندوق الاقتراع ، والتسليم بحق المواطن في اختيار من يحكمه ومن يمثله في هيئات السلطة المنتخبة، سلوكاً حضارياً يؤشرعلى تراكم متصاعد لتقاليد الممارسة الديمقراطية ، وما يترتب على ذلك من متغيرات جوهرية في بُنية الثقافة السياسية الديمقراطية التي يتم اغناؤها بقيم الحوار والانفتاح والقبول بالآخر، مقابل تراجع الثقافة السياسية الشمولية وما تنطوي عليه من ميولٍ نحو الاستبداد والأحادية والإقصاء والتكفير والتخوين!! لم يعد مجدياً للأحزاب التي تمثل أقلية سياسية في البرلمان المنتخب تبرير إخفاقها في الحصول على أغلبية أصوات الناخبين من خلال ترديد تلك الاسطوانة المشروخة التي تفرط في اتهام الجهازالمنظم للانتخابات بالتزويرعلى نحوٍ ما يحدث في هذه الأيام التي ازدهرت خلالها حرفة إصدارالبيانات والتصريحات الصادرة عن أحزاب المعارضة المنضوية في " اللقاء المشترك ".. وهي اسطوانة قديمة لا تساعد على اكتشاف الأسباب الحقيقية لإخفاق هذه الأحزاب في بلوغ هدف الوصول إلى السلطة عبر صندوق الاقتراع، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الجهاز الذي يتولى الإشراف على الانتخابات ويتعرض لاتهامات الأحزاب الفاشلة هو الجهاز نفسه الذي شاركت في إدارته ومهماته في الانتخابات السابقة عشرات الآلاف من قيادات وكوادروأعضاء الأحزاب السياسية على نحوغير مسبوق، ولا يوجد له مثيل في بلدان العالم.. بمعنى أنّ الأحزاب التي تتهم هذا الجهاز بتزويرالانتخابات لا يمكن تبرئتها من المسؤولية عن هذا التزوير طالما وأنّها جزء أصيل من تشكيلة هذا الجهاز، وبالتالي يصح القول ان احزاب المعارضة تتهم نفسها بالتزويرايضا ،وهو ما أثبتته احكام قضائية كسبها المؤتمرالشعبي العام في بعض الطعون التي رفعها للقضاء واتهم فيها ممثلي بعض احزاب المعارضة في عدد من اللجان الانتخابية الفرعية بتزويرالنتائج واستخدام اساليب غيرقانونية اثناء عملية التصويت والفرز !! لا ريب في إنّ إدمان التعاطي مع هذه الاسطوانة المملة يعود بخسارة على هذه الأحزاب أكبر من خسارتها في الانتخابات، إذ يصرفها عن التقويم الموضوعي لأخطائها وسلبياتها، ويجعلها عاجزة عن اكتشاف نقاط الضعف في المشاريع والأفكار التي تتبناها، بما في ذلك عجزها عن قراءة وفهم عالم الحقيقة الواقعي الذي لا يمكن إخضاعه للتزوير. وبوسع الأحزاب السياسية التي فشلت في الحصول على أغلب مقاعد البرلمان المنتخب أن تنجح في تشكيل معارضة فاعلة تسهم من خلالها في تطوير العملية الديمقراطية عن طريق مراقبة أداء حكومة حزب الأغلبية وتفعيل سلطة الدستور والقانون، فالمعارضة هي الوجه المكمل للسلطة، وبدون دورفاعل لها في البرلمان خصوصاً، والحياة السياسية عموماً، يصعب تطوير نظامنا السياسي الذي يحتاج إلى مزيدٍ من المشاركة الشعبية وضمان الحريات المدنية وحماية حقوق الإنسان وغيرها من المبادئ والآليات الديمقراطية التي تثري حياة مجتمعنا بالقيم الإنسانية النبيلة. ليس مطلوباً من أحزاب المعارضة التنازل عن حقها المشروع في الاختلاف مع برنامج وسياسات الحزب الذي فاز بثقة أغلبية الناخبين وهو المؤتمر الشعبي العام.. بيد أنّه ليس من حقها منعه من تنفيذ هذا البرنامج الذي اكتسب شرعيته الدستورية عبر صندوق الاقتراع، ومواصلة التحريض ضده بعد أن قال الناخبون والناخبات كلمتهم الحاسمة. ولئن كانت أحزاب المعارضة قد أدمنت على توجيه مثل هذه الاتهامات للحزب الذي ينافسها في الانتخابات، فإنّ ذلك يؤشر على دخولها في مأزق حادٍ أصبحت معه غير قادرة على تقويم الأسباب الحقيقية لعجزها وفشلها في نيل ثقة أغلبية الناخبين، حيث تلجأ إلى أقصر الطرق وهي الصراخ والعويل وإطلاق الاتهامات يميناً يساراً بعد إعلان نتائج كل انتخابات. ويزيد من مأزق هذه الأحزاب لجوؤها - ليس فقط إلى اتهام الجهاز المنظم للانتخابات بالتزوير على الرغم من مشاركتها فيه سواء على مستوى اللجنة العليا للانتخابات أوعلى مستوى اللجان الفرعية خلال المباريات الانتخابية السابقة - بل أنّها دأبت أيضاً على الصراخ والعويل في وقتٍ مبكر قبل الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في سبتمبر القادم، الأمرالذي يفتح المجال واسعاً للابتزاز والبحث عن أبواب خلفية للمساومات على حساب نزاهة الانتخابات، خصوصاً بعد أن أدركت أحزاب الأقلية صعوبة تحقيق مكاسب انتخابية عبر صندوق الاقتراع. في الاتجاه نفسه ينبغي لحزب الأغلبية احترام وضمان الحقوق الدستورية المشروعة لأحزاب الأقلية، وبهكذا سلوك يمكن للجميع إثبات صدق الإيمان بالخيار الديمقراطي وتجسيد الحرص على إعلاء سلطة الدستور والقوانين النافذة، وتعزيز الشراكة في تطوير الممارسة الديمقراطية وترسيخ قيمها في حياتنا السياسية، بما من شأنه ترسيخ الوحدة الوطنية في إطارالتنوع والتعدد والاختلاف، والتمسك بالديمقراطية كخيارٍ لا رجعة عنه من أجل بناء الوطن وازدهار الإنسان في يمن حر ديمقراطي موحد. http://[email protected]