بعد ايّام قليلة يكون قد مرّ شهر كامل على بدء العدوان الاسرائيلي على لبنان وهو عدوان اتّخذ شكل حرب شاملة ذات طابع وحشي على البلد الصغير الذي تحوّل مرّة اخرى مجرّدساحة للنزاعات الاقليمية. يدفع لبنان ثمناَ باهظاً لتحوّله ساحة لصراعات لا علاقة له بها ذلك ان النظام الايراني اختار ان يواجه المجتمع الدولي من خلال لبنان في حين ان النظام السوري يرى في لبنان الخندق المتقدم الذي يسعى عبره إلى اظهار انّه لا يزال ضرورة اقليمية. وفي ضوء المعطيات المرتبطة بالنظامين في سوريا وايران والوجود العسكري الطاغي لحزب الله يبدو طبيعياً ان تختار الحكومة اللبنانية التريث في التعاطي مع ايّ قرار يمكن ان يصدر عن مجلس الامن التابع للامم المتّحدة في شان وقف القتال في لبنان. لا تستطيع الحكومة اللبنانية الاّ ان تاخذ في الاعتبار تحفظّات حزب الله عن نص القرار الفرنسي- الاميركي المطروح على المجلس على الرغم من اعتراضات الحكومة على تصرّفات الحزب الذي جرّ لبنان إلى المواجهة الاخيرة مع اسرائيل من دون ان يكون مهيّئاً لها. وفي حال لم يكن مجلس الوزراء اللبناني على استعداد للتحفّظ على مشروع القرار الفرنسي- الاميركي يبدو واضحاً ان حزب الله على استعداد للذهاب إلى ابعد ما ذهب اليه ايّ إلى اللجوء إلى السلاح واعمال العنف لتاكيد انّه ليس قابلاّ بما يقرّه المجتمع الدولي ممثّلاً بمجلس الامن متى كان الامر يتعلق في نهاية المطاف باغلاق جبهة جنوب لبنان في وجهه. لا يبدو حزب الله على استعداد للاقرار بانّ توقف الحرب في لبنان يمكن ان يكون في مصلحة البلد. هناك بكل بساطة اعتبارات مختلفة للحزب لا بدّ من اخذها في الاعتبار. في مقدّم هذه الاعتبارات انّه امتداد لجهات اقليمية في مقدّمها ايران التي لا يمكن الاّ ان تكون طرفاً في اية تسوية في لبنان. لقد استثمرالنظام الايراني الكثير في حزب الله ولم يكن هذا الاستثمار لسنة او سنتين بل انّه استثمار مستمر في الحزب منذ اواخر العام 1982 حين بدا حزب الله يحلّ عبر الميليشيا التي شكّلها بمساعدة الحرس الثوري الايراني بشكل تدريجي مكان الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان وهو الوجود الذي انهاه الاسرائيليون صيف العام 1982 عندما خرجت قوّات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت ورفع ياسر عرفات شارات النصر مؤكّداً انّه عائد إلى فلسطين. عاد ياسر عرفات بالفعل إلى فلسطين. لكنّ ذلك لم يكن عبر البوابة اللبنانية وانّما عبر بوابة اتفاق اوسلو الذي وقّع بعد مضيّ احد عشر عاماً على خروج الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني من الاراضي اللبنانية عبر البحر في اغسطس 1982. استثمر النظام الايراني الكثير الكثير في حزب الله الذي لعب دوراً في غاية الاهميّة في ملء الفراغ الامني الذي خلّفه انسحاب القوات السورية من الاراضي اللبنانية في ابريل- نيسان من العام 2005 .ولذلك كان طبيعيّاً ان ياتي وزير الخارجية الايراني منوشهر متّكي إلى العاصمة اللبنانية ليؤكّد ان بلاده لاعب اساسي في لبنان وانّ دورها اهمّ من اي دور عربي بما في ذلك الدور السوري. وليس صدفة ان يكون وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست- بلازي حضر إلى بيروت للقاء الوزير الايراني خصيصاً من منطلق انّ بلاد الفرس لاعب اساسي في لبنان وانّها القوة التي تسيّر حزب الله. ولم يخف المسؤولون الفرنسيون الذين سئلوا عن سبب كلّ هذا الاهتمام بالدور الايراني انّهم يعتبرون هذا البلد اللاعب الاقليمي الاهمّ في لبنان ولذلك كان عليهم التوجه إلى الشركة الامّ وليس إلى فروع الشركة او وكلائها لدى محاولتهم البحث عن صيغة يوافق عليها مجلس الامن تؤدي إلى وقف القتال على الاراضي اللبنانية. من المستبعد ان تكون فرنسا حصلت على موافقة النظام الايراني على الصيغة التي طرحتها على مجلس الامن بالاتفاق مع الادارة الاميركية. ولذلك لم يجد مجلس الوزراء اللبناني سوى التمهّل مبدياً بعض التحفظات على نص القرار المطروح. بالنسبة إلى لبنان يمرّ السلم الاهلي قبل اي اعتبار آخر.وبالنسبة إلى مجلس الوزراء اللبناني الذي فوجئ بالعملية التي نفّذها حزب الله في الثاني عشر من يوليو –تمّوز الماضي عندما خطف جنديين اسرائيليين من داخل الاراضي الاسرائيلية وفوجئ اكثر بالحرب التي شنّتها اسرائيل ومدى اتساعها ووحشيتها من المهم في هذه المرحلة المحافظة على انجاز محدّد. يتمثّل الانجاز في حماية الوحدة الوطنية اللبنانية التي من دونها لا مستقبل للبنان. في الامكان اصلاح الاضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية للبلد على الرغم من ضخامتها لكنّه لن يكون في الامكان المحافظة على وحدة البلد ارضاً وشعباً مستقبلاً في حال انفراط الوحدة الوطنية. تجلّت هذه الوحدة بالطريقة التي استقبل فيها اللبنانيون النازحين من المناطق المختلفة خصوصاً اهل الجنوب من الشيعة واهل الضاحية الجنوبيةلبيروت التي تعرّضت لقصف وحشي. فتحوا لهم البيوت والمدارس وكلّ الاماكن التي في الامكان ان تساعد في استيعابهم والتخفيف من آلامهم. كان استقبال ما يقارب مليون نازح بطريقة لائقة بدل مليون سائح كان لبنان ينتظرهم هذا الصيف دليلاً على ان اللبنانيين يعون طبيعة المخاطر التي تحيق ببلدهم وبمستقبله لذلك حافظوا على درجة عالية من الوعي والمسؤولية وتفادي الدخول في لعبة تصفية الحسابات مع حزب الله في هذه المرحلة بالذات على الرغم من الخطا الذي ارتكبته بعض الانظمة العربية التي حرّضت على الحزب. ان الحذرالذي ابداه مجلس الوزراء اللبناني على صعيد التعاطي مع مشاريع القرارات المطروحة على مجلس الامن مبرر إلى حدّ كبير حتى لو بدا ان الاولوية يجب ان تُعطى لوقف اطلاق النار في ايّ شكل من الاشكال لحماية المدنيين الابرياء الذين يتعرضون يومياً للقتل بسبب الآلة العسكرية الاسرائيلية. ما يبرر هذا الحذر ان ليس في العالم من يعد بوقف فوري لاطلاق النار بمجرد قبول لبنان القرار الدولي المطروح. هذا اوّلاً. اما الامر الآخر المهم ايضاً فهو ان الطرف الذي هُزم في الحرب كان لبنان وليس حزب الله الذي لا يزال يحتفظ بسلاحه.وهزيمة لبنان ستصير مضاعفة واكثر فداحة في حال لم يوافق الحزب على قرار لمجلس الامن يتضمّن شروطاً معيّنة لا تناسبه. مرة اخرى المهم المحافظة على الوحدة الوطنية من اجل المحافظة على وحدة لبنان مستقبلاً ومن اجل الاّ يخرج لبنان من الحرب التي تشنّ عليه مفككاً غير قادر على استعادة وحدة اراضيه ووحدة شعبه. في ظلّ الظروف التي يعيشها وفي ظلّ التجاذبات الاقليمية والدولية يدور لبنان حالياً في حلقة مفرغة. الخوف كلّ الخوف ناجم عن غياب الموقف العربي الموحّد الذي يؤدي إلى قيام نوع من التوازن مع النفوذ الايراني المتزايد في المنطقة من جهة ومع الرغبة التي يبديها المجتمع الدولي في فرض حلول معيّنة في مقابل الموافقة على وقف اطلاق النار من جهة اخرى. هل في استطاعة العرب تجاوز خلافاتهم والنظر إلى الوضع اللبناني بطريقة مختلفة تاخذ في الاعتبار الا مفرّ من تسوية سياسية لا تراعي ما يطلبه المجتمع الدولي الذي اعطى الضوء الاخضر لاسرائيل كي تشن عدوانها فحسب بل تراعي المتطلبات الايرانية ايضاً بعدما استطاع هذا البلد بفضل حزب الله والمحور الذي اقامه مع النظام في سوريا التحوّل إلى قوة على تماس مباشر مع اسرائيل انطلاقاً من جبهة جنوب لبنان. لا شكّ ان على العرب بذل جهد استثنائي لم يعتادوا عليه من اجل ايجاد موقع لهم في المعادلة اللبنانية. والاكيد ان فشلهم في لبنان دليل على انهم باتوا مهمّشين على غير صعيد في الشرق الاوسط اكان ذلك في العراق او في فلسطين. والاكيد ايضاً ان عليهم ان يعوا إلى حدّ ما ان المساعدات التي تُرسل إلى لبنان لا تكفي لتعويض تقصيرهم في المجال السياسي. انّهم بصراحة يدفعون ثمن عدم اكتراثهم الجدّي بلبنان طوال العقود الثلاثة الاخيرة وتركهم النظام الايراني يستثمر سياسياً وامنياً وطائفياً ومذهبياً واعلامياً في البلد منذ اواخر العام 1982 ... انّهم باختصار يدفعون ثمن تقصيرهم وعدم ادراكهم ان لبنان بالنسبة إلى العرب اهمّ بكثير مما يُعتقد.